الأردن: انتخابات ونقود مسيّسة

يناقش المدوّن الأردنيّ بيطار وردام شكّه بتقدّم النظام السياسي الديموقراطي الأردني في هذه التدوينة (عربي). هل هي نقود فحسب أم أنّ النقود باتت مسيّسة وتزوّد حملات البلاد من أجل مقاعد في البرلمان؟

يشرح وردام:

لو كانت هناك جائزة سنوية لأفضل صورة تنشر في الصحافة الأردنية لحازت عليها بالتأكيد الصورة التي نشرت في الصفحة الأولى من جريدة الدستور يوم الإثنين والتي تمثل مجموعة مرشحين يتزاحمون ويتسابقون للحصول على الرقم الإنتخابي رقم 1 في إربد. إنها صورة تجسد كل المعاني الحقيقية في “العرس الإنتخابي الديمقراطي الأردني” في العام الثامن من القرن الحادي والعشرين.
سباق فردي للحصول على أفضل أدوات الظهور الشعبي في حملة الإنتخابات. المرشح الأذكى هو الذي بدأ عمله في ليلة السبت وإحتل كافة الإشارات الضوئية وأعمدة الكهرباء والجسور والإنفاق والأشجار في الشوارع الرئيسية حتى قبل أن يحصل على موافقة الترشيح. الاسرع هو الذي وقف منذ الليل في إنتظار فتح الأبواب للحصول على الرقم 1، تماما مثل نمرة السيارة الصغيرة يمثل مكسبا اجتماعيا وجاهيا يستحق السهر والتعب وإنفاق المال.

كتبت سابقا عن ظاهرة “المال السياسي” في الإنتخابات وكتب بعض الزملاء ولكنني أريد أن أعتذر على الخطأ الذي ارتكبته، فما نراه الآن ونحن لا نزال في بداية الحملة الإنتخابية ليس مالا سياسيا، بل مجرد مال يتم إنفاقه بكثافة ويحرك قطاعات كثيرة في الاقتصاد الأردني خاصة شركات الإعلان والتصميم والمواد الغذائية والمناسف ولكن ليست له علاقة أبدا بالسياسة. أنه مال لا يرتبط بأفكار حزبية أو برامج سياسية بل يرتبط بأشخاص وأفراد يطمحون بالمقعد النيابي وكل ما يرتبط به من مكتسبات ومصالح والقليل جدا من طرح نفسه مرشحا لبرنامج سياسي.

حسنا، ربما تكون المشكلة تتعلق بي أنا شخصيا ولا أريد أن أظلم المرشحين والمجتمع. أنا من جيل بدأ وعيه السياسي في مرحلة الدراسة الجامعية على الإنفتاح الديمقراطي في نهاية التسعينات وشاركنا بفعالية في إنتخابات 1989 وآمنا بالديمقراطية في 1993 وشعرنا بخيبة أمل أولى في 1997 وشاهدنا تراجعا في نوعية العمل السياسي في 2003 ولكنني الآن وفي العام 2007 اشعر بأنني لا أنتمى أبدا إلى هذا العالم المطروح في الشوارع والصحف من أسماء وشعارات إنتخابية.

في العالم الذي أنتمى إليه، والمتمثل في العائلة والعمل المهني والإعلام والثقافة والمؤسسات المدنية والأكاديمية والتعليمية لم أجد معظم من وجدت صورهم تملأ الشوارع صباح أمس. لا أعرف شيئا عن عالم البزنس والعقارات والأسهم والأراضي والمقاولات والبناء والمطاعم والنشاطات الاقتصادية الأخرى، ولهذا لم أميز المرشحين الذين نراهم عند كل تقاطع وشجرة وعمود إنارة ولوحة إعلانات. تمكنت من تمييز نواب سابقين لا يريدون التخلي عن مقاعدهم بالرغم من أنهم لم ينجزوا شيئا، وميزت أبناء لمسؤولين ونواب سابقين يريدون الحفاظ على المقعد النيابي الوراثي، وميزت قيادات عشائرية أحترمها وأجلها ولكن لا أؤمن بأن مكانها هو البرلمان. حاولت جاهدا أن أبحث عن مرشح حزبي، أو مفكر سياسي، أو خبير اقتصادي، أو محامي معروف أو استاذ جامعي أو ناشط في حقوق الإنسان والديمقراطية وعيل صبري ونفذ بنزين سيارتي ولم أجد.

لم أعرف بعد من أنتخب في دائرتي، ولا أعتقد بأنني سوف أقرر سريعا، وربما أبقى في بيتي وأغيب عن ممارسة حقي الإنتخابي ولكن أشعر بأنني شخص غريب عن كل هذا الذي يحصل وأن كل الدائرة المعرفية التي كونتها في هذا البلد ليست ممثلة في الإنتخابات، وبما أنني أدعي أنني استطيع تمييز الكثير من الشخصيات القادرة على المساهمة إيجابيا في بناء الأردن اشعر بإحباط شديد بأننا نسير نحو مجلس نواب فريد من نوعه يسوده المال فقط وليس الكفاءة.

ربما يقول لي البعض: صح النوم، وأهلا وسهلا بك في الأردن الجديد. لا أحد يهتم لا بالعمل العام ولا بالثقافة ولا الفكر ولا البرامج السياسية ولا حتى الاقتصاد المتماسك الإنتاجي، وكل ما نحن نمر فيه هو مرحلة تحول نحو سطوة المال والمضاربات والسوق على كل القرارات. المال الذي يعطي المرشحين المزايا النسبية على بعضهم البعض ويقنع الناخبين بالتصويت لمن يملك المال الأكثر ومن يقدم الهبات الأفضل فهذا موسم تبادل المصالح حيث مصلحة الصوت الإنتخابي مقابل مصلحة المال لأن معظم من نرى صورهم يتوددون إلينا الآن لن نراهم بعد الإنتخابات وسوف نسمع عنهم فقط في وسائل الإعلام، أنها فرصة ينبغي إستثمارها.

هل وصلنا بالفعل إلى هذا الوضع الذي بات فيه المال سيد الموقف؟ أمضينا كثيرا من الوقت ونحن نناقش القانون الإنتخابي والظلم في نظام الصوت الواحد وتعطيل التنمية السياسية وناقشنا وبكثير من التحفظ عدم عدالة توزيع الأصوات بين المدن والمحافظات، ولكن حتى في المدن فإن السيادة هي للمال كما في المحافظات للعشيرة فأين الوعي السياسي الذي نتوهم وجوده في المدن؟

ولكن هل هنالك مجال للخروج من هذا الواقع؟ ما هي فرص وجود “كتلة حرجة” في المجتمع تستطيع أن تتمرد على سطوة المال وإغرائه وعلى فروض الولاء العائلي وتساهم في التغيير؟ في الوقت الحالي أحس بالكثير من الإحباط ولكن من غير المنطقي أن نلوم الحكومة فقط على صياغة نظام إنتخابي يعطي الفرص لأصحاب المال والنفوذ فقط لأنه في نهاية الأمر الناخب نفسه هو الذي يدلي بصوته بدون أن تجبره الحكومة (إلا في حالات خاصة!) وهذا يعني أنه لو فاز مرشحو المال والزعامات التقليدية فلا يقع اللوم على الحكومة بل على الناخب.

في هرم ماسلو للحاجات الإنسانية تبدأ القاعدة بالحاجات الأساسية للبقاء وخاصة الاقتصادية منها ثم في النهاية تأتي احتياجات الفكر والثقافة والسياسة والقيم الجماعية، وفي المجتمع نفس الأمر قد ينطبق. بعد 18 سنة من الإنفتاح الديمقراطي لا تزال الحاجات الاقتصادية الآنية للمجتمع إلى نواب خدمات واستفادة من فرصة الحملة الإنتخابية تعطي الأفضلية للمال وللنفوذ العائلي وتطيح بكل فرص المرشحيين المسيسين بإستثناء الإسلاميين المدعومين بمشاعر الدين أيضا.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.