فلسطين: التواصل مع غزّة

في الظروف الطبيعية ورغم نسبة القدرة العالية على القراءة والكتابة، فإن نسبة استخدام شبكة الانترنت في فلسطين لا تتجاوز الـ 15 بالمئة (قطاع غزّة والضفة الغربية). الهجوم على غزّة على أيّ حال تسبب بانخفاض قدرة الوصول إلى الانترنت بشكل كبير. على الرغم من وجود عدد من المدونين ما زالوا ينقلون الأخبار من قلب غزّة، العديد من المواطنين لجأوا إلى الرسائل النصية أو اجراء مكالمات هاتفية بعيدة على أمل أن تنقل قصصهم إلى العالم.

محمّد [KABOBfest]، المتواجد في الضفة الغربية، ينقل أخبار غزّة منذ عدة أيام، وكانت نشرته الأولى في التاسع والعشرين من كانون الأول [ديسمبر]، حيث يخبرنا:

أردت أن أتصل بأعمامي وأن أطمئن عليهم وعلى عائلاتهم، ولكنني لم أتمكن من فعل ذلك طوال اليوم، شعرت بالخوف الشديد من معرفة الحالة التي يمكن أن يكونوا بها. لكنّ عندما تمكنت من الاتصال بهم، شعرت بالسرور.

عمّي جاسم أخبرني بأن الأمور أفضل هذا اليوم [29-12-2008]، ما زال هناك خوف لكنّ الناس بدأت تستعيد نفسها، تمكنّا من امتصاص صدمة الهجوم الأول، وهذا ما يساعدنا على تجاوز اليوم. وقال بأنّ السماء كانت هادئة لما يقارب النصف ساعة فوق خان يونس، لكنّ السفن الحربية تضرب الشاطىء.

صوته كان قوياً، كما كان عندما اعتدت أن أتكلم معه في أيّ وقت قبل حدوث المجزرة، وأخبرني بأن لا أقلق كثيراً.

ليس لديهم كهرباء كالعادة، فأخبرته عن المظاهرات والصدامات في الضفة الغربية والدعم المتدفق من حول العالم. أخبرته بأنه لم ينساهم أحد، وكان ردّه بأن أصلّي لهم قدر ما أستطيع. أطفاله الصغار كانو نيام، لكن ابنتاه، حنين و يقين، كانتا يقظتان، أخبرته بأن يقول لهم بأننا نفكر بهم.

اتصلت بعدها بعمّي محمود، البارحة أخبرني بأنه ينتظر الموت. حيث اتصل الجيش الاسرائيلي معه وأخبره بأنهم سيقومون بقصف منزله خلال بضعة دقائق. لقد جعلنا ذلك جميعاً في رعب شديد، لكنه اليوم أخبرني بأنه من الواضح بأنّ الجيش الاسرائيلي أرسل تلك الرسائل لعشرات الآلاف من المنازل. إنه تكتيك ساديّ وقاسي، صمم لارهاب مئات آلاف المدنيين داخل منازلهم.

لكنّ أمله خاب لاحقاً. في الثالث من كانون الثاني [يناير]، كتب محمد [KABOBfest] مرة أخرى:

تمكنت من الوصول مرة أخرى إلى عمّي محمد في مدينة غزّة. وخلال المكالمة الهاتفية، كنت أسمع صوت انفجار كلّ عشرين ثانية أو أقل.

في برودة الليل القارسة، الرعب هو الوحيد الذي يلفّ أهلّ غزّة، وخصوصاً مدينة غزّة. صوت اطلاق النار والانفجارات تؤطر سماء موشحة بالسواد التي يملأها ضجيج الطائرات الحربية وهجمات المروحيات.

لا أحد يعلم مالذي يتم ضربه، أخبرني عمّي بأنّ الانفجارات طالت جميع الأرجاء من حولهم، بالقرب منهم أو بعيداً عنهم، من جميع الجوانب، والاذاعة المحلية، التي كانت حتى الآن ممتازة في التقرير عن ماذا يحدث على الأرض، لم تتمكن من تحديد ماهية الأهداف التي يتم استهدافها.

لا أحد متأكد فيما إذا كانت الغارات تستهدف المنازل، أو المساجد، أو حتى المناطق المقصوفة سابقاً، لذلك لا أحد يدرك إن كان هناك تغيير في التكتيك ان حدث. في الحرب، سواء بالنسبة للمدنيين أو الجنود، لا يوجد شيء أكثر رعب من أن لا تعرف.

في تدوينة ثالثة، يفصّل اتصالاته مع العديد من أفراد العائلة من حول غزّة، ويقارن الوضع على الأرض من مدينة غزّة إلى خان يونس، ويصف اتصاله مع زوجة عمه:

لقد تكلمت مع أريج مجدداً. وقد هدأت بطريقة ما، لكنها مع ذلك تبدو خائفة للغاية، وسألتها عن الصغار، قالت بأن الطفل يزيد نائم بجانبها. دينا أيضاً كانت نائمة، وقد طلبت أمهم من ندى وهيا أن يذهبوا إلى غرفتهم، حيث من الممكن أن يكون ذلك أكثر أمناً.
سألتهم إذا كانوا يشعرون بالدفء والنوافذ مفتوحة بشكل دائم أمام الرياح، وردّت بأنهم عندما ينامون يرتدون ما أمكنهم من اللباس، ثم يلتحفون بأكثر عدد ممكن من الأغطية، لكن خلال النهار والمساء يشعرون بالبرد الشديد. سألتها حول أدهم، ابنها ذو الـ 11 سنة، ردّت بأنه فرد ألعابه على نور شمعتين صغيرتين ويحاول اللعب رغم البرد، والرعب، والقصف، والموت، والصدمة، يحاول أن يلعب بألعاب الليغو والسيارات، وبعض من ألعاب الجنود. لم أحاول سؤالها عن ماذا يفعل بالجنود، لم أكن أريد أن أعلم.

بنت بطوطة من البحرين وهي محررة في أصوات عالمية، عائشة سالدانها كانت تنشر تحديثات من أصدقائها في غزّة. وقد كانت رسالة صديقها حسن عبر سلسلة من الرسائل القصيرة اليوم [5-1-2009]:

6:30 صباحاً: “لا الخطوط الأرضية ولا الكهرباء يعملان. لقد استيقظت للتو وقرأت رسالتك [SMS]، سمعت أصوات عالية جداً لقذائف الدبابات في الخارج، الأباتشي والدرون أيضاً. ربما يكونوا بالقرب منّا، لا نعلم.”

8:20 صباحاً: “ما زالوا غير قريبين، أتمنى ذلك، اذا استمرت الكهرباء منقطعة كما في غزّة، لن نتمكن، ما زلت أحاول الاتصال مع أختي أو ارسال رسالة لها لكن دون جدوى”

1.30 مساء: “سألتني زوجتي، لماذا أعبس. رددت عليها، أعطني أي شيء من الممكن أن أعتبره مصدر أمل لكي أستطيع الابتسام. بعد أن أصبحت حاجات منزلنا اليوم كثيرة، من دواء، طعام، أدوات تنظيف، قررت النزول للسوق، على الرغم من أنهم استهدفوا سوقاً في غزّة، وقتلوا خمسة وجرحوا مجموعة من الناس، دخلت السوق وقد ضربت الاف16 منزلين بالقرب من السوق. شعر الجميع مثلي، امّا السوق أو المسجد، شعرت بالرعب. اشتريت نصف حاجيتنا، وهرعت للمنزل. وفي الطريق قاموا بضرب منزل آخر بالقرب من منزلي. الدبابات قصفت بلا هوادة الليلة الماضية، لقد شعرنا بقلق شديد”.

6:30 مساء: “في حال ساءت الأوضاع، سأضع بطاقة خطّي [SIM] في جوّال زوجتي، طائرة الـ اف16 تقصف حالياً، وصوت سيارة الاسعاف يدوي في الأرجاء، كلّ يوم أسوأ من الذي قبله”

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.