- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

فرنسا: ماذا ستفعل في لعبة الموت؟

التصنيفات: أوروبا الغربية, فرنسا, أفكار, الإعلام والصحافة, حرية التعبير, صحافة المواطن, علم, فنون وثقافة

أشعل الفيلم الفرنسي الوثائقي المثير للجدل “إلى أي مدى سيصل بنا التلفاز: لعبة الموت”، فتيل فضيحة عالمية [1] في السابع عشر من آذار/مارس بعد بثه تجربة لبرنامج ألعاب تلفزيوني مزيف، حيث يقوم المتسابقون بتعذيب اللاعبين الآخرين وذلك عبر صعقهم بصدمات كهربائية. المدهش أنّ أغلب المتطوعين من أصل ثمانين متسابق كانوا قد انخرطوا في اللعبة دون تذمر.

هذا المشهد أعلاه مأخوذ مباشرة من الفيلم الوثائقي، الذي بثته شبكة التلفزيون الفرنسية “فرانس2″.

والبرنامج التلفزيوني المزيف Xtreme Zone أعاد تمثيل تجربة [2]عالم النفس الأمريكي Stanley Milgram [3] والتي قام بها سنة 1960. لكن في هذه النسخة التلفزيونية الجديدة، يقوم متطوع “المُساءِل” بسؤال شخص “مُرشح” محتجز في صندوق. ولكل إجابةٍ خاطئة يُصعق المرشح بصدمة كهربائية. ومع كلّ سؤال تزداد حدّة التوتر. طبعاً، المرشح المحتجز في الصندوق ممثل، وكل شيء في البرنامج عدا المتطوع “المُساءل” مختلق ومزيف.

ينتهي العرض عندما يرفض المساءل المضي قدماً [يتمرد]، أو يرسل صعقتين متتاليتين من الجهد الكهربائي الأقصى 460 فولت، أي أنه يصبح [مطيع] في النهاية. ومن ثم يقوم علماء النفس الموجودين في الموقع بكشف الحقيقة للمساءل ويصورون ردّة الفعل.

التجربة المُتلفزة

هذه هي المرة الأولى التي يتم بث التجربة على التلفزيون، حيث تم تمثيل تجربة Milgram سابقاً [4] في أكثر من بلد مع بعض الاختلافات – هذا وقد تم تمثيلها في فيلم الخيال العلمي [I As In Icarius [5]] سنة 1979 من قبل Henri Verneuil، يمكنك مشاهدته من هنا بالفرنسية [6] ومن هنا بترجمة انجليزية [7].

يشير [8] Jean-Leon Beauvois [9]، أحد علماء النفس في البرنامج، وباحث ومحاضر في علم النفس الاجتماعي، للتجربة على منتدى العلوم الاجتماعية [فرنسي]. مفسراً أسبابه تعاونه:

[هناك سبب] دفعني لقبول [المشاركة في البرنامج] وهو تكامل هذا المشروع البحثي المقترح مع تلفزيون سياسي واسع النطاق، مما يعطي دفعاً للفيلم الوثائقي الذي يبين انتهاكات شبكات التلفاز ومخاطر تلفزيون الواقع.

بإعادة تمثيل تجربة Milgram، كان الباحث قد توقع نتائج مشابهة:

من أجل البرنامج كنا نتوقع الوصول لأقصى درجة من الطاعة لأننا حققنا ظروف تجربة Milgram والتي حققت نسبة 62.5% من الطاعة. وبالفعل، بلغت نسبة الطاعة لدى المساءلين 81% حيث اختاروا تطبيق صعقة كهربائية بجهد 460 فولت مرتين.

ويستنتج بحذر، أنّ التلفزيون هو مؤسسة يكون فيها الناس أكثر عرضة للطاعة:

الناس ليسوا بحاجة لمراجع أو معرفة أو علوم، إلخ…ليطيعوا شخصاً يأمرهم بأوامر غير أخلاقية بسياق مؤسسي، حيث أنهم هنا ليقوموا بتنفيذ ما طُلب منهم أن ينفذوه. ويدينون بهذا الميل للطاعة إلى نظامهم التعليمي والروتين المتبع ضمن منظماتهم أو مؤسساتهم.

ردود فعل المدونين

خلافاً لمشاهدي التلفزيون (تقييم البرنامج منخفض حتى الآن [10]) [فرنسي]، نقل التجربة على التلفزيون أطلق العديد من ردود الفعل في فضاء التدوين.

انتقد الكثيرون تنفيذ التجربة في سياق التلفزيون. يدحض [11] Andre Gunthert، مؤرخ وباحث في الدراسات البصرية،  [فرنسي] التحليل السابق:

كانت تجربة Milgram حول السلطة. على أيّة حال، تطبيق التجربة على التلفاز لا يثبت وجود “سلطة” تلفزيونية، لكن على الأرجح يثبت التبعية للبيئة المحيطة. […] البث التلفزيوني آلة ضخمة، حيث ينتج عن عملية الانتاج قدر معين من الضغط على المشاركين. اذ تنطوي عملية الانتاج على تهيئة آلات باهظة الثمن، وفريق من عدة أشخاص، وأماكن جرى تخصيصها حصرياً لهذا الغرض، الخ.. ويكون الجدال مع فريق الانتاج، خصوصاً بعد موافقتنا على أخذ دور في العملية،  ممكن بصعوبة، وهو أشبه بأن تسيطر على طائرة البوينج بعد إقلاعها.

وفقاً لVirginia Spies [12] [فرنسي]، متخصصة في علم الاشارات و خبير تلفزيوني، فإنّ شروط التجربة مضطربة، لأنها أساساً لعبة بالنسبة للمتطوعين، وهذا ما يفسر اختلاف النتائج:

خلافاً لتجربة Milgram، هنا لا يقومون بتجنيد المتطوعين على أنهم ضمن تجربة علمية، لكن يخبرونهم بأنها مرشحين في برنامج ألعاب تلفزيوني، وهذا فرق كبير: إذ خلال التجربة، المتطوعين يعتقدون بأنهم يلعبون لعبة، وهذا يغير موقفهم تماماً من الأحداث.

“ماذا كنت ستفعل؟”

مع ذلك، تبقى للتجربة أثر واضح على المشاهدين، حيث يعكس كلّ شخص قيمه الخاصة، كما أشار [13] Olivier Maucoعلى مدونته Game in Society [فرنسي]:

التأثير الكبير من هذه التجربة يعني أنّ أي واحد منا يمكن أن يكون فأر التجارب. و الأمر القائل “ماذا كنت ستفعل” عزز التقارب، ليس بالتعاطف لكن بالموقع. […] وهذا جدل أخلاقي، إذ يتم توجيه هذا الجدال بواسطة العلاقة القائمة بين الأفراد وبين قيم النظام الاجتماعي.

تساءل العديد من المدونين ماذا كانوا ليفعلوا. لكن قلة من تجرأ على الاجابة، مثل Jean-Marc Onkelix المشاهد والمدوّن البلجيكي، الذي أعرب بشجاعة [14] [فرنسي] عن شكوكه:

هل ستكون ردة فعلي مختلفة؟ هل أنا قادر على ارتكاب، تحت نطاق أي نوع من أنواع السلطة، على فعل شيء لا يمكن إصلاحه، و مختلف عن وجهة نظري للعالم، وبعيد جداً عن أخلاقي؟ بالنسبة لي، من واجبي احترام جميع الأفراد بدون أيّ تمييز، وعلى هذا الأساس، هل أكون واحد من الجلادين؟ أعترف بأنني أشعر بالإغراء لأن أقول لا، لكن في حالة التجربة، هل جميع الأحكام الضرورية، والبصيرة إلى الواقع، تبقى موجودة؟ هل نحن مستعدين لأن نعود إلى الخلف، بالرغم من كل شيء، والمخاطرة بمصلحتنا الخاصة لنبقى ملازمين لأخلاقنا؟

إذا ما اعتمدنا على هذا التصويت [15] لتوضيح أيّ مؤشر [فرنسي]، على ما يبدو أنّ أغلب مستخدمي الانترنت يعتقدون بأنهم قادرين على مجابهة السلطة. سيكون من المثير أن نرى ما إذا كان المستقبل سيثبت بأنهم على حقّ.