طارق عمرو، مهندس اتصالات ومدّون مصري شاب، إضافة إلى كونه من كتّاب ومترجمي الأصوات العالمية التي انضمّ إليها عام 2007. عن نفسه وعن مشاركته في الأصوات العالمية، وخاصة عن تجربته في الثورة المصرية، يحدّثنا طارق في هذه الحوار.
مرحباً طارق، تذكر في مدونتك باللغة العربية، أنك لا تحب الحديث عن نفسك، ولكن التعريف عن النفس هو أمرٌ لا مفرّ منه في إطار تعريف كتاّب ومترجمي الأصوات العالمية إلى القرّاء. لذا فإننا نطلب منك بإطلاعنا من هو طارق عمرو؟ “مهندس مسلم؟ طبيب ملحد؟ حلّاق صحة اشتراكي؟” على حسب قولك
مرحبا تاليا، في مدونتي كنت أسخر نوعاً ما ممن يضعون أنفسهم – وأكثر من ذلك فهم يضعون الآخرين – في قوالب معينة ويحكموا على كتاباتهم من خلالها. أما عن نفسي، فانا خريج كلية الهندسة أعمل في مجال الاتصالات وحماية شبكات المعلومات ومن ثم فإن اهتمامي بالتدوين بدأ كونه تكنولوجيا جديدة لا بد لي من تجربتها، وحتى تدويناتي في البداية كانت معظمها منصب على مجال التكنولوجيا، ثم بدأت شيئا فشيئا أتجه أكثر للتعبير عن نفسي وعن المجتمع حولي كما أراه حتى أنني الآن صرت قلما أكتب عن أمور تقنية. أيضاً انضممت للأصوات العالمية منذ حوالي أربع سنوات أو أقل قليلا.
سؤالنا التقليدي الثاني: أخبرنا عن مشوارك مع الأصوات العالمية
انضممت للأصوات العالمية في النصف الثاني من العام ألفين وسبعة، كان لنا مجموعة بريدية للمدونين المصريين آن ذاك وسمعنا هناك أن الأصوات العالمية تريد محررين جدد من مصر. كنت أسمع عن الأصوات العالمية قبل ذلك وكثيراً ما كانت تقع عيني على مقالات هناك أو أرى اللوجو الخاص بها على كثير من المدونات، وكانت تعجبني فكرة تقديم ما يكتب في المدونات للناس سواء في مصر أو خارجها. منذ البداية وحماسي لم ينقطع، ففكرة إيصال صوتنا للعالم طالما كانت براقة خصوصاً مع كم المغالطات التي ينقلها عن مجتمعنا الإعلام التقليدي ومع تقصير إعلامنا عن ذلك أيضاً. بالتأكيد لا أعرف إن كنت فعلاً نجحت في نقل إيصال أصواتنا للعالم، فهذا متروك لقراء الأصوات العالمية لتقريره، أما ما أثق فيه أنني عن نفسي استفيد كل يوم من وجودي في مشروع كهذا، فكل يوم أعرف أشياء جديدة عن أجزاء من العالم ما كان لي أن أعرفه بدون الأصوات العالمية، وأيضا عبر تلك السنوات تعرفت على الكثيرين من الأشخاص الرائعين من كل بقاع العالم.
وفي بعض الأحيان أقوم بتغطية أجزاء أخرى من العالم غير مصر، في حال وجود ما يستحق التغطية وعدم توفر من يغطيها في تلك اللحظة، كاليمن والعراق مثلاً، ومرة كتبت عن فريق كرة في الأرجنتين لا لشئ سوى أنني أحب ذلك الفريق وكنت أود الكتابة عنه، فكما ترين من أهم مميزات الأصوات العالمية أيضاً هي الحرية المتاحة لفريق المحررين في اختيار الموضوعات والأحداث التي يكتبون عنها، وأعتقد أن ذلك ما يجعلنا أقرب للقارئ من وسائل الإعلام التقليدية، ففي النهاية نحن مجرد ناقل لوجة نظر القراء للقراء.
جربت حظي أيضاً مع الترجمة للعربية في مشروع لينجوا، إلا أنه من الواضح أن مهاراتي في الترجمة للعربية دون المستوى، فترجمة مقال ما يأخذ مني وقت طويل، وهذا واضح من قلة مشاركاتي هناك، إلا أنها أيضا تجربة جميلة لا أعتقد أنني سأكف عن المحاولة معها في المستقبل.
أنت نشط جداً على الشبكة العنكبوتية وخاصة في الاعلام الاجتماعي (3 مدونات، حساب على فليكر وفيسبوك، ناهيك عن الأصوات العالمية وربما غيرها من المنصّات). ما هو الحيّز الذي يحتلّه الإنترنت عموماً وهذه الوسائل خصوصاً في حياتك؟
نسيت أن أخبرك أنه بجانب التدوين فأنا أحب الرسم والتصوير الفوتوجرافي، فاستخدامي لحسابات كفليكر وتويتر وجود ريدز ولاست إف إم هي بالأساس لإشباع هوايات شخصية كالتصوير أولاكتشاف كتب جديدة جديرة بالقراءة أو فرق موسيقية جديدة جديرة بالاستماع كما هو الحال مع جودريدز ولاست إف إم مثلاً، ونفس الكلام ينطبق على غيرها من المنصات التي أستخدمها للتواصل مع الآخرين مثلا. أنا في النهاية أعتبر نفسي شخص شبه متصل بالإنترنت طوال الأربعة وعشرين ساعة، خصوصا وأن عملي كمهندس اتصالات يجعلني أكثر ارتباطاً بها، وأعتقد أن معظمنا كذلك بصورة أو بأخرى، وبالتالي فهواياتي ونشاطاتي في العالم الافتراضي هي بشكل ما انعكاس لهواياتي ونشاطاتي في الواقع.
أيضا امتلاكي لأكثر من مدونة عائد فقط لرغبتي في فصل ما أكتبه بالعربية عما أكتبة بالإنجليزية عن التدوينات التقنية الخالصة حتي لا ينفر مني القارئ الذي يتقن لغة ما دون أخري أو يهتم بنوعية ما من المواضيع دون الأخري، صحيح أنني نتيجة ذلك الفصل لا أعطي لكل مدونة الاهتمام اللازم كما كان الحال حين كنت أمتلك مدونة واحدة فقط، لكنه شر لابد منه.
تذكر في إحدى مدوناتك، أنك لم تكتب مذكرات إلا عندما بدأت التدوين، منذ ست سنوات وأنك لم تستخدم القلم إلّا عندما حجبت السلطات المصرية الإنترنت، في أول أيام الثورة. ماذا تخبرنا عن هذه التجربة؟
كما أنني أدين لنظام التعليم هنا بقدرتي على القراءة والكتابة، فإنني أيضا أدين له أيضاً بنفوري من القراءة والكتابة لفترة طويلة من حياتي. فنحن اعتدنا أن من يعبر أكثر عما بداخل الكتب المدرسية هو من يحصل على أعلى درجات، وليس من يعبر عما بداخله هو شخصياً، وبالتالي فلم أعتد على الكتبة أو القراءة في مواضيع خارج المنهج. إلا أن التدوين هو من استنقذني من ذلك بعد سنوات، ففيه تعلمت أن أكتب عن مواضيع خارج المنهج ومنه تعرفت على مدونين مبدعين في كتاباتهم أو تعرفت من خلالهم على كتب جديرة بالقراءة، لكن ظلت الكتابة طوال تلك الفترة مرتبطة بالإنترنت وأزرار الحاسوب، حتى انقطعت الإنترنت عن مصر أثناء الثورة فوجدتني أستخدم الورقة والقلم لأول مرة في حياتي لأكتب عن شيء يدور حولي في قصاصات ورق ومفكرة منسية.
كيف توفق بين عملك في مجال أمن الإنترنت وغيرها وبين كونك ناشط على الإنترنت القائم على مبدأ الحرية وكسر الحواجز؟
في الواقع لا أرى تعارض كبير بين أمن الشبكات ومبادئ الحرية، فعملي في معظمه ينصب حول توفير أساليب الحماية للأفراد والمؤسسات ضد التجسس والاختراق. صحيح أن نفس التقنيات قد تستخدم مثلا لحجب المواقع، لكنها في النهاية كأي وسيلة من وسائل التكنولوجيا تعتبر سلاح ذو حدين، ومهما حاولت الحكومات حجب المعلومات فإرادة الناس ستنتصر في النهاية سواء باستخدام تقنيات مضادة أو وسائل جديدة تماماً لإيصال أصواتهم، فعندما حجبت الإنترنت بأكملها في مصر، لجأ البعض إلى الدايل آب على بلدان مجاورة كبديل، وجوجل وفرت خدمة الاتصال برقم هاتفي وترك رسالة صوتية هناك ليتم تحويلها إلى رسالة نصية على تويتر من قبلهم.
بالحديث عن الثورة المصرية، ما الذي يميز تغطية يقوم للأصوات العالمية أو أي موقع آخر بها شخص مباشرة من الميدان، كما هي حالك، من أولئك الذين يكتفون بنقل الأحداث وهم متواجدون في الخارج؟
أعتقد أن فارق هو نفسه الفارق بين الإعلام الاجتماعي والإعلام القديم، فارتباطنا بنقل الأخبار من أفواه من رأوها بأعينهم فعلا يجعلنا نوعاً ما أكثر ديناميكية وسرعة في نقل الخبر ويجعل الموضوعات المكتوبة نفسها أكثر إنسانية. فعلى سبيل المثال هذا العام حجبت جائزة بوليتزر للصحافة فئة الأخبار العاجلة – البريكينج نيوز – وعللت جريدة التايمز ذلك بأن وسائل الإعلام الجديد كتويتر تفوقت على الصحافة التقليدية في ذلك المجال، بل وإنهم رأوا أنه لابد للجنة المسؤلة عن الجائزة أن تلتفت لوسائل الإعلام الغير تقليدية في المستقبل، ومثلا حين يلقى الرئيس السابق خطاباً ما، يهتم الإعلام التقليدي عادة بتحليل ونقد الخطاب نفسه، أما نحن فنلتفت أكثر لأراء المدونين فيه وتعليقاتهم عليه بل وفي أحيان كثيرة سخريتهم اللاذعة منه. أيضا هناك أمر أخر أعتقد أن الكثيرين سيختلفون معي فيه، لكنني لا أؤمن بحيادية الإعلام، فمن ناحية أنا أؤمن أن ناقل الخبر لابد له أن يتحرى الدقة في نقل وجهات النظر المختلفة دون حذف أو تغيير، لكنني لا أري ضير أبداً في أن يعبر عن وجهة نظره هو بكل صراحة ووقاحة أيضاً، ربما يعود ذلك إلى أنني لم أدرس الإعلام يوماً ما وتربيت على التدوين، عموما نحن صحيح في الأصوات العالمية لا ننقل وجهة نظرنا كمحررين، لكنني في النهاية أنقل وجهة نظر المدونين كما هي دون الالتفات لأي سياسات تحريرية أو توازنات سياسية، فحتى البروباجندا موديل والفلاتر الخاصة بهيرمان وشومسكي مثلا فأنا شخصياً على الأقل لا أري لها تأثيراً ملحوظاً فيما نكتبه.
هل من شيئ ترغب بإضافته في نهاية لقائنا؟
قد يبدو من كلامي أنني متحيز للإعلام الاجتماعي مقابل الإعلام التقليدي، صحيح أنني في قرارة نفسي أحب الإعلام الاجتماعي، إلا أن الجدل بين الإعلام الجديد والقديم دائر منذ تعرفت على التدوين، وإلى الآن لم يحسم بعد، والنوعين من الإعلام باقيان وإن كان كل منهما يتأثر ويؤثر في الآخر أكثر، وبالتالي أعتقد أن كلاهما باق، على الأقل في المستقبل القريب، فلكل منهم مميزاته وعيوبه أيضاً
شكراً طارق على هذا الحوار
2 تعليقات