فلسطين: التخطيط لمأتم افتراضيّ

من الصعوبة بمكان لفلسطينيّ الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة زيارة اسرائيل، ولأسباب سياسيّة من المستحيل لمعظم العرب الآخرين القيام بذلك، لأن معظم الدول العربيّة لا تعترف بشرعيّة إسرائيل كدولة. وفي الوقت نفسه معظم فلسطينيّ الداخل أو عرب اسرائيل (والذين يشكلون حوالي 20% من مجموع السكّان) غير قادرين على السفر لمعظم أنحاء العالم العربي، لأنّهم يحملون جوازات سفر إسرائيليّة.

تُظهر رشا الحلوة -وهي من فلسطينيّ الداخل – كيف يمكن لهذه القيود المفروضة على الحركة أن تؤثر عليها، حتّى بعد موتها.

في موضوع بمدونتها “زغرودة”، تكتب رشا:

عكّا غروب الشمس، صورة نشرت على فليكر وفقاً لرخصة العموميات الخلاقة.

عكّا غروب الشمس، صورة نشرت على فليكر وفقاً لرخصة العموميات الخلاقة.

فجأة، تشعرين أن الموت خيّم فوق هذه السماء. بالرغم من أنه لم يتركها يوماً ما.
لا الموت فقط، لكن “هداك المرض” أيضاً، كما يسمونه. وصديقي يطلق على برجه أيضاً إسم “هداك البرج”. يعني السرطان، ودائماً حين يصل الموت بأسبابه العديدة. أسأل نفسي كلّ مرة من جديد: “أنا لشو بتفاجئ يعني؟” وتعود قيمة الحياة من جديد، لأكم يوم بس.
مش مهم.. لكن منذ فترة، قررت أن أكتب وصيتي.
على فكرة، لا أقصد من هذه الوصية أن أكون متشائمة. يعني الموت هو أمر طبيعي. أو هكذا أعتقد. ولأنه طبيعي فأنا أكتب عنه. وحسبما جدتي، أو جدتَك أو جدتِك تقول: “ما حدا بعرف بكرا شو بصير معه!”.

تُكمل:

قبل أشهر قليلة عدت من القاهرة. وبعدما عدت بيومين فقدت صديقاً عزيزاً. ذهب إلى مكان بعيد. مكان لا أحد يعرفه، ويجهله كلّ من يقرأ هذه الأسطر الآن.. بتأمل!
لن أطيل الحديث عليكم. لكن لدي بعض الأسئلة المتعلقة بالموت وطقوسه. يعني، عندما أذهب غداً إلى المكان البعيد. الذي لا يعرفه أحد، من الطبيعي أن تقام جنازتي في عكّا- لا بيت لي سواها- هكذا يقول لي أبي. وبالتأكيد سوف أدفن فيها. صحّ؟
لكن، تقتلني فكرة أن أموت ولا زال الاحتلال قاعد على قلبي! كيف سيصل أصدقائي وصديقاتي من رام الله والقاهرة ودمشق وبيروت وعمان وتونس والمغرب وصنعاء وبغداد وطرابلس لوداعي الأخير؟

ثمّ تتساءل:

يعني، هل برأيكم ممكن أن تكون وصيتي بإصدار تصاريح لأصدقائي في رام الله حتى يأتون لوداعي في التابوت؟ ياه ما أبشع الفكرة: إصدار تصاريح من الاحتلال حتى يروني وأنا ميتة! لكن، لربما ستكون هذه هي فرصتهم أن يزوروا عكّا وبالمقابل يأتوا لوداعي..
لكن ماذا عن أحبائي في القاهرة وبيروت وعمان؟
يعني، هل ممكن.. مثلاً.. مثلاً.. إن تكون وصيتي بحرق جثتي وإرسال القليل من الرماد إلى أصدقائي هُناك؟ وتنظيم أمسية موسيقية وأدبية بدلاً عن الجنازة التقليدية؟ طيب، هل ممكن أن تكون جنازتي عبر “الفيديو كونفرنس”؟ أو حتى “السكايب”؟ ماله السكايب؟ على الأقل مجاني. هكذا يكون بث مباشر لجنازتي من عكّا إلى بيروت والقاهرة وعمان وتونس ورام الله وغزة!أو لشو كلّ هالتعقيد؟ ممكن أن تكون وصيتي أن يحملوا تابوتي إليهم؟ أعتقد أن تصريح عبور لشخص ميت سوف يكون أسهل. والأهم، إنه لا يحتاج إلى فيزا. هكذا سيكون بمقدوري أن أرى بيروت. مين بعرف؟ ممكن أكون قادرة أشوفها وقتها.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.