مصر: لماذا البرمجيات مفتوحة المصدر؟

بعد تقديم البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر في المقال السابق، قد يتساءل البعض لماذا تحتاج الشركات والحكومات تبني هذه البرمجيات أو التشجيع على تبنيها.

في كتاب “الوصول للمعرفة في مصر“، خصصت نجلاء رزق (@naglarzk) وشريف القصاص فصل كامل عن صناعة البرمجيات في مصر والدور الذي تلعبه البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر هناك. قاموا بتسليط الضوء على أنه كما في أي نظام اقتصادي آخر، هناك قوتان متضادتان تشكل نمو الاقتصاد الرقمي.

يتميز الاقتصاد الرقمي بقوتين متضادتين: الأولى إنشاء وانتشار شركات صغيرة والثانية نمو وتوسع الكيانات والشركات الكبرى.

بعدها يوضحون كيفية استغلال التكلفة العالية لإنتاج المعرفة لصالح الاحتكار القائم على إنتاج السلع المعرفية. لذلك، يدفع كل من الانفتاح في مواجهة الملكية الفكرية في اتجاه واحد أو في الاتجاه المضاد.

توفر البرمجات مفتوحة المصدر إمكانية لصغار اللاعبين للانخراط والمشاركة والانتشار. في نفس الوقت، تسمح حقوق الملكية الفكرية لتكتل أكبر أن ينمو حول مالكي الأكواد والشفرات. يوضح هذا فروق هامة وبسيطة بين الملكية الفكرية والتنافسية. تشجع حماية الملكية الفكرية للاشتراكيين وتحافظ على الكيانات الاحتكارية القائمة على صناعة المعرفة؛ تتيح الأنظمة ذات الملكية الفكرية المرنة الإبداع وانتشار شركات أصغر. في ذلك يكمن التوتر العالمي بين الملكية الفكرية والتنافسية.

مش من حقك تكدير الآخرين. رسم دعاء العدل. من صفحة فيسبوك لمؤسسة التعبير الرقمي العربي أضِف.

مش من حقك تكدير الآخرين. رسم دعاء العدل. من صفحة فيسبوك لمؤسسة التعبير الرقمي العربي أضِف.

على الرغم مما قيل، يناقشون وجوب تشجيع الحكومات في الدول النامية للبرمجيات مفتوحة المصدر لمساعدة الكيانات الصغيرة والمحلية على النمو.

يعد هذا الأمر وثيق الصلة بالتأثير الممكن للبرمجيات مفتوحة المصدر في الدول النامية، حيث الإيمان بهذه الإمكانية قد يحتم لفت الانتباه إلى الجانب الحكومي لحماية هذه الصناعة الوليدة.

وحتى إذا تساءل البعض عن مقدرة الدول النامية على تحمل المشاق والصعاب المتزايدة لإعداد وصناعة المعرفة عبر كيانات إنتاج أصغر وأقل خبرة، يقارن المؤلفون إنتاج البرمجيات في هذه البلدان الآن مع الصناعات الوليدة في الماضي:

الأمر أيضاً تشريع معدل حول جدال “الصناعة الوليدة”، حيث يجادل علماء الاقتصاد منذ مطلع القرن التاسع عشر من أجل الحماية من خلال فرض حواجز وعوائق على الاستيراد حتى “تنمو” الصناعة المحلية الوليدة، لأنها تنمي الاقتصاد الخالي من تهديد المنافسة مع المنتجات الأحدث والأكثر تقدماً وتطوراً المستوردة.

أضافوا:

بشكل فعال، تظل البرمجيات مفتوحة المصدر الصناعة المحلية الوليدة التي تحتاج إلى حماية. في هذه الحالة، لا تعني الحماية منع الاستيراد من خلال فرض حواجز وعوائق جمركية، لكن عبر حماية شركات البرمجيات مفتوحة المصدر من إعفاءهم وحمايتهم من تهديد سيطرة الكيانات التجارية الكبرى على السوق، الذي يعد جزئياً نتيجة لحماية حقوق الملكية الفكرية.

سلطوا الضوء على المناخ المناسب والإمكانية العالية لصناعة البرمجيات في مصر، مقارنة بالصناعات الأخرى وذلك لأسباب ثلاثة:

تم الترحيب بصناعة البرمجيات في مصر كمحرك مُمْكِن لنمو الاقتصاد المصري. نُسب هذا الأمر جزئياً إلى الرأس المال البشري المصري، مع الأخذ في الاعتبار نظام التعليم الجامعي المجاني حيث تخرج كليات الهندسة آلاف من الشباب المصري كل عام. ومع الوضع في الاعتبار تعداد البلد أكثر من 75 مليون نسمة، 60% منه أقل من 25 سنة، برهنت مصر، عادة بواسطة الحكومة، على احتضان رأس مال بشري قوي في صناعة البرمجيات.

السبب الثاني:

تاريخياً تعتبر مصر القائد والزعيم الثقافي في المنطقة، وتعتبر بشكل خاص مركز قوي للإبداع في سوق البرمجيات العربي. يوفر سوق الشرق الأوسط إمكانية قوية لصناعة البرمجيات المصرية، خاصة مع التعريب والاهتمام المتزايد بالمحتوى الإسلامي.

والسبب الثالث:

من وجهة نظر سياسية، توفر البرمجيات مفتوحة المصدر عنصر آخر تتميز به على البرمجيات ذات حقوق الملكية الفكرية، الأمن القومي. في الحقيقة، يعتبر فتح الأنظمة معيار مقبول بشكل واسع الانتشار يجعل هذه البرمجيات مفتوحة محل ثقة بشكل أكبر. بسبب تمكين هذا الانفتاح مزيد من المراجعة المتعمقة والفحص الدقيق للعمل الداخلي لهذه الأنظمة، الذي من شأنه تقليل احتمال الخطأ أو وجود باب خلفي أو سري قد يعرض الأمن للخطر.

مع ذلك، يحاول المؤلفون أن يبرهنوا على أن الميزة الرئيسية نسبياً لمصر الآن تكمن في الخدمات القيمة المضافة جراء التعديل للبرمجيات حتى تكون على رغبة المستخدم والبيع على رأس البرامج الموجودة حالياً. يؤمنون أن هذا الأمر أكثر ملاءمة للمستوى المعرفي الحالي في البلاد الآن، أضافوا:

تقع الميزة النسبية لمصر في خدمات العمالة المكثفة التي تعترض مع “منتجات المرة الواحدة”

بعيداً عن الحكومات، والجدال حول تشجيع البرمجيات مفتوحة المصدر للابتكار والإبداع، يجب على الشركات أيضاً تبني البرمجيات مفتوحة المصدر. يصنف بروس بيرينز البرمجيات (أو التكنولوجيا والتقنية بشكل عام) مُمَيزة، وغير مُمَيزة.

التكنولوجيا أو التقنية المُمَيزة هي ما تجعل عميلك أكثر رغبة في عملك أو سلعتك من سلعة منافسك. على سبيل المثال، إذا قمت بزيارة موقع أمازون وبحثت عن كتاب، يخبرك الموقع عن كتب أخرى قام بشراءها أناس اشتروا الكتاب الذي تهتم به. وعادة ما تكون هذه الكتب المقترحة مثيرة للاهتمام بشكل كافي يجعلك تشتري إحداها أيضاً. إذا تصفحت موقع بارنز آند نوبل، لن تجد هذه الخاصية، لذا لن نفاجأ إذا كان موقع أمازون يبيع كتب أكثر. لذا يعد برنامج “التذكية” تجارة مُمَيزة لأمازون. من الواضح، أنه خطأ أن تفتح شفرة مُمَيز عملك، لأنه بعدها قد يستخدمها منافسك حتى تصبح سلعته مرغوبة للمستهلكين بقدر ما هي سلعتك مرغوبة.

من ناحية أخرى توجد التقنيات أو التكنولوجيا غير المُمَيزة:

ربما تعد 90% من البرمجيات الموجودة في أي مجال غير مُمَيزة. يشار إلى كثير منها على أنه بنية تحتية، الأساس الذي يبنى عليه التكنولوجيا المُمَيزة. في فئة البنية التحتية برمجيات مثل أنظمة التشغيل، خوادم الشبكات، قواعد البيانات، تطبيقات جافا وبرامج موصلة أخرى، سطح المكتب ذي الواجهة الرسومية، والأدوات العامة المستخدمة في سطح المكتب ذي الواجهة الرسومية مثل متصفح الإنترنت، برامج البريد الإلكتروني، الجداول الممتدة، ومعالجي ومحرري النصوص، وبرامج العروض. أي برنامج يوفر قيمة مُمَيزة لشركة ليست منتجة للبرمجيات يبنى على أساس واحدة أو أكثر من مكونات البنى التحتية تلك.

الاستمرار في استخدام الملكية الخاصة والبرمجيات غير المُمَيزة أمر كاختراع العجلة كل مرة، ويجب على الشركات فهم كيف تساعدهم البرمجيات مفتوحة المصدر على تقليل نفقاتهم، وأيضاً الانتهاء إلى منتجات بنية تحتية أفضل حيث تعاونهم لامتلاك منتجات أفضل:

فهم منافسك لكيفية عمل كل بيت من برامجك غير المُمَيزة لن يضر تجارتك وعملك. في الحقيقة، قد يكون هذا المنافس أفضل مساعد ومتعاون قد تحصل عليه، إذا حُصر التعاون على العمل على برامجك غير المُمَيزة، لأن احتياج المنافس هو الأقرب لاحتياجك. تنعكس هذه الحقيقة كل يوم في عالم البرمجيات مفتوحة المصدر، حيث تعاون شركة “إتش بي” و”أي بي إم” في تطوير البرمجيات التي تساعد على بيع أنظمة كلا البائعين، وهما لا يزالان متنافسان شرسان على مستويات عالية في سوق البرمجيات حيث المفاضلة والتمييز بينهم لا يزال أمر ممكن وفعال.

إلى درجة كبيرة، تعني الآراء المذكورة هنا بتوضيح الكثير عن البرمجيات مفتوحة المصدر للحكومات والشركات من وجهة نظر براجماتية عملية. مع ذلك، لا يجب أبداً إغفال القيم الأخلاقية للبرمجيات الحرة وحق الناس في المعرفة والحرية في استخدام برامجهم كما يريدون.

ننصح بقراءة الفصل الخاص بالبرمجيات مفتوحة المصدر في كتاب “الوصول للمعرفة في مصر” للمسئولين المصريين، أو أي شخص مهتم بالقيم البراجماتية والعملية للبرمجيات مفتوحة المصدر للدول النامية. ولا تنسوا مراجعة “البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر” لمقدمة حول البرمجيات الحرة.

4 تعليقات

  • […] بقراءة “مصر: لماذا البرمجيات مفتوحة المصدر؟” لمزيد من التفاصيل حول لماذا يجب على مصر (وغيرها من […]

  • […] حرية الاطلاع على الشفرة المصدرية للبرمجيات تساعد بشكل كبير في توطين المعرفة المحلية للمبرمجين والمستخدمين. تخيل أن مبرمج ما قادر على الاطلاع على الشفرة المصدرية لبرنامج معين؛ ما هي الأفق الجديدة التي مكن أن يكتسبها من ذلك؟ يستطيع أن يطور مهاراته من خلال دراسة آلاف الأسطر البرمجية التي كتبها مبرمجين وعدّل عليها آخرون. مساحة ضخمة من العقول، ينهل المبرمج من فكرها ومهاراتها دون وجود أي عوائق تتعلق بالملكية الفكرية أو براءات الاختراع. ببساطة لأنها برمجيات تسعى لإتاحة المعرفة وليس احتكارها. […]

  • […] حرية الاطلاع على الشفرة المصدرية للبرمجيات تساعد بشكل كبير في توطين المعرفة المحلية للمبرمجين والمستخدمين. تخيل أن مبرمج ما قادر على الاطلاع على الشفرة المصدرية لبرنامج معين؛ ما هي الأفق الجديدة التي يمكن أن يكتسبها من ذلك؟ يستطيع أن يطور مهاراته من خلال دراسة آلاف الأسطر البرمجية التي كتبها مبرمجين وعدّل عليها آخرون. مساحة ضخمة من العقول، ينهل المبرمج من فكرها ومهاراتها دون وجود أي عوائق تتعلق بالملكية الفكرية أو براءات الاختراع. ببساطة لأنها برمجيات تسعى لإتاحة المعرفة وليس احتكارها. […]

  • […] حرية الاطلاع على الشفرة المصدرية للبرمجيات تساعد بشكل كبير في توطين المعرفة المحلية للمبرمجين والمستخدمين. تخيل أن مبرمج ما قادر على الاطلاع على الشفرة المصدرية لبرنامج معين؛ ما هي الأفق الجديدة التي يمكن أن يكتسبها من ذلك؟ يستطيع أن يطور مهاراته من خلال دراسة آلاف الأسطر البرمجية التي كتبها مبرمجين وعدّل عليها آخرون[5]. مساحة ضخمة من العقول، ينهل المبرمج من فكرها ومهاراتها دون وجود أي عوائق تتعلق بالملكية الفكرية أو براءات الاختراع. ببساطة لأنها برمجيات تسعى لإتاحة المعرفة وليس احتكارها[6]. […]

شارك النقاش

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.