مناشير “التوعية و الحرية” تنعش قلب دمشق وتمنع “الفتنة” عنه

في الوقت الذي تعمل فيه قوّات النظام وآلته الإعلامية على تغييب أي بعد مدني للانتفاضة السورية، مستغلّة العنف الشديد الذي غرق فيه الجميع، يصرّ الناشطون المدنيون السلميون على مقاومة عنف النظام وإعلامه من جهة، وإعلام الخارج الذي يغيّب البعد المدني السلمي لصالح أجندة خاصة به من جهة أخرى، ساعين لأن يكون لهم في كلّ لحظة مفصلية حسّاسة تواجد ما رغم كل العسف والمخاطر الأمنية، ومصمّمين على منع النظام من تحقيق أجندته بـ “إيقاعنا بفتنته الطائفية لكي نتقاتل فيما بيننا، ونبتعد عن الحراك”، كما يقول أحد الناشطين لسيريا أنتولد.

في دمشق لايزال ينشط مجموعة من الشباب والشابات الذين يعملون ضمن تجمع “الشباب السوري الثائر“، ضمن حملة بدأت منذ شهور ولا تزال مستمرة تحت اسم  “حملة توزيع مناشير التوعية والحرية“، بهدف ” تقديم التوعية للمناطق الشعبية التي يحاول نظام القمع زرع الفتن بينها”.

يقوم الشباب/ات بتوزيع هذه المناشير حين يجدون أن ثمة فتنة ما يعمل عليها النظام، فيشمّرون عن سواعدهم لنزع فتيلها، “حينما قام النظام بزرع فتنة الطائفية في حي ركن الدين، قمنا بكتابة وعمل عدة مناشير، أكدنا من خلالها بأنّ النظام يحاول إيقاعنا بفتنته الطائفية .. وبعدها قمنا بتوزيع مناشير التوعية في حي باب توما بعد التفجير المفتّعل في الحي.. فأكدّنا أيضا على وحدة صفّنا، لكي نستطيع إسقاط هذا النظام الطائفي، ومن ثمّ توّجهنا إلى قلب العاصمة دمشق، وأكدّنا مرّة أخرى على أهدافنا ونوّهنا إلى عدم الوقوع بفخ النظام الذي يرد زرع الفتنة والبغضاء بيننا”.

الصورة من صفحة ناشطي تجمع الشباب السوري الثائر على فيسبوك

الصورة من صفحة ناشطي تجمع الشباب السوري الثائر على فيسبوك

 إذن الحكاية هي قصة إصرار وتحدي بوجه النظام الساعي لضرب المجتمع ببعضه البعض عبر مخاطبة أفراده كطوائف، في حين تصرّ الانتفاضة على مخاطبتهم كمواطنين أحرار، حيث آخر الحملات التي قام بها النشطاء السوريون ضمن هذا الإطار كانت منذ أيام، حين تحدّوا الطوق الأمني المفروض على دمشق وأحيائها حيّا حيّا، إذ رغم كل الحواجز المنصوبة والتواجد الأمني المكثّف في الشوارع غامروا وتمكّنوا مساء الخميس الموافق في الثلاثين من أيار (2013) من توزيع مناشيرهم في منطقتين من دمشق هما: شرقي ركن الدين والعدوي، في أبلغ رسالة تحدي للنظام تؤكد ثبات الانتفاضة على أهدافها في الحرية والكرامة وإزالة الاستبداد، وهو ما يؤكده شعار”من أجل دولة عدل وكرامة وحرية نريد إسقاط النظام” الذي كتب في المناشير الموزعة، إضافة إلى محاولة  ” إيصال صوتنا إلى الشعب السوري بكافة أطيافه، لنقول له بأننا لن نقع بفتنة النظام وسنبقى يد واحدة، وسنبقى نناضل بأهدافنا وقيمنا وكفاحنا إلى أن ننعم بحريتنا ونقيم الدولة السورية المدنية التي تضم جميع الأحرار  التي تحقق العدل بين المرأة والرجل، والتي تحقّق عيشاً كريماً لجميع السوريين، والتي تحقّق نضالاً حقيقياً نسترجع به أراضينا المغتصبة في الجولان وفلسطين، أي  دولة مواطنة حقيقية”.

الصورة من صفحة ناشطي تجمع الشباب السوري الثائر على فيسبوك

الصورة من صفحة ناشطي تجمع الشباب السوري الثائر على فيسبوك

أراد الناشطون أن تحمل الحملة طابع توعوي بهدف تنوير الناس بأهمية هذه الأهداف وتذكيرهم بها، ضدا من رواية النظام الساعية لتشويه صورة الانتفاضة، عبر التأكيد على أن هذه الانتفاضة هي لكل السوريين، وهو ما تعكسه المناشير الحاملة شعارات مثل “نحن أحفاد فارس الخوري وسلطان باشا الأطرش والشيخ صالح العلي وابراهيم هنانو ولسنا منجزات الحركة التصحيحية”، و “إلى جميع المترددين من الدخول في الحراك الثوري.. لا يمكن تحقيق نسبة مطلقة في الصواب أو الحرية.. لكن الثورة قطعا حققت نسبة أعلى بكثير من ما دمره النظام من حقوق وحريات”.

وحين تصادفهم المشاكل أو العوائق أثناء توزيعهم المناشير مع الناس الخائفين أو المستهجنين لهذا النشاط، يسعون لحلّها بالحوار والإقناع ولغة العقل بعيدا عن لغة الفرض والقوة، حيث ” أثبتنا لهم بأنّنا ندافع عن شعب وفكر بأكمله، ونحن نرى بأننا استطعنا إيصال صوتنا بشكل كبير إلى الشعب، ففي حي ركن الدين قام الأهالي بتقبّل المناشير، والرجوع عن أفكارهم السابقة، وفي حي باب توما قام أهالي الحي بشكرنا على توزيع مثل هذه المناشير”.

وينتقي الناشطون العبارات التي يكتبونها على مناشيرهم بدقة متناهية، لأنها لسان حالهم وصوتهم تجاه الشعب، إذ يعملون دائما على أن تكون الشعارات معبّرة عن الأهداف والرسائل التي يودّون إيصالها، عبر مخاطبة جميع السوريين بعيدا عن أي خطاب طائفي، مؤكدين على البعد الوطني الذي يجمع السوريين، مثل : “من أجل تحرير الجولان وفلسطين نريد إسقاط النظام”،  و “من أجل لقمة عيش كريمة نريد إسقاط النظام”، و “أنا سوري ولست أقلية.. ومطلبي هو الحرية” و”لأجل حريتك و حريتي… نريد إسقاط النظام”.

مناشير الحرية التي لا تزال تغزو أسواق دمشق وحاراتها، تؤكد مرّة تلو المرّة أنّ الشعب الذي ذاق طعم الحرية لن يتراجع، وأنّ  قلب دمشق لازال نابضاً بشباب عاهدوا أنفسهم ووطنهم على العبور إلى دولة الحرية، مهما كانت الأثمان، فمن “يطلب الحسناء لم يغلها المهر”، ولهذا هم يراكمون التضحيات بانتظار فجر الحرية.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.