هذا المقال نشر عن موقع حكاية ما انحكت وترجمته الأصوات العالمية
“بدون الثورة السورية لا وجود للمصور حميد خطيب، لكننا نأمل أن يظل بعد انتهائها،” كانت هذه كلمات المصور السوري الشاب حاصد الجوائز حميد خطيب الذي انضم للثورة في أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١١ بعد أن انهى خدمته العسكرية الإلزامية. مع كاميرته قام بتصوير جيل الشباب الذى نزل إلى الشوارع مفاجئًا جيل الآباء مطالبًا بالمستحيل.
الأطفال والحرب
كالعديد من السوريين، يصف حميد خطيب، بن الثالثة والعشرين، نفسه في مقابلة مع حكاية ما انحكت بأنه “وُلد بعد الثورة”
بدأ بتغطية المظاهرات كناشط عبر أفلام الفيديو لكنه سرعان ما تحول إلى التصوير الفوتوغرافي. صورته “طفل يصنع السلاح” اختارتها رويترز باعتبارها واحدة من أفضل الصور لعام ٢٠١٣ ومذاك عمل مع العديد من وكالات الأنباء يلتقط لحظات الدمار والأمل واليأس والخسارة، والحياة اليومية في سوريا. الصورة الفائزة تظهر الطفل عيسى بن العشرة أعوام يحمل قذيفة هاون في مصنع أسلحة تابع للجيش السوري الحر في حلب.
يقول “أردت تغطية آثار الحرب على الأطفال منذ مدة وفكرت أن أقوم بهذه التغطية على عدد من الأطفال لكن بعد لقائي مع عيسى وأبيه دهشت بقصتهما ولم أستطع إلا التركيز عليها”
“الوضع في سوريا خارج عن سيطرة المصورين” يقول، “تستطيع فقط أن تكيف نفسك لنقل الأحداث على الأرض، لكن شخصيًا أفضل تصوير الحياة اليومية في البلاد والآثار الجانبية للحرب على الناس”.
رحلة الموت والحب
من مواليد حلب عام ١٩٩٠، بدأ خطيب بتغطية الثورة بعدما أصبحت مسحلة. فبعد انتهاء خدمته العسكرية انتقل إلى الإمارات العربية المتحدة للعمل لكن سرعان ما عاد إلى حلب التي دخلها متخفيًا، قال “أردت ان أُظهر للعالم أجمع وجه إرهاب النظام الحقيقي.”
على مدى السنوات الماضية لم يواجه لحظات الموت والدمار فقط بل اختبر الحب أيضًا فقد وقع بحب “نور كلزي”، مدرسة المرحلة الابتدائية السابقة التي تحولت لمصورة تعمل لصالح وكالة رويتر عام ٢٠١٢ عبر التقاطها للصور بهاتفها المحمول وهما متزوجان الآن.
تعمل نور وحميد يدًا بيد في حلب وقد واجها الموت عدة مرات. يقول حميد: “كنت واقفًا في ذات البقعة تلك لكنها طلبت مني أن أتبادل الموقع معها لالتقاط بعض الصور من زاويتها.” يقول “إنها شجاعة جدًا ولا تخاف من أي شيء. فجأة، سمعت صوت القصف ورأيت الدخان يتصاعد من كل مكان. لم أستطع التفكير بشيء إلا هي، أين نور؟.” سمع صوتها تناديه وصل إليها وحملها جريحة إلى المستشفى الميداني، كانت قد أصيبت في قدمها اليسرى وبجروج إثر الشظايا في يديها
في مناسبة أُخرى، شهد حميد القصف الذي قام به النظام ضد العديد من المظاهرات في بستان القصر، المدينة التي اشتهرت بتحويل حفلات أعراسها إلى مظاهرات للحرية.
بستان القصر الذي تحول ليكون على عناوين الصحافة الدولية في يناير / كانون الثاني ٢٠١٣ حين اكتُشف اختفاء العشرات من الرجال عند نقاط التفتيش التابعة للنظام وتم العثور على جثثهم مرمية على ضفاف نهر قويق. كانوا جميعاً مقتولين برصاصة في الرأس وأيديهم مقيدة برباط بلاستيكي وراء ظهورهم. “أكثرية الناس الذين تظاهروا بجانبي أصيبوا أو قتلوا في تلك المظاهرات لكني نجوت” يقول حميد.
وفي أول يوم من زيارته لمسقط رأسه في بلدة أعزاز شمال مدينة حلب التي غاب عنها لثلاث سنوات، اختبر المواجهة مع الموت حيث تعرضت البلدة للقصف. كانت خمس عائلات من أقاربه تتشارك السكن في بيت مكون من طابقين. حين صحى على وقع أصوات الانفجارات وركض للطابق السفلي حيث النسوة والأطفال يبكون ظناً منهم أن الرجال في الطابق العلوي قد قتلوا. تلك الليلة اُمطرت البلدة طوال الليل بالقنابل التي راح ضحيتها ما يقارب ١٥٠ شخصٍ من الجيران وتهدم ٤٠ منزلاً.
كان الموت رحيمًا بحميد لكن ليس على ملهم بركات صديقه المصور ذي الثمانية عشر عام، الذي قُتل أثناء تغطيته لمعركة المستشفى بحلب في ٢٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٣. حميد ملتزم بمواصلة عمله وذلك لتكريم ملهم وكل الشهداء الذين فقدوا أرواحهم من أجل سوريا أفضل. يقول، “لأنه فعلًا لم يكن هناك سوريا قبل الثورة” ويضيف “لا يوجد سوريا دون النضال من أجل الحرية التي قدم لها الكثيرون حياتهم”
هذا المقال نشر عن موقع حكاية ما انحكت وترجمته الأصوات العالمية