- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

سوريا: لو كنت ديكتاتورًا

التصنيفات: الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, سوريا, احتجاج, حروب ونزاعات, حرية التعبير, حقوق الإنسان, سياسة, شباب, صحافة المواطن, الجسر

هذا المقال جزء من سلسلة خاصة من المقالات بقلم المدونة والناشطة مرسيل شحوارو، واصفة حقيقة الحياة في سوريا تحت نير الصدام المسلح بين القوات النظامية وكتائب الجيش الحر.

10300269_381139555358617_6448673967328654860_n

لو كنت ديكتاتورًا: لكي تتخيلوا معنا الموقف بدّقة، دعوني أحاول وضعكم في سياق المكان والزمان وبعض التفاصيل.

الزمان : 7 نوفمبر / تشرين الثاني 2013، ليلة اختطاف الصديق والثائر والفنان عبد الوهاب الملا [1]، في الفترة التي انتشرت فيها حالات الاختطاف من قبل ما يسميه السوريون بداعش [2]، (الدولة الإسلامية في العراق والشام) كانت تلك حالة الاختطاف العاشرة التي نعرفها. هذه المرة لم نعدّ أمام مجهولون كما كانت الحالة في بداية العام الماضي. أصابع الاتهام جاهزة وتشير هذه المرة بوضوح إلى داعش. خلال ثلاث شهور تغيرت أمور كثيرة، اختفت كاميرات الإعلاميين، طالت لحى البعض، ارتدى البعض الآخر الأفغانية، آخرين تفادوا تمامًا التحدث عن داعش، بينما زاود البعض الآخر حتى الوصول إلى الدفاع عن هذا التنظيم. لتعرفوا أكثر عن الفترة تلك، عليكم أن تفكروا بمعنى أن يتحاشاكم الجميع كوباء لاعتقاده أنكم كثوار عرضة أكثر من غيركم للخطف. أن تعيشوا متنقلين بين البيوت وتركيا، وأنتم تشعرون أن ظهركم مكشوف تمامًا وأنهم على الأغلب يعرفون تحركاتكم بدقة كبيرة.

المشاركون: مجموعة من الأصدقاء الثوار، لديهم من الذكريات المشتركة ما حماهم في فترات حزينة من الانهيار، يتكيفون مع كم الألم الذي يشاهدونه بسخرية تكاد تطال كل شيء حتى أنفسهم. في بالهم جميعًا تساؤلات حول كيف سنحمي أنفسنا، وخوف على الآخرين من أصدقائهم وحزن شديد على عبد الوهاب الملا، وفقدان الأمل بإمكانية لقاءه مجددًا حيث سيبتلعه الغياب كما فعل بأبو مريم وسمر ومحمد.. وآخرون. حيث حتى تلك الفترة كانت سجون داعش لغزًا اشبه بمثلث بيرمودا يكتنفه جميع أنواع الغموض والتهويل والسرية.

المكان: منزل في حيّ المشهد، متسخٌ جدًا كما هي العادة المبررة بانقطاع الماء، يحتل غرفته الكبيرة اسفنجات على الأرض والكثير الكثير من الأشرطة الكهربائية كي يستطيع الجميع شحن أجهزته المحمولة أثناء ساعات الكهرباء القليلة [3]. بدأ الحديث بعفوية طبيعية، تأتي عادةً بعد انقطاع الكهرباء ولا يبقى أمامنا لقضاء الوقت إلا سرد السير مع الأصدقاء، كان السؤال تلقائيًا: من بعد عبد الوهاب؟ من التالي في الخطف والاختفاء؟ ليتحول بعدها النقاش العفوي للعبة مؤلمة أو قد تعتبروها مريضة حتى بأن نتوقع من المخطوف القادم من الثوار الأصدقاء الذين نعرفهم. ندّعي الحيادية والموضوعية. ونتساءل فيما بيننا لو كنت ديكتاتورًا أو مشروع ديكتاتور جديد، من هم الأشخاص الذي ستقوم باختطفاهم.

بدأنا بالبحث في الأسماء المبدأية، الصديق فلان احتماله أكبر لأنه مبدأي جدًا ولا يسكت عن أي ظالم. الصديق الآخر احتماله كبير كذلك لأنه نزيه جدًا ومحبوب من كل الثوار ويثقون بكلامه بالإضافة لأنه مسلح وقد يشكل خطرًا على التنظيم. أنا شخصيًا كنت على القائمة بواقع أن ما أكتبه قد يسبب لي مشاكل جمّة. وهكذا بدأنا بإعداد قائمة على الأقل داخل رؤوسنا. حول من سنخطف لو أردنا أن نختطف الثورة كلها في مدينة حلب. لو أننا يومها وسعنّا اللعبة المؤلمة لتشمل سوريا بأكملها، لكنت وضعت حتمًا على رأس قائمتي “رزان زيتونة [4]“، الناشطة الجريئة التي منعها النظام السوري من السفر [5] منذ العام 2002، المدافعة دومًا عن حقوق الإنسان، الداعية الثوار إلى الإبلاغ عن الانتهاكات حتى تلك التي ترتكبها قوات المعارضة المسلحة. وهذا ما حصل فعلًا للأسف منذ خمسة شهور، حيث ثم اختطاف رزان زيتونة [6] وسميرة خليل [7] ووائل حمادة وناظم حمادي [8] من مقر عمل فريق مركز توثيق الانتهاكات في سوريا [9] في منطقة دوما بالغوطة الشرقية، وذلك من قبل مجموعة مسلحة مجهولة.

يقول البيان الذي أعدّه ناشطون سوريون [10] عن المختطفين: “إن رزان زيتونة محامية وكاتبة وناشطة لم تتوقف منذ مطلع هذا القرن عن الدفاع عن حقوق وحريات وكرامة مواطنيها مهما اختلفت توجهاتهم وانحيازاتهم السياسية. لقد مثلت رزان نموذجًا جديدًا للحقوقي الناشط المثقف، وللمرأة السورية، من حيث تفانيها في العمل، وحسها الإنساني العالي، وشجاعتها وانضباطها، وروح المبادرة والابتكار لديها، وحبها للحياة والأحياء. إنها مثال مشرف للمرأة وللمثقف والناشط في سوريا. والدة رزان ووالدها وشقيقاتها لا يعرفن عنها شيئًا منذ تغييبها. وليس معلومًا إن كانت تتاح لوائل حمادة، زوجها الذي غُيِّب معها، الاتصال بها.

أما سميرة الخليل [11]، فهي معتقلة سابقة لأربعة سنوات لنضالها ضد نظام حافظ الأسد. شاركت في أكثر أنشطة الطيف الديمقراطي في سوريا منذ مطلع القرن، في لجان “إحياء المجتمع المدني” وفي تجمع “إعلان دمشق”، وكانت ممن شاركوا في الاجتماعات التحضيرية التي تمخضت عن توقيع “إعلان دمشق – بيروت/ بيروت – دمشق”. وهي مثال للتواضع والتكرس للقضية العامة، ومحبة الناس والرغبة في المساعدة. لا يعلم زوج سميرة، ياسين الحاج صالح [12]، شيئًا عن قرينته، ومثله لا تعرف أخواتها وإخوتها وأبناؤهم شيئًا، أما والداها المسنان فلا يعلمان بعد أنها اختطفت أصلا.

وبالدرجة نفسها من التكرس والتفاني عمل وائل حمادة [13] طوال السنوات العشرة الماضية في إطار حزبي معارض، ومنذ بداية الثورة في نطاق “لجان التنسيق المحلية” والأنشطة الإغاثية التي كانت تقوم بها. اعتقل وائل مرتين، وتعرض للتعذيب في أقبية النظام. أمه وإخوته لا يعلمون شيئًا عن مصيره، وهو لا يعلم أن والده توفي قبل أسابيع. ولولا ناظم [14] لما توفرت لأسر كثيرة في مختلف أنحاء البلد من موارد عيش لا غنى عنها. لقد نسق مع وائل توصيل المساعدات إغاثية عبر شبكة لجان التنسيق الفعالة التي كانت تغطي البلد كله قريبًا. الشاعر والمحامي المغيب لا تعرف أسرته عنه شيئًا أيضًا.”

أن يُختطف مجموعة من الناشطين السلميين المعارضين لنظام بشار الأسد من منطقة “محررة” دون أدنى محاولة جديّة من المسلحين هناك في البحث عن الخاطف ومحاسبته، هو منبه لنا جميعًا أن الطريق نحو الحرية في سوريا لازال طويلًا، وأن هناك كثرٌ ممن هم في صفنا لا يحلمون بدولة المساواة والعدل، وأن ما هو بالنسبة لكثيرين سعي للحرية هم على استعداد أن يُقتلوا من أجله، هو بالنسبة لآخرين سعيُ للسلطة وهم على استعدادا أن يقتلوا من أجله. وأن ما اعتقدنا أننا حررناه، لا زال خطوة أولى في مسيرة أن نكتب فيها عقدًا اجتماعيًا جديدًا يلغي عصر قمع الحريات واستهداف الأشخاص لآرائهم ونشاطهم السياسي. وأننا ربما أخطأنا أو تهاونا في التفصيلات الأمنية التي اعتدنا التدقيق فيها يوم كنا نعيش في مناطق النظام.

في سوريا اليوم، حيث يعمّ السلاح في أيدي الكثير من المجانين والشبيحة والمتطرفين، عليك أن تشعر بأنك مهدد إن كنت تؤمن بالثورة فعلًا، وأن ظهرك مكشوف معظم الوقت، أن تراجع استعدادك للتضحية بأغلى ما تملك ألا وهو حريتك أو ربما حياتك في سبيل تعبيد الطريق أمام سوريا تخلو من الاعتقال والاختطاف والأقبية السريّة. في سوريا اليوم، إن لم تشعر بالتهديد والقلق على سلامتك، إن لم يراسلك الأصدقاء ويحادثونك “على جنب” حول قلقهم وخوفهم عليك مما تكتب وتفعل، فعليك أن تسأل نفسك عن كم التنازلات المبدأية التي أجبرك الخوف على تقديمها؟ وعن أيّ من المظلومين قررت أن تغضّ بصرك.

في هذه المقالة، أضم صوتي إلى 46 منظمة حقوقية عالمية [15]، منها “هيومان رايت ووتش” و”منظمة العفو الدولية”، بتحميل جيش الإسلام بقيادة زهران علوش مسؤولية اختفاء رزان زيتونة برفقة زوجها وائل حمادة وسميرة خليل وناظم حمادي. وأذهب أبعد بذلك في تخوفاتي، أن تكون هذه الخطوة أو التغاضي عن واقع اختفاء هؤلاء الناشطين تعكس أطماحًا ديكتاتورية في اختطاف بلد كامل وتغييب ثورته. وأدعوكم جميعًا لأن تشاركوا مع الناشطين السوريين في حملة “أطلقوا نشطاء الحرية [16]Douma4# [17]، وألقي التحية ختامًا إلى الكثيرين منكم الذين قرروا بملئ إرادتهم أن يصبحوا جزءًا من قائمة الخطر التي ستستهدفها جميع أنواع الديكتاتوريات في أنحاء العالم. ولو كنت ديكتاتورًا أو مشروع ديكتاتور حتى لعاديتكم جميعًا، لأنكم تقرأون وتكتبون. ربما ببساطة لأنكم تفكرون.

مرسيل شحوارو مدونة [18] وناشطة من حلب، سوريا وتغرد على Marcellita [19]@