بدأ كلّ شيء عندما سجلت للتصويت في الانتخابات التشريعية التونسية لسنة 2014 في مدينة نيويورك. أعيش في دنفر، وكوني عادة ما أتمكن من شراء تذاكر طيران رخيصة إلى نيويورك فإني وجدتها أفضل مكان للتصويت. هذه المرة لم أتمكّن وللأسف من الذهاب إليها في أكتوبر/ تشرين الأول للإدلاء بصوتي. أما الانتخابات الرئاسية فقد تزامن انعقادها في نوفمبر/ تشرين الثاني مع وجودي في لاهاي. وبعد أن سمحت الهيئة العليا للانتخابات في تونس (ISIE) للتونسيين المغتربين إمكانية تغيير مركز الاقتراع، قرّرتُ تغيير مركز اقتراعي.
كانت العملية بسيطة بما يكفي: تُرسل نسخة من جواز سفرك وإثباتًا لتسجيلك الأصلي، ثمّ تملأُ استمارة. تبعث بعد ذلك بالوثائق إلى الممثلين الإقليميين وهم بدورهم يرسلونها إلى تونس كي تقوم الهيئة العليا للانتخابات بمراجعتها. قدّمت كامل أوراقي للمكتب الإقليمي وأكد القائمون عليه باستكمال الوثائق المطلوبة بلباقة حيث سينتظرون الردّ عليه من تونس.
ربما تتساءلون كيف أمكن لي أن أختار تغيير مركز تصويتي من مدينة في بلد ما إلى مدينة في قارة أخرى. وفقًا لقوانين الهيئة العليا للانتخابات، تُعتبر نيويورك ولاهاي جزءًا من نفس الدائرة الانتخابية حيث تنقسم الدوائر الانتخابية للتونسيين بالخارج إلى: فرنسا 1، وفرنسا 2، وألمانيا، وإيطاليا، والبلدان العربية، والقارة الأمريكية مع بقية أوروبا. ومن المفروض نظريًا أن تكون قادرًا على التصويت في أي مركز للاقتراع ضمن نفس الدائرة الانتخابية، صحيح؟
ليس صحيحًا وفقًا للهيئة، لأنه خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2014، غيّرت الهيئة القوانين ودفعت كل المقترعين لإعادة عمليّة التسجيل من أجل التصويت. إن أعدتَ التسجيل للتصويت في نيويورك أو هيوستن أو فيينا أو أي مدينة أخرى فمن الأحسن بأن تعتقدَ أن تلك المدينة بالتحديد ستكون مركز تصويتك.
أصدرتْ الهيئة في الثالث عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني، أسماء أولئك “المُختارين” للتصويت. اسمي لم يكن ضمن القائمة ولا أسماء كثير آخرين في دائرتي الذين طلبوا التغيير. في مكتب مونتريال، تمّ قبول ثلاثة أشخاص فقط، ثلاثة! ولم يتم إعطاؤنا أي سبب أو مُبرّر لعدم إدراج أسمائنا في القائمة.
شعوري الآن أشد من مجرد الغضب! فأنا مواطنة تونسية كاملة المواطَنة لم يتسنَّ لها أن تُصوّت ولو مرّة بسبب عدم كفاءة سلطة الانتخابات التونسية. كنتُ جدّ مُتحمّسة للاقتراع أخيرًا، للمرة الأولى، ولممارسة أهم حقّ من حقوقي. لكن الهيئة قرّرت أنّها تستطيع اعتباطيًا أن تختار من بإمكانه التصويت، قرّرت أن لها سلطة سلب حقوق المواطنين.
لم يكن للممثلين الإقليميين الكثير ليقولونه سوى تذكير أولئك المرفوضين أنّ “الأمر عائد للهيئة” في اتخاذ قرار قبول الطلبات. تقول الهيئة في رسالة لها على صفحتها على فيسبوك: “إن اكتمال الملفّات لا يضمن قبول الهيئة. نذكر يوميًا أن الهيئة تملك وحدها صلاحية التغيير. نحن نُقدّر خيبة أملكم، لكن للأسف ليست لدينا إجابات زيادة عما تعلمون.”
كان عليّ أيضا أن أتساءل إن كان لهذا علاقة بالسياسة. ورغم أنّي لا يمكن أن أعرف على وجه اليقين ما إذا كان طلبي قد رُفض على خلفية آرائي السياسية أم لا، فإني أَعلمُ الآتي: أنّ الهيئة جعلت من العسير جدًّا على التونسيين بالخارج ممارسة حقهم في الاقتراع، إذ تمّ الإبلاغ، خلال انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول التشريعية عن العديد من الحالات التي لم يتمكّن فيها أشخاص بعينهم من العثور على أسمائهم في المكاتب التي سَجّلوا فيها، فصاروا غير قادرين على التصويت نتيجة لذلك. وكانت هناك أيضًا روايات عن قيام أعضاء المكاتب بإقناع أصدقائهم (وهم عادة ما يشاطرون ذات القناعات السياسية) بالذهاب للتصويت وملء حجرات الاقتراع.
هكذا نظرًا لمدى سوء سير الانتخابات التشريعية، حيث سادت فوضى عارمة مكاتب الخارج، فإنّي أتوقّع أن تكون الانتخابات الرئاسيّةُ أكثر سوءاً. وأسوأ جانب في كل ذلك أنّي لم أشعر بهذا القدر من السُخط على بلدي منذ عهد بن علي. ففي ذلك الوقت، أحسست أن تونس نبذتني دومًا، وجعَلتني أشعر أني مواطنة من الدرجة الثانية كلّما حاولت فتح فاهي حول هذا الشيء أو ذاك أو ممارسة حقوق وواجبات جدّ بسيطة.
اليوم، يُخالجني الإحساس ذاته. فأنا أشعر أنني عوملت معاملة غير عادلة وأنني سُلبت حقي. أتوجّه للسّلطات القضائية في تونس بنداء للشروع في التحقيق وإيجاد إجابات لهذا السؤال: لماذا رُفضت مطالب تغيير مراكز الاقتراع؟ على أيّ أساس يُصادَر حق المواطنين التونسيين في التصويت؟
وفاء بن حسين طالبة قانون تونسية أمريكية متخصّصة في القانون الدولي وقانون الإنترنت وهي ناشطة تدافع عن حقوق الإنسان في العالم عمومًا والعالم العربي خاصةً.