مجرّدُ الدفاع عن معارضٍ سياسيٍّ في طاجكستان قد يُسبب لك الكثير من المتاعب.
إذْ لم يُدَنْ “سهوهرات كُدراتوف”، بالطبع على أساس أنّه محامٍ ترافع عن معارضٍ سياسيٍّ؛ إنّما استند الحُكم الصادر في حقّه بتسع سنوات سجنٍ على تُهم “احتيال” و”محاولة الرشوة”. غير أن المجتمع المدني بطاجكستان لم يتوانَ عن وصف التُّهم بالمُلتوية وعن إعرابه التضامن مع “كُدرتوف” رغم ضغط السلطة عليه.
لقد مثّلَ “كُدرتوف” المُعارضَ المسجونَ “زيد سيدوف”، وهو وزيرٌ سابقٌ يواجه حكمًا بالسجن 26 عامًا بناءً على مجموعةٍ من التُّهم تبدو متّصلةً بقراره توسيع نشاطه السياسي وتأسيس حزب “طاجكستان الجديدة”. حيث حكمت محكمةٌ طاجكيةٌ في 13 يناير/ كانون الثاني 2015 على “كُدرتوف” بقضاء مدة عقوبته في سجنٍ مُشدّدِ الحراسةِ.
بعد ذلك بمدّةٍ وجيزةٍ، أُنشأت صفحةٌ على فيسبوك عنوانها: (МАН – Шуҳрат Қудратов) “أنا سهوهرات كُدرتوف من طاجيكستان”.
ويُعدُّ “كُدرتوف” المحامي الثاني الذي يواجه عقوبة السجن في فريق الدّفاع عن “سيدوف” بالإضافة إلى كونه نائب رئيس الحزب الديمقراطي الإشتراكي المُهمَّش في طاجيكستان. إذْ أُدين السنة الماضية، محامي آخر في تُهم تحيُّلٍ قبل أن يُخلى سبيله إثر عفوٍ عامٍّ ليتوقف مباشرةً عن أي مساهمةٍ في قضية “سيدوف”. صنع “كُدرتوف”، ذو ال38 ربيعًا، اسمًا لنفسه من خلال الدفاع عن رجال أعمالٍ وسياسيين مشهورين، كانوا قد أثاروا غضب نظام الرئيس الطاجيكي “إمُمالي رحمون”، ومن أبرزهم رجلٌ مُتّهمٌ باغتيال صهر الأخير.
اختار مكتب حقوق الإنسان بطاجكستان “كُدرتوف” كأحسن محامي في البلاد لسنة 2011، رغم خسارته كل القضايا البارزة التي شارك فيها.
وتعَدُّ التّهم المُوجهة إلى “كُدرتوف” معقّدةً. إذ بُرِّرَ الجزء الأكبر من عُقوبته لمشاركته في تسوية قضية احتيالٍ، مثَّل فيها “كُدرتوف” المدّعى عليه. فقد اعتُقل “كُدراتوف” في 21 يوليو/ تموز 2014 بعد أن اتّهمه المدّعى عليه بتلقّيه مبلغ 1.500 دولار منه، كرشوة للقاضي حتى يُسقط التّهم. إلاّ أنّ “كُدرتوف”، وهو الذي اعتُقل بعد دقائق من تلقِّيه المال، قال بأنّ القاضي تقدّم بعرضٍ لغلق القضية إذا ما دفع المدّعَى عليه قيمة الأضرار التي لحقت بالمدّعِي. وهو ما أكّده هذا الأخير بالقول أنّه وافق على التنازل عن القضية، خلال اجتماعٍ ثلاثيٍّ بينه وبين القاضي “كُدرتوف”، إنْ دفع له المدّعى عليه مبلغَ 2.000 دولار. في حين أن القاضي، وهو جزءٌ من منظومةٍ قضائيةٍ معروفةٍ بولائها السياسي لنظام الحكم في طاجكستان، صرّح بأنّ “سهوهرات” قدّم له بعض الخدمات مقابل إسقاط القضية لكن لم يقدّم له رشوةً.
قام ناشطون طاجيك بالتظاهر أمام مقار سفارات بلادهم في كلٍّ من موسكو وواشنطن، مُعبّرين عن قلقهم حول محاكمة “كُدرتوف”، والتي وصفتها منظمة “هيومان رايتس واتش” بأنها محاكمةُ ذاتُ “دوافع سياسية”. كما دعا المحامي والناشط الحقوقي المعروف، “فايزنسو فوهدوفا”، المحامين الطاجيك إلى التظاهر لنُصرة زميلهم المسجون.
وتابع مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي باهتمامٍ بالغٍ قضية “كُدرتوف” ويبدو أن معظمهم يعتقد أن القضية والعقوبة لهما علاقةٌ بنشاطه كحقوقي.
قال “زبو طجيبايفا” مُتعجّبًا:
Гдееееееееее правосудиееееееееееее! Девять лет за что?????! За убийство меньше дают. Шухрату Кудратову….девять лет строгого режима ЗА ЧТО!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
أين العدالة؟ تسع سنوات لماذا؟ حتى تُهمة القتل يُعاقب عليها بأقلّ من ذلك! تسع سنواتٍ في سجنٍ مُشدّد الحراسة لـ”سهوهرات كدرتوف”، لماذا؟!
كما تساءل “عليم شرزمنوف” عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي بطاجكستان الذي ينتمي إليه “كُدرتوف”، وهو أيضًا من أجرى معه “ألكسندر سُديكوف” (من الأصوات العالمية) حوارًا صحفياً أثناء اعتقاله الشهير في مدينة “خاروع”:
Очередной политзаключенный. Кто следующий?
سجينٌ سياسيٌّ آخر، تُرى من سيكون التالي؟
في حين عبّر الصحفي “رمز فافو” عن امتعاضه الشديد بالقول:
Не удивлена приговором в отношении Шухрата Кудратова. Никогда не верила с справедливость таджикского суда – не было повода для этого. Но все равно эта новость выбила настроение. Очень хочется пожелать всем, кто имеет отношение к этому приговору такую же участь. Разница будет лишь в том, что в отличие от Шухрата они заслуживают такого наказания. Желаю им такой же разрушенной жизни…
لم يُدهشني الحُكم الذي صدر في حق “سهوهرات كُدرتوف” فأنا لم أثق أبدًا بعدالة المحكمة بطاجكستان، ولا داعي لذلك. غير أن هذا الخبرَ قد عكَّر مزاجي. لذلك أودُّ أن يلقى كل الذين أصدروا عليه الحكم نفس الجزاء، كما أتمنّى لهم حياة الشقاء ذاتها؛ الفرق أنّهم يتسحقّون هذا العقاب.
وقال أحد الناشطين الطاجيك:
Призываем всех ответственных граждан не оставаться в стороне от произвола властей! От свободы Шухрата зависит свобода каждого гражданина Таджикистана! Сегодня Шухрат, а завтра на его месте может оказаться любой из нас. Задумайтесь, пока не поздно.
نوجّه نداء لكل المواطنين الذين تَحدوهم روح المسؤولية بأن لا يُديروا ظهرهم أمام تعسّف السلطة. إنّ حرية كل مواطنٍ في طاجيكستان تتوقّف على حرية “سهوهرات”. فاليوم يُعاقب “سهوهرات” بالسجن، وغدًا أيّ واحدٍ منّا قد يَحلُّ محلَّه. فكّروا ما دام هناك مُتّسعٌ من الوقت.
أخبر “رحمة الله زوييروف”، وهو رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي في طاجكستان ومحامي “كُدرتوف”، الصحفيينَ بأنه يعتزم استئناف الحكم أمام المحكمة العليا في طاجكستان. لكن من غير الوارد أن يُطلق سراح “كُدرتوف” ما لم يحصل على عفوٍ رئاسيٍّ. ففي 12من يناير/ كانون الثاني 2015، عقدت المحكمة العليا مؤتمرها السنوي، حيث أشار مسؤولوها إلى أنّها لم تُصدر قرارًا واحدًا بالبراءة في كل القضايا الـ128 التي قامت بمراجعتها خلال سنة 2014.