تلعب جيبوتي، الدولة الصغيرة الواقعة على تخوم إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، دورًا رئيسيًا في صراع الغرب مع “الجهاديين”. وبما أنّها تمثّل أرض استضافة للقواعد العسكرية الأجنبية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه ملاذًا للاجئين خصوصًا اللاجئين اليمنيين، فإن أهمية هذا البلد الواقع في القرن الإفريقي ما تنفكّ تتزايد يومًا بعد يوم.
إنّ جيبوتي التي تحيط بها الصومال وإريتريا وأثيوبيا أرض حبلى بالمفارقات. فرغم أنها من أصغر دول القارة حجمًا، إلاّ أن ذلك لا يمنعها البتّة من أن تكون في الوقت الحاضر مطمعًا للقوى الكبرى في العالم. وإن كان النهج السياسي للبلاد، التي يترأسها إسماعيل عمر جلاّه منذ 1999، مواليًا موالاة كبيرة للسياسة الأمريكية، فإن التفاف الشعب حول هذا النهج في تراجع كبير. إذ بدأ الجيبوتيون ينظرون نظرة سلبية لهاته المعركة التي لمّا تنتهِ بعد مع “الجهاديين”،سواء تعلّق الأمر بجهاديي القاعدة أو تنظيم الدولة. كما أنهم يتخوّفون من حدوث هجمات إرهابية على أراضيهم على غرار ما يحدث في اليمن المجاور. هنا تكمن المفارقة الثانية: تعد هذه الدولة الواقعة في القرن الإفريقي محورًا للصراع مع التنظيمات “الجهادية الإقليمية وهو مع ذلك ما يمثّل لها شريان الحياة.
جيبوتي محور الصراع مع الإرهاب
بحكم موقعها الجغرافي في طرف القارة الإفريقية وعلى مرمى حجر من اليمن خصوصًا ومن الشرق الأوسط عمومًا، فإن جيبوتي تكتسي، باعتبارها أرض استضافة للعديد من القواعد العسكرية الأجنبية، أهمية بالغة بالنسبة للدول الكبرى التي تعتزم لعب دور في المنطقة. ففي الوقت الذي يُقدم فيه تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية (AQPA)- الفصيل الأكثر خطورة في التنظيم الذي أسسه بن لادن- وتنظيم داعش على التكثيف من عملياتهما الإرهابية، تتسابق الدول الكبرى إلى تثبيت قواتها المسلحة وعتادها الحربي على أرض جيبوتي.
حصلت جيبوتي على الاستقلال من فرنسا في سنة 1977، ومع ذلك تنسق وتتعاون معها منذ ذلك الوقت. وإن كان واضحًا أن الحضور الفرنسي فيها هو الأقدم، فإن أهمية هذا البلد الإفريقي قد تنامت إثر هجمات 11 سبتمبر/أيلول. أمّا الولايات المتحدة الذي يعود تواجدها في البلد إلى سنة 2002، فقد مدّدت فترة هذا التواجد إلى عشر سنوات مقابل مبلغ 40 مليون دولار في السنة، كما يزمع البنتاغون على انفاق أكثر من بليون دولار خلال الخمس والعشرين سنة القادمة من أجل زيادة حجم المعسكر الأمريكي. ويعلل الرئيس أوباما ذلك بالقول :
There’s a significant presence of soldiers from Djibouti who are participating in the multinational force that has been able to push back al-Shabab’s control over large portions of Somalia
Il y a une forte présence de soldats Djiboutiens qui participent à la force multinationale qui a été capable de repousser Al-Shabab en Somalie.
هناك حضور كبير للجنود الجيبوتيين المشاركين ضمن القوة المتعددة الجنسيات، التي كانت قد تمكنت من الحدّ من سيطرة تنظيم “الشباب” على أجزاء واسعة من الصومال.
بعد فرنسا والولايات المتحدة بالإضافة لليابان وألمانيا، يأتي الدّور على الصين إذًا كي “تطالب” بصلتها مع جيبوتي. وإن كان طلب بكين الرسمي مدفوعًا بغايات اقتصادية بالأساس -رغم ازدياد تأثيرها في المنطقة يومًا بعد يوم- إلاّ أنّ الحضور القوي للمجموعات “الجهادية” في الشرق الأوسط ليس غريبًا عنها تمامًا. إذ ترمي حكومة “جين بينغ” من وراء ذلك إلى تأمين إمداداتها من النفط، خصوصًا وأن داعش أحكمت قبضتها على أهم مصادر الذهب الأسود في سوريا والعراق.
جيبوتي، ملاذًا للاجئين
مع أن الحضور الأجنبي في جيبوتي يدرّ على حكومة عمر جلاّه ثروة مالية كبيرة (ما يقارب 200 مليون دولار)، فإن الشعب لم يحصل منها على شيء. وهو على أي حال ما يفسّر الاستياء الشديد للجيبوتيين من تواجد القوات الأجنبية على أراضيهم. كما يشمل هذا الاستياء دور البلاد في استيعاب اللاجئين من الصراعات المتعددة الدّائرة في المنطقة. وفي الوقت الذي يقوم فيه “الجهاديون” بالعديد من العمليات الوحشية في المنطقة -سواءً كانوا من بين صفوف تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، أو داعش، أو التيار الشيعي الحوثي المسيطر الآن في اليمن، أو حتى من التنظيم الصومالي “الشباب”- يتوافد اللاجئون بأعداد كبيرة على جيبوتي. إذ يُعدّ البلد، على سبيل المثال، واحدًا من البلدان القلائل التي تستقبل اللاجئين اليمنيين.
وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، سيُقدم أكثر من 15 ألف من اليمنيين خلال الأشهر الستة القادمة على عبور خليج عدن للّجوء في جيبوتي.
ينبّه الناطق الرسمي للمفوضية، “فريديريك فان هامّ” إلى أن:
Il est certain que cela va mettre la pression sur l'Etat. C'est un petit pays qui doit déjà faire face à la sécheresse, à un fort taux de chômage et une grande pauvreté.
هذا قطعًا ما سيسبب ضغطًا على كاهل الدولة. فعلى هذا البلد الصغير أن يحل أصلاً مشكلة الجفاف، وارتفاع معدلات البطالة، ونسبة الفقر المرتفعة.
وضعية اقتصادية أدّت منذ سنوات إلى نمو تجارة مثيرة للقلق رغم كونها دومًا حديث الساعة: تهريب المهاجرين الغير شرعيين من القرن الإفريقي نحو شبه الجزيرة العربية. حيث أوقف المهربون نشاطهم فقط عند اندلاع الأزمة اليمنية، ما أدّى إلى تكاثر أعداد المهاجرين السريين العالقين في جيبوتي. إن هذا البلد، الذي يُعتبر أحد مفاتيح المعركة مع الإرهاب في المنطقة، قد ينهار بسبب تدفق الأعداد الهائلة من هؤلاء المهاجرين واللاجئين وبسبب الوضعية الإقتصادية السيئة، إن لم تسارع القوى الأجنبية المتواجدة هناك إلى التحرّك ومد يد العون.