- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

سوريا: كسر حصار حلب

التصنيفات: الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, سوريا, احتجاج, حروب ونزاعات, صحافة المواطن, علاقات دولية, الجسر
Graphic widely shared on social media.

خلال أيام القتال العنيف الأسبوع الماضي، عمد سكان حلب شمال سوريا، لحرق المئات من الإطارات لتشكيل أعمدة من الدخان الأسود في محاولة لتحدي قصف الطائرات. تم تداول هذه الصورة على نطاق واسع في وسائل الإعلام الاجتماعية.

بقلم ليلى الشامي

احتفل الناس في شرق حلب في 6 أغسطس/آب بعد كسر الثوار للحصار الذي فرض عليهم من قبل النظام السوري وحلفائه منذ 17 يوليو/تموز في مناطق المدينة التي يسيطر عليها الثوار منذ يوليو/تموز 2012 كسجن كبير لأكثر من 300 ألف نسمة عملوا على تخزين المواد الغذائية خوفًا من الموت جوعًا.

احتاج الأمر لجهود جبارة من الثوار مع أسلحتهم المحدودة لكسر الحصار. انضم القوميين الديمقراطيون للجيش السوري الحر إلى الميليشيات الإسلامية وجبهة فتح الشام، المعروفة حتى وقت سابق من هذا الشهر باسم جبهة النصرة [1]، التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا.

“احتاج الأمر لجهود جبارة من الثوار مع أسلحتهم المحدودة لكسر الحصار.”

لم يكترث المجتمع المدني السوري عمومًا من تغيير الاسم. بينما تجنبت النصرة الفرض صارم للشريعة الإسلامية في مناطق سيطرتها، ظهرت معارضة شعبية بسبب محاولاتها تقويض الهياكل الإدارية المدنية المحلية، وإنشائها هياكل موازية مثل المحاكم الشرعية. اعتقلت النصرة أيضًا نشطاء المجتمع المدني، بما في ذلك الصحفيين وأعضاء المجلس المحلي، وكانت مسؤولة عن الهجمات الطائفية. في الواقع، تظاهر الثوار في إدلب، الذين كان رواد الاحتجاجات ضد قوات الأسد، لأكثر من خمسة أشهر [2] على رفض النصرة للمحاكم المستقلة والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين في سجون النصرة.

تراجعت النصرة من حلب عام 2014 من خلال الضغط الشعبي، لكنها عادت في الآونة الأخيرة في اشتباكات مع جماعات متمردة أخرى، في حين أدت محاولاتها للهيمنة على المؤسسات وتقديم الخدمات مثل الكهرباء والإمدادات الغذائية إلى فقدان شعبيتها بين سكان المدينة.

لكن عندما يتطلب الأمر البقاء، تتراجع المبادئ السياسية للظل. وجدت العديد من القوات الديمقراطية نفسها تحتفل بتقدم القوات الجهادية على الرغم من خوفهم من أيديولوجيتها. النصرة هي مكون أساسي من جيش الفتح الذي حرر مدينة إدلب من النظام السوري العام الماضي. قاد جيش الفتح هذا الهجوم الذي كسر حصار حلب.

تظاهر سكان مناطق حلب المحررة لدعم الهجوم المضاد. في أيام من القتال العنيف الأسبوع الماضي، وفي عرض للتحدي، حرق سكان حلب المئات من الإطارات [3]، وتصاعدت أعمدة من الدخان الأسود في الهواء لخلق منطقة عدم الطيران الخاصة بهم. عمل كسر الحصار الناجح على تزايد أهمية النصرة في نظر السكان المحليين كنتيجة للتخاذل العالمي.

لو سقطت حلب، الأمر الذي كان يبدو وشيكًا في الأيام التي سبقت كسر الحصار، فإن ذلك لن ينهي الحرب. قد يكون مؤشرًا على موت الثورة التي سبق أن تمت خيانتها والتخلي عنها في حين أن تحرير حلب يجسد تطلعات استمرار النضال الشعبي المهمشة من أجل الحرية.

“لو سقطت حلب، الأمر الذي كان يبدو وشيكًا في الأيام التي سبقت كسر الحصار، فإن ذلك لن ينهي الحرب. قد يكون مؤشرًا على موت الثورة التي سبق أن تمت خيانتها والتخلي عنها”

مع قليل من الدعم الخطابي لأصدقائهم في الغرب، تحرر أهل حلب من ديكتاتورية الأسد في يوليو/تموز 2012، وأخرجوا تنظيم داعش (أو الدولة الإسلامية) المتطرف في يناير/كانون الثاني 2014. أدارت المناطق المحررة في الشرق شؤونها وكافحت للحفاظ على الخدمات الأساسية التي تعمل من خلال المجالس المحلية المنتخبة ديمقراطيًا. وظهرت واحدة من أكبر منظمات المجتمع المدني النشطة إلى حيز الوجود، بما في ذلك العشرات من المجموعات الإعلامية الحرة ومنظمات الطوارئ والإغاثة مثل مجموعة الدفاع المدني “الخوذ البيضاء”. عملت مجموعة من النساء على تأسيس محطة راديو مستقلة تعنى بأمور النساء، راديو نسيم، الذي يتناول قضايا حقوق الإنسان، دور المرأة في الثورة والأخطار التي يشكلها التطرف. هذا هو إرث الثورة، وتجسيدًا لمُثلها الديمقراطية ومرونتها، كل هذا يتعرض للقصف لإنهاء وجوده هذه الأيام.

عانت حلب سنوات من الضربات المدفعية وقصف البراميل وصواريخ سكود، لكن القصف الحالي هو الأكثر كثافة من أي وقت مضى. تم قصف المستشفيات ومخيمات النازحين بشكل متكرر من قبل القوات الجوية الروسية أو السورية. دفعت هجمات النظام وحلفائه على المناطق السكنية الآلاف من السكان لترك منازلهم بدون أي خيار آخر يذهبون إليه، العديد منهم ينامون الآن في المباني العامة أو في الهواء الطلق. مع تعمد لاستهداف خدمات المياه والكهرباء والمرافق الصحية، أدت جرائم الحرب هذه لوصول الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار مع نقص حاد في المستلزمات الطبية والأطباء لمساعدة الجرحى.

ردًا على نجاح الثوار في الآونة الأخيرة، يتم قصف إدلب جويًا مع تقارير عن إلقاء الطائرات الروسية لقنابل حارقة على المناطق المدنية وتواردت تقارير عن هجمات بغاز الكلورين في المناطق التي يسيطر عليها الثوار في حلب.

في هذا السياق، تأتي تصريحات النظام والقوات الروسية عن إقامة “ممرات انسانية” في تناقض مع أفعالها كمحاولة لإخلاء المناطق المعارضة من السكان وبالتالي الإشارة إلى من تبقوا على أنهم هدف مشروع لعملية قتل جماعية. نحن في حاجة لإيقاف القصف ودخول المساعدات إلى المدينة.

“في هذا السياق، تأتي تصريحات النظام والقوات الروسية عن إقامة “ممرات انسانية” في تناقض مع أفعالها كمحاولة لإخلاء المناطق المعارضة من السكان وبالتالي الإشارة إلى من تبقوا على أنهم هدف مشروع لعملية قتل جماعية.”

تدفع الإدارة الأمريكية، الحليفة غير الحقيقية للنضال الشعبي، الآن لتعاون عسكري أكبر مع روسيا في مجال ‘مكافحة الإرهاب’. وفقًا لتعريف روسيا، هذا يشمل أي معارضة للنظام. تثق هذه السياسة قصيرة النظر في جهود روسيا بالضغط على النظام لوقف هجومها على الجماعات المتمردة المعتدلة والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، على الرغم من إخفاق روسيا والنظام على الالتزام بالاتفاقات المبرمة المتعلقة بوقف إطلاق النار أو وصول المساعدات الإنسانية. هناك رأي عام عن مساندة الولايات المتحدة للمهاجمين. لو تمت هزيمة القوات الديمقراطية المناهضة للنظام السوري من قبل القوى الأجنبية والميليشيات الشيعية، فإن التطرف العنيف سينمو محلها.

لا يحتاج الغرب لتدخل عسكري ضد النظام أو داعش. نجح الثوار السوريون في إلحاق الهزيمة بهم في الماضي، ويمكنهم فعل ذلك مرة أخرى. ولكن من الممكن لضغط سياسي واقتصادي أقوى على الدول التي تدعم النظام (السبب الرئيسي لسفك الدماء والتطرف) أن يضع حد لدعمها. لا يمكن للأسد الصمود وحده، حيث يعتمد كليًا على القوات الأجنبية من أجل البقاء (الضربات الجوية الروسية، والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران على الأرض) يعمل النظام في محاولات يائسة لتجنيد السجناء والمعلمين للقتال في حين يحاول الموالون للنظام تجنب التجنيد أو الفرار.

في حين تحترق حلب وتموت جوعًا، استرضت الولايات المتحدة روسيا وإيران، وغضت الطرف عن الجهاديين الشيعة في إيران، ورفضت إرسال شحنات الأسلحة المضادة للطائرات للثوار وفشلت في تقديم الدعم الكافي لمبادرات مدنية ديمقراطية، تستبسل جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة من ناحية أخرى لإنقاذ المدينة. تداعيات هذا الأمر ستكون هائلة.

ليلى الشامي، سورية-بريطانية ناشطة في مجال حقوق الإنسان والنضال من أجل العدالة الاجتماعية في سوريا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط منذ عام 2000. هي كاتبة مشاركة لكتاب “حرق البلد: السوريون في الثورة والحرب” مع روبن ياسين- كساب، ومساهمة في “خينا-داعش، اليسار وتفكيك الثورة السورية”. قد نشرت نسخة من هذه المقالة بالأصل على مدونتها الخاصة [4].