القوانين القمعية قد تكون مُعدية: تسليط الضوء على قانون تكنولوجيا المعلومات الجديد في الإمارات

عمال بناء في دبي. تصوير باول كيلر

عمال بناء في دبي. تصوير باول كيلر في 2008، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي النسبة الثانية.

كتب هذا المقال أمين جبران، مدير التواصل في مجموعة أبحاث الرقابة على الإنترنت بالشرق الاوسط ASL19.

ستصدر حكومة الإمارات قريبًا تعديل قانوني لتجريم استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) والأدوات الأخرى لتجاوز الرقابة. وقد يواجه منتهكو القانون غرامات هائلة قد تصل إلى 545 ألف دولار أمريكي، بالإضافة إلى السجن. فماذا يعني هذا القانون؟ وكيف يؤثر على حرية التعبير عبر الإنترنت في المنطقة؟

بالفعل يمنع قانون الإمارات، تحت ظروف معينة، استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة والتقنيات الأخرى لتجاوز الحجب. ويرجع الهدف الرئيسي للتعديل الجديد هو تمديد القانون ليشمل أي شخص “يستخدم عنوان بروتوكول إنترنت” (IP) مزيف عبر استعمال عنوان مزيف أو عنوان لطرف ثالث بأي طريقة أخرى بغرض ارتكاب الجرائم أو منع اكتشافها”. (قانون فيدرالي رقم 2016/12، مادة 1، الإمارات)

وعلى الجانب الأخر للقضية، يعاني أصحاب المصلحة غموض اللغة المستخدمة في تعديل القانون. ردًا على شكواهم، أصدرت هيئة تنظيم الاتصالات بيانًا متعهدة فيه بأن القانون لن يؤثر على المصالح الاقتصادية، وتعد قطاع الأعمال بإمكانية الاستمرار في استخدام تقنية الشبكات الافتراضية الخاصة على شبكاتهم الداخلية، طالما لا يساء استخدامها في نشاطات إجرامية.

لكن بيان هيئة تنظيم الاتصالات لم يتضمن ذكر الخدمات الغير مرخصة والغير منظمة. فهل سيعتبر استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة على الشبكات العامة مخالف للقانون؟ وهل استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة للوصول إلى خدمة غير مرخصة، مثل فايبر مثلا، سيعد جريمة في حد ذاته؟ في النهاية ستعتمد إجابات تلك الأسئلة على كيفية تفسير وتطبيق الحكومة للتعديل الجديد.

جزء من اتجاه جديد للمنطقة

في الإطار الأوسع لتفسير التعديل الجديد، سيؤثر القانون على كل من يستخدم الشبكات الافتراضية الخاصة وأدوات تجاوز الحجب الأخرى، حتى هؤلاء الذين لا يحاولون إتاحة محتوى غير قانوني أو خدمات ممنوعة (مثل بعض مقدمي خدمات الصوت عبر الإنترنت) أو ينخرطون في الأنشطة الإجرامية.

لا يعتبر هذا الأمر سهل بالنسبة للإمارات، حيث يعد استخدام الشبكات الخاصة لافتراضية شائعًا في الجامعات وقطاعات الأعمال والمطارات وحتى المنازل الخاصة. فيستخدم الكثير من الإماراتيين الشبكات الافتراضية الخاصة لإخفاء عناوين البروتوكولات الخاصة به ليحموا أنفسهم من سرقة البيانات التي تحدث خلال الهجمات الإلكترونية، خاصة أن تغيرات السياسات الأخيرة، مثل حجب خدمات مقدمي الصوت عبر الإنترنت، جعلت الشبكات الافتراضية الخاصة أكثر أهمية من ذي قبل، وبالأخص لدى المستخدمين من الطبقة العاملة.

الشبكة الافتراضية الخاصة (المعروفة باسم VPN) هي عبارة عن أداة تمكنك من إنشاء اتصال آمن بالشبكات الأخرى من خلال موقع جغرافي مختلف. حيث يمكن لشخص في الإمارات، على سبيل المثال، الاتصال بشبكة خاصة افتراضية تقع في كندا. مما يتيح لهم تجاوز الرقابة الإماراتية واستخدام الإنترنت كما لو كانوا في كندا. كما أنه من الأدوات الهامة للأشخاص المقيمين في دول تمنع حكومتها إتاحة خدمات ومواقع معينة.

لا يعد القانون الجديد مفاجئة لمن هم على دراية بالسياسات الرقمية في المنطقة، فيسبق هذا القانون موجة من خطوات حجب لخدمات الصوت عبر الإنترنت في العديد من البلدان العربية. فخلال الستة أشهر الماضية وحدها، قامت الإمارات بحجب سنابتشات بسبب ميزة الفيديو الخاصة به، وقامت المغرب بحجب الاتصال الصوتي عبر الإنترنت، وكذلك قامت السعودية بحجب اتصالات الصوتية على وتساب وفيسبوك وفيستايم على الآيفون.

تبرر الحكومات تلك القرارات بأسباب أمنية واقتصادية. حيث أن الخدمات المجانية للصوت عبر الإنترنت من المرجح أن تقلل من استخدام العملاء لخدمة المكالمات الدولية عبر شبكات الهاتف التقليدية، مما يؤدي إلى خسارة شركات الهواتف الوطنية والتي غالبا ما تكون تابعة للدولة. ومع تصاعد التوتر في المنطقة، تتحفظ الحكومات في الشرق الاوسط على خدمات الصوت عبر الإنترنت وتطبيقات مراسلات نصية معينة بسبب خاصية الأمان بها، فتطبيقات مثل وتساب، الذي يوفر الآن خاصية الرسائل المشفرة حتى النهاية، تجعل من الصعب على الحكومات مراقبة اتصالات المستخدمين.

كما أن هناك عوامل أخرى تلعب دورًا هامًا مثل السياسات وسوق العمل. فعلى سبيل المثال، شركتيّ اتصالات ودو هم فقط الشركات المقدمة لخدمات الإنترنت في الإمارات، وكل منهما مرخص له توفير خدمات الشبكة الافتراضية الخاصة، لكنها خدمات مركزية وغير مشفرة، تلغي قدرة المستخدم على حماية خصوصيته. ويزيد الطين بلة أن جهاز الإمارات للاستثمار (EIA)، صندوق الإمارات السياديّ، يملك 60% من أسهم شركة اتصالات و39.5% من أسهم شركة دو، وهم الشركتين الوحيدتين للاتصالات في الدولة. ولا يؤكد تزاوج المصالح والسلطة بين الدولة وكيانات الشركة سوى أن سلطات الدولة ستحصل على بيانات المستخدم من الشبكات الافتراضية الخاصة بسهولة تامة.

ولا تقتصر ديناميكية السلطة هذه على الإمارات فقط. فشركة اتصالات متواجدة في أربع دول عربية، بينما شركة زين (34.4% ملك للحكومة الكويتية) شركة اتصالات عملاقة أخرى في المنطقة، متواجدة في ثماني دول عربية. مما يشير إلى أن لديهم تأثير كبير على سياسة الإنترنت في تلك الدول. وبالتالي يمكن تصدير القوانين الجديدة المطبقة في الإمارات، بطريقة أو بأخرى، لدول أخرى في الشرق الاوسط.

التطبيق هو كل شيء

بخلاف إتاحة استخدام خدمات الصوت عبر الإنترنت، تتميز الشبكات الافتراضية الخاصة بإمكانية الوصول إلى المعلومات كما تتميز بوظائفها الأمنية، مثل الوصول إلى المحتوى المحجوب وإضافة طبقة من الحماية عند تصفح الإنترنت.

وبالرغم من أن ذلك مهم بالنسبة للمستخدم، فقد تكون النتائج خطيرة عند تطبيق القانون الجديد. عمليًا، كما هو الحال مع تطبيق الرسائل المشفرة، غالبًا ما يكون من المستحيل تعقب أنشطة المستخدم عند استخدام شبكة خاصة افتراضية. أوضح أحد مطوري شركة شبكات افتراضية خاصة مفتوحة المصدر لمجموعة ASL19 قائلًا: “العديد من أنواع البيانات على الشبكة الخاصة الافتراضية يمكن اكتشافها من خلال مشغل الشبكة، أما إذا كانت الشبكة الافتراضية الخاصة تستخدم تشفير مناسب، قد لا يتمكن مقدم خدمة الإنترنت من التعرف بسهولة على ما يفعله المستخدم”.

هذا يعني أنه بالرغم من أن مقدمي خدمة الإنترنت يمكنهم معرفة إذا ما كان العميل يستخدم الشبكة الخاصة الافتراضية أم لا، لا يمكنهم بسهولة تحديد الخدمات والمواقع التي يصل إليها العميل. وببساطة قد يكون من المستحيل أن تحدد السلطات سواء كان الشخص يستخدم الشبكة الخاصة الافتراضية “لنشاط إجرامي” أم لا.

كيف يمكن للمجتمع المدني المقاومة؟
في ظل التهديدات المتزايدة في الشرق الاوسط ضد استخدام الوسائل الرقمية وحرية التعبير والخصوصية، يجب على المجتمع المدني التنظيم والعمل للدفاع عن حقوق مستخدمي الإنترنت. وبينما قد يقع تأثير ذلك الدفاع على آذان صماء في بعض الدول، فقد ثبت فاعلية ذلك في حالات أخرى. في يناير / كانون الثاني 2016، عندما تم حجب خدمات مقدمي الصوت على الإنترنت في المغرب، قاطع المستخدمون شركات الاتصالات، وأطلقوا مبادرة على الإنترنت لاستخدام الشبكات الافتراضية الخاصة لتجاوز على الحجب. فتراجعت شركات الاتصالات عن قرارها بعد بضعة أسابيع لاحقة. لكن تم إعادة الحجب بعد بضعة أشهر، بعد أن قامت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات بتأييد الحجب بقرار مثير للجدل، من خلال الحكم أن خدمات مقدمي الصوت على الإنترنت لا تملك تراخيص للعمل في المغرب. وأسندت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات قراراها بناء على قانون قديم يعود لعام 2004 يجرّم استخدام خدمات مقدمي الصوت على الإنترنت في الأغراض الإعلانية، وليس للأغراض الشخصية. وعقب ذلك القرار نداء من الشعب يناشد الملك للتدخل، لكن الحجب ظل مستمرًا.
منظمة ASL19 تقدم حلول الوصول إلى المعلومات للمستخدمين في الدول التي تنتشر بها الرقابة والحجب، راقب فريق العمل الخاص بنا الوضع وبدأ العمل لتوزيع أدوات تجاوز الحجب. فوجدنا انخفاض غريب في استخدام بعض الأدوات عقب الحجب الثاني، وبعد التحقيق والحصول على العديد من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، اكتشفنا أن المستخدمين كان لديهم مخاوف حول حكم السجن المرتبط بقانون 2004 الذي يجرم استخدام مقدمي الصوت على الإنترنت، بالرغم من أن القانون ينطبق فقد على استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة في الأغراض الاعلانية.

وتعتبر قضية المغرب من القضايا الدلالية على الحاجة لزيادة الوعي العام عن الحقوق الرقمية. حيث أن توفير ثقافة الحقوق الرقمية لمستخدمي الإنترنت تعتبر من حقوقهم في التنظيم والتعبير، والمطالبة بخدمات أقوى والحق في مسائلة شركات الاتصالات المحلية. سيكون ذلك أمر حيوي في تشكيل مستقبل الإنترنت في الشرق الأوسط.

شارك النقاش

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.