- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

فيروس زيكا يضع بورتوريكو تحت مجهر المستعمر الأمريكي

التصنيفات: أمريكا الشمالية, أمريكا اللاتينية, الولايات المتحدة الأمريكية, بورتو ريكو, أفكار, الإعلام والصحافة, صحافة المواطن, صحة, علاقات دولية, الجسر

 "School Begins. Uncle Sam (to his new class in Civilization): Now, children, you've got to learn these lessons whether you want to or not! But just take a look at the class ahead of you, and remember that, in a little while, you will feel as glad to be here as they are!" Originally published on p. 8-9 of the January 25, 1899 issue of Puck magazine. By Louis Dalrymple (1866-1905) [Public domain], via Wikimedia Commons. [1]

العم سام يلقّن أحدث مجندي الإمبراطورية الأمريكية درسًا عن فن “التحضر.” نُشر هذا الكاريكاتور لأول مرة بعنوان “بدأت الدراسة” في مجلة Puck الأمريكية في 25 يناير/كانون الثاني 1899. بريشة لوي دالريمبل [2] (1866-1905). الكاريكاتور ملك مشاع ومتوفر من ويكيبيديا كومنز.

ها هي الفوضى تعمّ البلاد فقد فشلت الحرب على فيروس زيكا. من فرط اشمئزازه، يعلن مستشار الحاكم استقالته ويسافر إلى إسبانيا في إجازة. المرض يتفشى وسط جهود لم تُسفر سوى أحيانًا عن نتائج مرضية، فالبعوض ما يزال يتكاثر في إطارات السيارات القديمة، ولم يُتحفنا أحد بعد بحلول عصرية من أجل تدارك الأزمة. في محاولة أخيرة، تهبّ مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها [3] (سي دي سي) للنجدة بمبيد الحشرات “نيلد” الذي يتبين فيما بعد أنه سام. ينتفض الأهالي تعبيرًا عن رفضهم استخدام “نيلد” وسرعان ما يتهمون الولايات المتحدة بالاستعمار. وبما أن الجهل سيد الموقف، تمتنع الحوامل عن الاستعانة بالمبيد لحماية أطفالهن. يا للهول!

لا يعود تاريخ هذه الرواية الإعلامية إلى أيام الحرب الأمريكية الإسبانية [4] عام 1898، التي نجم عنها الغزو والاحتلال الأمريكي لكل من بورتوريكو وكوبا والفلبين وغوام، بل إلى مقالة [5] نشرتها صحيفة نيويورك تايمز في 30 يوليو/تموز 2016 حول انتشار فيروس زيكا في بورتوريكو. ورغم طول الفترة الفاصلة بين الحدثين، تُعيد المقالة إلى الأذهان رسوم الكاريكاتور التي ظهرت خلال الحرب حيث اضطلع الإعلام الأمريكي حينها بتكريس صورة العم سام كمخلّص أهالي المناطق الاستوائية من براثن الفقر والمرض.

وتكشف المقالة عن نظرة استعمارية واضحة وإن شابها التناقض، ففي حين تزعم أن أهل بورتوريكو متقاعسون عن القيام بدورهم، فهي تشير في نفس الوقت إلى انخفاض معدل الإنجاب بسبب تدابير اتخذتها النساء  لتلافي خطر إصابة مواليدهن بصغر حجم الرأس [6].

وبُعيد نشر المقالة، ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابًا [7] حذّر فيه البورتوريكيين من مغبّة عدم التعامل بجدية مع فيروس زيكا. ومن جانبه، أبدى حاكم بورتوريكو أليهاندرو غارسيا باديّا دعمه [8] لموقف الرئيس بينما عبّرت [9] وزيرة الصحة أنّا ريو أرمنداريس عن شعورها بالتعرض إلى “تقريع” رغم أن الجميع أولى بالتقريع. ومثل غيره من المنتقدين، يقول محافظ بايامون رامون لويس ريفيرا، الذي يؤيد تغيير وضع بورتوريكو السياسي [10] من إقليم [11] إلى ولاية فيدرالية [12]، أن على أوباما بدوره التعامل بجدية مع وضع بورتوريكو كمستعمرة، كما يطالبه بالإفراج عن السجين السياسي السبعينيّ أوسكار لوبيز ريفيرا [13] الذي حبسته الولايات المتحدة منذ 35 عامًا.

وتواجه دول أخرى كثيرة حول العالم أمراضًا استوائية منها البرازيل التي استضافت الأولمبياد رغم انتشار فيروس زيكا، غير أن التعامل مع هذه الدول نادرًا ما يتسم بالحدة، وقد يعود السبب في ذلك إلى كونها دولًا ذات سيادة.

لبورتوريكو تاريخ يمتد عقودًا في مكافحة الأمراض الاستوائية، فمنذ الستينيات ونحن نتصدى لانتشار [14] حمى الضنك، كما واجهنا مؤخرًا مرض شيكونغونيا ونواجه الآن فيروس زيكا إلى جانب أمراض أخرى. قد تبدو هذه الأمراض فظيعة وفريدة للناس في الولايات المتحدة إلا أنها لطالما كانت جزءًا من حياتنا اليومية، فكلا الحكومة والشعب مُلمّ بها حيث شهدت البلاد حملات توعية وتعقيم وتغطية إعلامية مكثفة. أجل، الحياة مستمرة في بورتوريكو فلم يكف الناس عن العمل والحب والعيش والكفاح ومقاومة فيروس زيكا وعدو آخر ألحق بالبلاد دمارًا أعظم وهو الاستعمار الذي دام أكثر من قرن وما تزال آثاره ماثلة للعيان.

وفي الآونة الأخيرة، أصبحت بورتوريكو تقاوم [15] شكلًا آخر من أشكال الاستعمار هو مجلس الرقابة المالي الذي فرضته الولايات المتحدة بهدف التحكم بالعديد من قرارات الحكومة.

إن سكان بورتوريكو واعون وملمون بشؤونهم وليسوا أطفالًا لا حول لهم ولا قوة أو في حاجة إلى الإنقاذ أو التقريع. ما نحتاجه في هذه اللحظة الحرجة من تاريخنا هو تغطية إعلامية تتحرى الدقة وتراعي السياق المحلي، أي أن ما نحتاجه هو صحافة تعامل بورتوريكو وشعبها باحترام وكرامة وإنسانية.