- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

بين جداري برلين وحلب تصعد الإمبراطوريات

التصنيفات: الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, سوريا, حروب ونزاعات, حكم, سياسة, صحافة المواطن, علاقات دولية, كوارث, لاجئون
Bombed out vehicles Aleppo during the Syrian civil war. Source Wikimedia Commons https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/5/59/Bombed_out_vehicles_Aleppo.jpg

سيارة محترقة في حلب نتيجة الحرب في سوريا. مصدر الصورة ويكيميديا كومنز [1]

لاتزال روسيا تحاول جاهدة السيطرة على مدينة حلب شمال سوريا. ففي نهاية شهر آب/أغسطس أعلنت روسيا عن إرسال 3000 مقاتل [2] من خارج الجيش الروسي للقتال في معركة حلب، كما انتهكت الهدنة المنعقدة مع أمريكا وعادت لقصف المدينة في سبيل الضغط على السكان وتدمير البنية التحتية للمدينة المحاصرة التي يسكنها [3] 250 ألف مدني تقريبًا.

لابد أن الروس ينظرون للسيطرة على حلب بأنها عملية صعبة للتحكم بمدينة خارجة عن سيطرة الحكومة السورية التي يدعمها الروس، خاصة مع إرسال الإيرانيين لأهم قادتهم العسكريين [4]من الحرس الثوري الإيراني ولواء أبو الفضل العباس مما يظهر مدى أهمية هذه المدينة.

من وجهة نظر الثورة السورية، يمكن تعريف حلب بأنها إحدى أكبر معاقل الثورة الواجب الدفاع عنها، لو سقطت حلب بيد روسيا والنظام السوري، لن يبقى من المدن الثائرة سوى إدلب التي يراها المجتمع الدولي مركز لجبهة فتح الشام [5] (تنظيم القاعدة سابقًا) وبالتالي فإن أي عملية عسكرية واسعة باتجاهها ستكون مبررة بحجة محاربة الإرهاب. لذلك فإن سقوط حلب هو بوابة سقوط الشمال السوري الثائر.

أما من وجهة نظر دولية، ماذا سيحدث بعد سقوط حلب؟

صرحت العديد من الدوائر السياسية الأمريكية أن سوريا ليست دولة استراتيجية [6] للوجود الأمريكي في المنطقة، ومع توتر العلاقات الخليجية الأمريكية وخاصة بعد قانون جاستا [7] الذي يتيح محاسبة السعودية على أحداث 11 أيلول/سبتمبر، تظهر أولى خطوات القطيعة العربية الأمريكية القادمة والتي يبدو أنها باتجاه ترك منطقة الشرق الأوسط مقابل تعزيز سياستها الداخلية وربما تعزيز وجودها في مناطق أخرى من العالم، يترافق ذلك مع تعزيز الوجود الروسي في منطقة الشرق الأوسط وجيرانه من خلال اتفاقيات عسكرية وسياسية بحيث باتت موسكو بوابة أي اتفاق مع تل أبيب [8]. كذلك تنبئ عودة العلاقات الروسية التركية بتغير السياسات المتبعة في دول الجوار التركي بعد سنين من التوتر منذ بدء ثورات الربيع العربي.

مع سيطرة روسيا على حلب ستكون قد أحكمت سيطرتها على أكثر المناطق السورية حساسية والتي كانت تحت حكم الثوار، وبعد ذلك ستبدأ بترسيخ حكم الأسد لسنين طوال.

ستتوجه بعد ذلك دول الخليج للتعامل مع النظام العالمي الجديد الحاكم بالمنطقة كون أغلب الحكومات الخليجية تسعى للحصول على اتفاقيات دولية واسعة مع اللاعب الدولي القوي بالمنطقة، وبعد أن تضمن إسرائيل أمن حدودها من خلال الروس فلن يعترضوا على الأسد أو وجوده في سوريا. ستمنح روسيا بعض المصالح المتبادلة للحكومة التركية في سبيل تخفيف الاحتقان نتيجة السيطرة على حلب حيث لم تبد تركيا أي تحفظ على القصف الروسي منذ بدء الحملة الشرسة. ربما تكون بفتح معابر تجارية مع تركيا وإزاحة الوجود الكردي العسكري من شمال سوريا وبالتالي إلغاء أسباب القلق التركي [9] من إقامة إقليم كردي يهدد الأمن الوطني التركي مثلما يحصل بجنوب شرق تركيا من حزب العمال الكردستاني ومن ثم البدء بمحاربة تنظيم داعش في الرقة ودير الزور. ومن الطبيعي القول أن العمليات العسكرية مع تواجد روسي تؤدي لوصول حكم الأسد إلى هذه المناطق بعد طرد داعش، وبالتالي نظام حاكم في معظم أراضي سوريا مدعوم دوليًا دون وجود اعتراض على وجوده.

ستسعى روسيا للبدء بنشاط تجاري عابر للحدود لتعويض الفاتورة الحربية التي دفعتها في سوريا، ومع علاقاتها الجديدة مع دول الخليج وتركيا فستبدأ مشاريعها في تشغيل أنابيب النفط والغاز [10] من الخليج عبر سوريا ثم تركيا ثم إلى أوروبا. هذه الأنابيب التي كان يعارضها النظام السوري قبل الثورة، الآن لن يقوى لقول كلمة “لا” بوجه الحكومة الروسية التي أبقته في الحكم، وسيكون المتحكم بأسعار النفط والغاز المصدر لأوروبا هو الامبراطور الروسي الجديد. الخاسر الأكبر هو أوروبا حيث يعتبر الغاز عمود اقتصادها [11].

فكما قام الاتحاد السوفييتي ببناء جدار برلين سابقاً عبر عملائه في اوربا متمثلين بحاكمية المانيا الشرقية ليحمي الاراضي التي يحتلها اثناء الحرب الباردة٫ يقوم اليوم القيصر الروسي حفيد انقاض الاتحاد السوفيتي ببناء سور امبراطوريته الجديدة على انقاض بلد تم تدميره بصمت دولي ليؤسس به لتغيير خريطة المنطقة ككل.

كل ذلك يتطلب من أوروبا وحلفائها التحرك السريع خارج سياق التحركات الأمريكية التي باتت الحليف الثالث للروس والإيرانيين، ربما يكون الجيش الأوروبي الموحد [12] الذي تسعى له ألمانيا مع فرنسا هو خطوة أولى وجب اختبار مدى فعاليتها وتنسيقها في سوريا، وفرض أمر واقع بظهور حلف قوي جديد على الساحة الدولية خارج المعسكرين الأمريكي والروسي اللذين انتهت صلاحيتهما. هذا كفيل بانتقال الحليف التركي، الساعي للدخول للاتحاد الأوروبي والمنزعج من السياسات الأمريكية وحلف الناتو، للبحث عن حلف جديد يمكنه من عرض عضلاته وقوته فيه.