أيّ مسيح يولد لنا؟

لوحة بيد روبيرت لينتز عنوانها "مسيح مارينول" ومعروفة أيضاً ك"يسوع اللاجئ"

لوحة بيد روبيرت لينتز عنوانها “مسيح مارينول” ومعروفة أيضاً ك”يسوع اللاجئ”. مصدر الصورة.

إنها أيام “مجيدة”، كما يفترض، يولد فيها المسيح، إله المحبة والعدل والسلام.

ولكن أي مسيح يولد في عالمنا اليوم؟

لو جاءنا اليوم مسيحاً كذاك، لاستوقفنا طويلاً الغطاء على رأس مريم، لأغلقنا أبوابنا بدورنا أمام الفقير القادم مع زوجته الحبلى. كانت بيوتنا هي التي قالت لا لولادة المسيح فيها وكنا نحن سبب الولادة في المغارة.

لو جاءنا اليوم مسيحاً كذاك، لاستوقفنا طويلاً مهنته، نجّار من الشرق الأوسط! هكذا فقط؟ دون امتيازات أو لغات حتى! ويود يا لسذاجته تغيير العالم!

لو جاءنا اليوم مسيحاً كذاك، لاتهمنا المجوس بالانحياز، ولاعتقل الرعاة قبل حتى أن يتمكنوا من نشر “البُشرى السارة”! كنتم ستتضامنون قليلاً أو لا ربما.

لو جاءنا المسيح هارباً من “هيرودس”، لصدقنا قصة هيرودس، أو لناقشنا وكتبنا، ماذا لو كان هيرودس على حق في قتل المسيح الطفل؟ ماذا لو كان المسيح سيكبر يوماً ما ليصبح تهديداً؟ أو ربما غيّبنا الفاعل وارتحنا لجملة من قبيل “إن الأمور معقدة” هناك.

لكننا محتفلون، أشجارنا أكبر، لدينا تماثيل أكبر وأكبر للعذراء نبكي أمامها ونتضرع  لعلها تغفر لنا كم تناسينا مريم القابعة على بعد أمتار منّا في مخيم ما.

لكننا محتلفون، زيناتنا تملأ الشوارع، أضواء باهرة علّها تنسينا أنه في عالمنا اليوم، تحول “السامري الصالح” إلى مؤسسة غير ربحية، مهووس بكتابة قصة نجاح عن الجريح الذي ساعده، والانتقال مباشرة إلى زيادة في عدد المستفيدين من الجرحى، لا وقت لدينا لإلقاء ابتسامة.

مسيحيون نحن، لكن لا مسيح نلتقيه في آخرٍ لا يشبهنا، أنيق المسيح الذي نرغب به، لا يحمل ثيابه في كيس أو يتجول في صندل ممزق، يرطن بإنكليزية جيدة، ويُفضَّل لو أنه يقدم قبل أن  يتحدث عن المحبة، صكوكاً في الدفاع عن النفس أمام تهمة الإرهاب.

مسيحيون نحن، لكننا خائفون من اليهود والمسلمين والعرب والأفغان وكل من هم ليسوا “نحن”، فالمحبة “انتقائية” وقائمة على الطبقة والانتماء لكن المسيح لسبب ما أغفل ذكر ذلك وتحدث عن محبة للجميع.

مسيحيون نحن، لكن لو أراد الرسل اليوم أن يعبروا إلينا لنقل الرسالة، لغرقوا في البحر أو لأطلقت النار عليهم على الحدود لأنهم مثيرون للريبة طبعاً.

أي مسيح يولد بيننا اليوم؟ وكل “إخوته الصغار” الذي يسألنا عنهم يوم الدينونة، محاصرون ويقتلون ويقبعون في المخيمات.

ونحن قد طمرنا “الوزنات” جميعها في بنك ما، كي نذهب يوما ًما في عطلة لمكان ما لنأخذ الكثير من الصور لنرفعها على وسائل التواصل لنخبر أصدقاءنا الذين لاوقت لدينا عادةً لمحبتهم، كم نحن سعداء.


أي مسيح يولد لنا، ونحن نودّ أن نتبع كلّ شيء إلّا النجم إلى المزود.

إن كانت الشجرة التي نضعها كل عام في بيوتنا، رمزاً لحياة جديدة، فأي حياة نرتجيها نحن الحزانى في موتنا اليومي.

أنا اللاجئة اليوم، لا مكان أستطيع أن أدعوه منزلاً بما يكفي لأحتفي به، لأنصب فيه الشجرة وأنتظر الهدايا وما هي إلا أيام كي لا يبقى لي حتى نقطة عودة.

لي شجرة عيد ميلاد أدخلتها تهريباً يوماً ما إلى حلب الشرقية، كانت رمزاً لدفاعي عن هويتي أمام داعش، مسلمٌ صديقي الذي ساعدني في تهريبها ويتعرض للقصف اليوم. مسلمون أصدقائي الذين ساعدوني في تزيينها ويتعرضون للحصار والتهديد بالإعدام الميداني.

لي شجرة عيد ميلاد، كنت أعتقد أنها نوع من البُشرى في قلب الدمار.. أصبحت اليوم ككل شيء هناك في سوريا رمزاً لمقبرة.

مؤلمٌ حتى امتلاكي القدرة على الأمل وكتابة الأمنيات للعام القادم، مؤلم أن يكون سقف أمنياتك الميلادية هو “تهجير قسري” للذين تؤمن بعدالة نضالهم.

من هم هناك في حلب، يناضلون لأجل الحرية والكرامة، هم “ملح الأرض”، وإن حوصر وقُصِف وقُتِل هؤلاء فبماذا نملح ؟

1 تعليق

شارك النقاش

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.