مركز الخليج لحقوق الإنسان هو منظمة مستقلة غير ربحية وغير حكومية تعمل على تقديم الدعم والحماية للمدافعين عن حقوق الإنسان في منطقة الخليج والدول المجاورة لها. كتب هذه المقالة المدير التنفيذي للمركز، خالد إبراهيم.
بينما تسعى الأسرة الحاكمة في دولة الإمارات العربية المتحدة للترويج لصورة مشرقة عن جهودها في بناء دولة مدنية تحترم الحقوق المدنية والإنسانية لمواطنيها على الصعيد الدولي، يبدو الواقع أكثر قتامة لعدد متزايد من المدافعين على حقوق الانسان من النشطاء والأكاديميين.
إن أبلغ مثال عن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي ترتكبها السلطات، هي قضية مجموعة “الإمارات 94″، التي تضم عدداً من مدافعي حقوق الإنسان والناشطين السياسيين ورجال الأعمال والطلبة والمدونين والكوادر التعليمية وغيرهم، حيث تم اعتقالهم جميعًا و تعرضوا لسوء المعاملة وواجه معظمهم التعذيب، لمطالبتهم بإصلاحات ديمقراطية.
بدأت محاكمة معتقلي مجموعة الإمارات 94 بتاريخ 4 مارس/آذار 2013، أمام دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا، حيث تم اتهامهم بإنشاء تنظيم يهدف إلى قلب نظام الحكم، التهمة التي أنكرها جميعهم. في حين تم القبول باعترافاتهم المنزوعة بالقوة واعتبرتها المحكمة أدلة كافية بالرغم من اعتراض المتهمين وتصريحهم عن التعذيب الذي مورس ضدهم من أجل انتزاع تلك الاعترافات من قبل جهاز أمن الدولة.
بتاريخ 2 يوليو/تموز 2013، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا أحكامها ضد مجموعة الإمارات 94، حيث حكمت على 56 شخصًا من بينهم المحاميَن الحقوقيَن البارزيَن، محمد الركن ومحمد المنصوري، بالسجن عشر سنوات. وحكم على ثمانية آخرين غيابيًا بالسجن 15 عاماً، وعلى خمسة مدعى عليهم بالسجن سبع سنوات. تميزت هذه المحاكمة بخروقات متكررة وجسيمة للمعايير المتعارف عليها للمحاكمة العادلة والإجراءات القانونية، حسب لجنة الحقوقيين الدولية ومنظمات حقوقية أخرى. ولم يعط للمتهمين الحق في استئناف هذه الأحكام الجائرة.
مع مرور الوقت، تطورت القضية لتؤثر سلبًا على أولئك الذين أعربوا عن تضامنهم مع المتهمين.
في مثل هذه الأجواء، كان المدون الشاب أسامة النجار الذي كان يبلغ من العمر 25 سنة، يكتب تغريداته دفاعًا عن المعتقلين من مجموعة الإمارات 94 ومن بينهم والده، الكادر التربوي البارز وسجين الرأي، حسين النجار،الذي تم الحكم عليه بالسجن عشر سنوات.
وعندما خاطب حاكم الشارقة أسر المعتقلين من مجموعة الإمارات 94 عبر راديو الشارقة بقوله “ينبغي عليكم عدم تعبئة أبنائكم بكراهية بلدهم” رد عليه أسامة النجار على تويتر:
نحن يا صاحب السمو الدكتور، لا نحقد على أوطاننا
ولا ننسى ظلم ظُلمناه ولو نسته أمهاتنا
لأبي في أعناق من ظلمه ٢٠ شهراً من السجن والتضييق
— أسامة بن حسين النجار (@O_Hussain_) March 16, 2014
في اليوم التالي الموافق لتاريخ 17 مارس/آذار 2014، وبسبب هذه التغريدة وغيرها، ألقي القبض على أسامة النجار من قبل عشرة ضباط من أمن الدولة الذين داهموا منزله. واُحتجز في مكانٍ غير معلن عنه لمدة أربعة أيام دون أي تواصل مع أسرته أو محامٍ. تعرض أسامة خلال هذه الفترة للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة: تم لكمه في وجهه، وتم ضربه بكابل على جسده حتى بدأ ينزف من جرح في ساقه، بسبب عملية جراحية أجراها قبل يوم من اعتقاله.
تم تقديمه لغرفة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا في أبو ظبي بتاريخ 23 سبتمبر/أيلول 2014 واتُهم بارتكاب جرائم من بينها، “التحريض على الكراهية ضد الدولة ومخالفتها” و “نشر الأكاذيب” عن والده حسين النجار. إن هذه التهم تتعلق بتغريدات نشرها أسامة النجار على تويتر، أعرب فيها عن قلقه إزاء سوء معاملة والده في السجن ودعى للإفراج عنه.
في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وبعد محاكمة غير عادلة، حُكم على أسامة النجار بالسجن لمدة ثلاث سنوات وغرامة قدرها 500 ألف درهم إماراتي (حوالي 136 ألف دولار أمريكي)، وحُرم من حقه في استئناف الحكم. ووفقًا للمادة 44 من القانون الإتحادي رقم 43 الخاص بالمنشآت العقابية للإمارات العربية المتحدة كان يجب الإفراج عنه في أغسطس/آب 2016، بعد قضائه ثلاثة أرباع مدة عقوبته، فقط في حالة دفع أسرته للغرامة التي قدرها 500 ألف درهم، الأمر الذي لم تقدر عليه.
في يناير/كانون الثاني 2017، تم نقل النجار من سجن الوثبة إلى سجن الرازين، وهو سجن شديد الحراسة وسط صحراء أبو ظبي حيث يُحتجز فيه العشرات من النشطاء.
لا يزال أسامة النجار في في السجن في الإمارات العربية المتحدة، على الرغم أنه كان من المفترض الإفراج عنه في 17 مارس/آذار 2017 بعد أن قضى عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات. رغم انقضاء فترة عقوبته، قررت دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا تمديد فترة احتجازه بناءً على الطلب المقدم من قبل النيابة العامة التي تزعم أنه “يمثل تهديدًا”. ولم تحدد السلطات مدة هذا الاحتجاز التعسفي وغير القانوني والذي يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق النجار الأساسية.
بإبقاء أسامة النجار في السجن بعد انتهاء مدة عقوبته، فإن السلطات الإماراتية تتصرف على نحو يتنافى مع القانون الدولي، وكذلك قوانين دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال إبقاء الأفراد الذين قضوا فترة عقوبتهم في السجن بعد التاريخ الذي كان يفترض فيه الإفراج عنهم. يبدو أن السلطات تستخدم ذريعة الأمن القومي من خلال تصنيف المدافعين عن حقوق الإنسان وناشطي الإنترنت بأنهم “يمثلون تهديدًا” للدولة من أجل إبقائهم في السجن.