فازت القاهرة بجائزة أجمل مدن العالم في عام 1925، وكانت وقتها أرقى مدينة في العالم، لدرجة أنه عندما كان يتم تجميل مدينتي لندن أو باريس، كانوا يفتخرون برقيها ونظافتها كالقاهرة.
بعد مرور 100 عام تقريبًا، تحتل القاهرة المرتبة الأولى لأخطر مدينة على النساء، في استطلاع الراي التي أجرته مؤسسة تومسون رويترز في تسعة عشر مدينة من أكبر مدن العالم، وفقًا لتصنيف الأمم المتحدة. أجُري الاستطلاع عبر الإنترنت والهاتف بين 1 يونيو/حزيران و28 يوليو/تموز 2017، عن طريق التواصل مع خبراء يركزون على قضايا المرأة بينهم أكاديميون يعملون في المنظمات الغير حكومية ومهتمون بشؤون الرعاية الصحية. جاءت لندن في المرتبة الأولى للنساء.
شمل استطلاع الراي أربع محاور للبحث:
-
العنف الجنسي
جاءت القاهرة في المركز الثالث كأخطر مدينة على النساء من حيث العنف والتحرش الجنسي، فيما حلت كل من ساو باولو ونيو دلهي في المركز الأول. يعد التحرش الجنسي والعنف ضد النساء ظاهرة منتشرة في المجتمع المصري، تجاوزت هذه الظاهرة النساء حيث نجدها تهدد الأطفال في المدارس والأماكن العامة. قضت هذه الظاهرة على حق النساء في التجوال بحرية وأيضًا ممارسة حقوقهن في ارتداء الملابس التي يرغبن بارتدائها.
عدلت الحكومة المصرية سنة 2014 قانون التحرش كمحاولة لعلاج الظاهرة المنتشرة. حيث نص التعديل “يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأي وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية”.
كما أنشأت وزارة الداخلية المصرية منصب جديد لمناهضة العنف ضد النساء. وعلى الرغم من كل هذه المحاولات إلا أن هذه الظاهرة تزداد يوم بعد يوم لوجود من يدافع عنها بطريق غير مباشرة منها الدفاع عن المتحرش باتهامهم النساء بأنهن السبب لارتدائهن ملابس غير مناسبة أو عند انتقاض تصرفاتهن وضحكاتهن في الأماكن العامة. دعت العميد ناهد صلاح النساء، في المنصب الجديد لمناهضة العنف ضد النساء، إلى تفادي الحديث أو الضحك بصوت مرتفع في الأماكن العامة، وأن ينتبهن لملابسهن لتفادي التحرش في الشوارع.
وبطبيعة الحال تجد الكثير من النساء فشل هذه الطريقة في حل المشكلة، فمن ناحية من حق كل إنسان أن يرتدي ويفعل ما يشاء، ويرون أن هذا إدعاء كاذب لأن كل النساء تتعرضن للتحرش الجنسي اللفظي منه والجسدي مهما كانت طبيعة ملابسهن، عباءة أو سروال، محجبة أو دون حجاب.
لم يقترب القانون ولا وسائل الإعلام ولا إي جهاز في الدولة من حل هذه المشكلة، فنجد المصريين يتعاملون كواقع لن يتغير، حتى أنهم أصبحوا يعرفون أماكن وأوقات ونوع التحرش، لفظيًا كان أم جسديًا، في الميادين المزدحمة والحدائق والمواصلات العامة. أما بالنسبة للتوقيت فنجده خلال أيام العطلات والأعياد والمناسبات، وتختلف طبيعة التحرش حسب المكان حيث يكون تحرش لفظي في الأماكن التي تعد من المناطق الراقية، أما في الأماكن المزدحمة العشوائية فنجد التحرش لفظي وجسدي.
جاءت محاولات المجتمع المدني لمواجهة هذه الظاهرة من خلال تشجيع النساء للجوء للقانون ورفع دعوى ضد المتحرش، وبدأت الكثير من النسوة اللجوء لهذا الأمر بغض النظر عن عواقبه لأنهن كن يواجهن مشاكل عديدة عند قيامهن بذلك. مشاكل داخل أسرتهن، وخوفهم من تربص المتحرش بهم بعد ذلك، كما حدث بالفعل مع فتاة انتشرت قصتها على مواقع التواصل الاجتماعي وعُرفت باسم فتاة المول، حيث قامت بإبلاغ عن واقعة التحرش بها وبعد ذلك تتبعها المتهم مرة أخرى بسلاح أبيض وقام بضربها في وجهها مما أحدث قطع في الوجه وتشوه.
#العنف_ضد_المرأة #التحرش_الجنسي
بعد الاعتداء على #فتاة_المول مجددًا: منظمات وأحزاب تطالب بحماية خصوصية #الناجياتhttps://t.co/Peh5sbvt6o pic.twitter.com/tJQiDhKMAc— ولها وجوه أخرى (@wlahawogohokhra) October 19, 2017
انتشرت عدة أوسمة على مواقع التواصل الاجتماعي لتشجيع النساء على سرد قصص كفاحهن لمواجهة المتحرشين من بينها: #أول_محاولة_تحرش_كان_عمري، #بنات_قاومت_التحرش، #أنا_أيضا، #شفت_تحرش، #أنا_كمان
بتمنى #أنا_كمان#me_too يقدروا يغيروا حاجه ولو بسيطه، ومشاركه البنات لقصصها مع بعض تساعدهم إنهم يبقوا أقوى ومايسكتوش عن حقهم تاني..
— o_Omnia.! (@Omnia_Shaaban) October 19, 2017
-
الحصول على الرعاية الصحية
تقاسمت القاهرة المرتبة الثالثة مع مدينة كراتشي الباكستانية من حيث درجة السوء في حصول النساء على الرعاية الصحية. من المتعارف عليه أن مصر تعاني من مشاكل عديدة في النظام الصحي. لا يوجد نظام صحي آمن متعارف عليه للنساء ولا حتى للرجال حيث نجدها من أكثر الدول التي لها مرضى بأمراض مزمنة.
سجلت مصر أعلى معدل لانتشار الالتهاب الكبدي الوبائي في العالم فيروس “سي”، حيث يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من المصريين من الأصابة المزمنة بالمرض، أي ما يقرب من تسعة ملايين شخص.
كما سجلت مصر أعلى نسبة وفيات لمرضى الفشل الكلوي حيث إن 25% من المرضى يموتون سنويًا، إضافة إلى ما يزيد عن 8 ملايين مصاب بمرض السكري.
#مصر_الاولي_عالميا_في
فيرس سي
السرطان
التهاب الكبد الوبائي
الفشل الكلوي
أقول تاني ولا كفايه؟— ☥ رانِيا ⚖ (@RaniaPunk) March 19, 2017
-
ممارسات ثقافية سلبية
احتلت القاهرة المركز الأول والأسوء بين 19 مدينة من حيث العادات الثقافية السيئة. فالمرأة في القاهرة ليست محمية من الممارسات الضارة مثل الختان والزواج المبكر أو القسري والإجهاض بسبب جنس الجنين. تعاني حوالي 7 مليون و888 ألف امرأة من العنف بجميع أشكاله سنويًا سواء كان على يد الزوج أو الخطيب أو من الدوائر المقربة لهن أو الغرباء في الأماكن العامة، حيث نجد 17% منهن يتعرضن للعنف البدني، و2% للعنف الجنسي.
كما تشهد مصر ارتفاعًا كبيرًا في معدل الطلاق الأعلى عالميًا حسب مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري. توضح الإحصائيات الرسمية أن هناك حالة طلاق واحدة كل 4 دقائق، وأن مجمل حالات الطلاق على مستوى اليوم الواحد تتجاوز 250 حالة. ويرجع خبراء علم النفس أسباب هذه الظاهرة إلى القيم والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع المصري، وإلى تأثير الزواج المبكر المنتشر في مصر.
-
الأوضاع الاقتصادية
احتلت القاهرة المرتبة الثالثة من حيث إمكانية المرأة الحصول على حقوقها الاقتصادية مثل التعليم أو ملكية الأراضي والخدمات المالية والحسابات المصرفية.
تنتشر البطالة في مصر بصورة كبيرة بين الرجال والنساء بمختلف طوائف المجتمع، ومع ذلك نجد انتشار معدلات المرأة المعيلة لأسرتها، لأسباب متعددة أما لعدم وجود رجل في الأسرة أو وجود رجل معتمد عليها. تصل نسبة المرأة المعيلة بالنسبة لعدد السكان حوالي 34%، وتعاني من ارتفاع مستمر في الأسعار مع عدم وجود أي ضمانات صحية أو اجتماعية، ونجدها مرغمة على العمل في مهن يدوية تخص الرجال.
اعترضت الجهات الرسمية المختلفة على هذا الاستفتاء وشككت في مصداقيته. أصدر المجلس القومي للمرأة بيان شديد اللهجة حول تصنيف القاهرة كأكثر المدن خطورة على النساء، أوضح التقرير أن الاستفتاء تم بطريقة غير علمية حيث جاء تعليق المجلس:
” المنهجية المستخدمة في المسح قائمة على قياس الاتجاهات ووجهات نظر المستجيبين، ويتطلب قياس الاتجاهات استخدام عينة مناسبة سواء من ناحية التصميم أو الحجم. ويعتبر اختيار عينة عمدية تتكون من 15 إلى 20 فرد في كل مدينة طريقة غير مناسبة لتصنيف المدن”.
أشار المجلس إلى أن طريقة نشر نتائج الاستطلاع تفتقر للشفافية:
” لم تتمتع عملية نشر نتائج المسح بالشفافية الكافية حيث أن القارئ ليس لديه القدرة على الحصول على النتائج بشكل كامل، أو على ملف البيانات الأولية على الرغم من أنه تم الانتهاء من جمع البيانات منذ أكثر من 10 أسابيع- منذ 28 يوليو إلى إعلان النتائج في 17 أكتوبر”.
ما بين استنكار مؤسسات الدولة ونتائج استطلاع الراي، فنجد الواقع الملموس هو معاناة النساء في مصر في كل جوانب الحياة. لا تهتم المرأة المصرية إذا كانت نسب التقرير صحيحة أو مبالغ فيها، تأمل المرأة في مصر عيش حياة أفضل وحل المشكلات الجذرية التي يتغاضى عنها المسئولين بحجة تحسين صورة مصر أمام العالم.