خفايا الازدهار المفاجئ للأدب الصيني على الإنترنت

صورة من موقع بيكساباي. متاحة للمشاركة العامة.

يتفجّر سوق الكتاب الإلكتروني انتشارًا في الصين؛ ففي شهر حزيران/يونيو 2017 ووفقًا للتقديرات الرسمية، استخدم حوالي 90 في المئة من 353 مليون قارئ هواتفهم النقالة للدخول إلى موقع الأدب على الإنترنت. يمكن للكُتاب الجدد وبفضل شعبية هذا الموقع تقديم عملهم إلى شريحة متزايدة من الجمهور، أما بالنسبة لبعض الكُتاب والقراء، فأسلوب النشر الجديد هذا له آثار جانبية غير متوقعة وسلبية.

الارتفاع المفاجئ في سعر أدب الصين China Literature، أهم منصة للأدب على الإنترنت في الصين وإحدى الشركات التابعة لشركة الاتصالات العملاقة تينسنت، هو أحد المؤشرات الرئيسية لتضخّم عدد القُراء على الإنترنت. فقد ارتفع سعر سهم الشركة في بورصة هونغ كونغ بسرعة كبيرة جدًا بعد طرحه على العامة لأول مرة في تشرين الثاني/نوفمبر2017.

تسيطر الشركة على حوالي 70 في المئة من سوق الأدب على الإنترنت في الصين بامتلاكها 9.6 مليون عنوان — أغلبها خيالية أو تتناول صراعات القصور ونهب المقابر أو المؤامرات أو رومانسية —  رَفعها على الإنترنت 6.4 مليون كاتب بمعدل 192 مليون قارئ شهريًا.

لا تأتي أرباحها من مدفوعات القراء فقط إنما تحصل عليها أيضًا من حقوق نشر الأعمال الأكثر شعبية على الموقع، مثل “أسطورة تشن هوان” و” سر سارق القبر” و “رحلة زهرة” والتي تحولت فيما بعد إلى مسلسلات تلفزيونية.

تُؤكد الشركة أن سوق الأدب على الإنترنت في الصين أصبح أحد مصادر الدخل الثقافية الأربع الأكثر أهمية  في العالم بعد أفلام هوليوود والرسوم اليابانية  والمسلسلات التلفزيونية الكورية. هذا الكلام يجعل من الأدب على الإنترنت مشروعًا وطنيًا يعكس مدى قوة الصين التجارية.

جنون الملكية الفكرية

في الصين، يمكن أن تباع حقوق الملكية الفكرية لإحدى الروايات التي تحظى بشعبية على الإنترنت بملايين اليوانات، فعند تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني أو فيلم تضمن شريحة محبي الخيال الكبيرة لها الشهرة. وفي الحقيقة فقد هيمنت حركة تحويل الروايات المُحمَّلة على الإنترنت إلى مسلسلات على أسواق التلفزيون والفيديو في السنوات الأخيرة على نحو متزايد في الصين.

وهكذا، أصبحت رواية “رحلة زهرة” التي تمزج الخيال بالفنون الحربية المنشورة على موقع جينجيانغ ونكسو للأدب عام 2009 أحد الأعمال الأكثر شعبية في البلد ومن ثم نُشرت في كتاب “تقليدي”. تروي القصة حكاية إله وإلهة يُقدّر لهما قتل بعضهما البعض إلا أنهما يقعان في الحب في العالم الآخر. وقد حصلت الرواية على امتياز يتضمن تحويلها إلى لعبة فيديو وفيلم ومسلسل تلفزيوني. وكانت أول عمل درامي خيالي في الصين تتجاوز نسبة مشاهدته 20 مليار مشاهدة على شبكة الإنترنت.

هل يستغل أسلوب النشر هذا الكُتّاب؟

يُلزَم الكُتاب ذوو الشعبية الذين يطلقون أعمالهم على منصة الأدب الصينية بتوقيع عقود مع الشركة تسخّر ملكية الحقوق الإبداعية لصالحها، وتتضمن مجموعة من قواعد “الرقابة الذاتية ” كمبادئ توجيهية يجب على الكُتَّاب اتباعها.

يُدفعَ للكُتاب مقابل عدد الكلمات من خلال نظام هرمي استغلالي للغاية حيث تتعلق النسبة المئوية المخصصة للكاتب بمدى شعبيته. في عام 2016 دفع موقع China Literature حوالي مليار يوان (أي ما يعادل مئة وثلاثين مليون يورو) لـ 5.3 مليون من كُتابِه، إلا أن مئة منهم فقط قد حصلوا على أكثر من مليون يوان؛ وبقي متوسط الأجر أقل من 200 يوان (25 يورو).

في الوقت ذاته، لا يخدم نظام الدفع هذا جودة العمل لأن الكُتاب يميلون إلى إنتاج كمية كبيرة من الكلمات من أجل زيادة دخلهم، بالتالي، فإن رواية نموذجية على الإنترنت تحتوي على حوالي مليون حرف صيني أو أكثر. وقد نشر مؤلفو الأدب الصيني في عام 2016 ما يقارب  41.4 مليار كلمة.

كلّ ذلك يجعل من الكتابة عملية تفاعلية تضع الكاتب تحت ضغط آراء القُراء وتُمليها على العملية الإبداعية. ولجذب القرّاء، يجب على العديد من الكتاب إقحام حبكات غريبة وإنتاج بضعة آلاف من الكلمات يوميًا خوفًا من توقف المشتركين عن متابعتهم. ويعلّق البعض نشر أعمالهم لأنهم غير قادرين على مواصلة اتباع الحبكات التي بدأوها أو لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل الضغط.

وأعرب أحد المؤلفين عن قلقه على تويتر:

باعتباري كاتب بموقع الأدب على الإنترنت، أنا لست قادرًا على مجاراة الآخرين؛ فهم يمكنهم كتابة ما يصل إلى عشرة آلاف أو حتى عشرين ألف كلمة يوميًا في حين أنني لا أستطيع كتابة أكثر من أربعة أو خمسة آلاف كلمة فقط.  فكيف أعاقب نفسي؟

وقد لخص تحقيق أجرته هو رن نت على أفضل 85 كاتب على شبكة الإنترنت عددًا من الميزات التي يبدو أن هؤلاء الكُتاب يتشاركونها:

  1.  متوسط  أعمارهم 37 عامًا؛
  2. أصغر كاتب بين أفضل خمسين كاتبًا منهم يبلغ من العمر 26 عامًا فقط ؛
  3.  65 %  من أفضل 85 كاتبًا ذكور و35 % منهم إناث؛
  4. بحساب المتوسط، ينتج كل كاتب خمسة آلاف كلمة يوميًا، هذا الرقم يمكن أن يصل إلى حوالي عشرين ألف كلمة في اليوم الواحد ويقضي معظمهم أكثر من ثماني ساعات بالكتابة.

يوضح  مستخدم توتير @Yolanda_23333 ، وهو أيضًا كاتب أدب على الإنترنت أن الوضع الاحتكاري يضر بالأدب نفسه:

مجال الأدب على الإنترنت الآن احتكاري للغاية، وكل شيء أصبح صعبًا؛ فالأعمال متكررة، وهناك العديد من السرقات الأدبية، ناهيك عن المشاكل التي لا تنفك تحدث. لا أعرف إلى متى أستطيع متابعة (عملي) لكنني سأفعل ما بوسعي لأكتب على نحوٍ أفضل ولأتجنب كل المحرمات. قررت اليوم حذف نصي “على وشك المغادرة” وإعادة كتابته بتوسعٍ أكثر،  فقد أضفت الكثير من الحبكات الثانوية لإثراء النص الأصلي ولست متأكدة إن كان القُراء سيتقبلون هذه التغييرات فأنا أتبع قلبي فحسب.

كما أن احتكار الأدب على الإنترنت يحد من اختيار القُراء، وقد اشتكى أحدهم من ذلك على موقع ويبو:

刚刚试图看哈《霍乱时期的爱情》,换了七八个小说阅读器搜了半天都没搜到,很失望,现在的小说阅读器充斥着网络文学,垃圾文学。没有多少能够滋润人们心灵的经典文学,失望,失望,好失望 ​

حاولت أن أجد رواية الحب في زمن الكوليرا. بحثت في سبعة أو ثمانية تطبيقات للقراءة ولكنني لم أستطع العثور عليها، وأصبت بخيبة أمل حقيقية. تنتشر تطبيقات قراءة الروايات حاليًا على الإنترنت بكثرة إلا أنها من نوعية الأدب السيء، فلا تجد هناك أي رواية كلاسيكية يمكن أن تثري عقول الناس وهذا مخيب للآمال فعلاً.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.