“إيبريتا” أول فيلم دراما مغربيّ عن آثار الغازات السامة بالريف

بوستر لفيلم “ابيريتا”

يبدأ الفيلم بمشهد جنائزي في قرية تقع في الشمال الشرقي للريف، نواحي مدينة الناظور بالمغرب. وفاة أخرى تُضاف إلى ضحايا السرطان بالمنطقة، بعد تفشي المرض بهذه القرية ”ايت سعيد”.  فيلم إيبريتا لمخرجه وكاتبه، محمد بوزكو، يحكي عن قرية بالريف المغربي في فترة السبعينيات من القرن الماضي، وتحديداً في سنة 1983، أي بعد ستة عقود من حرب الريف، وهي الحرب التي قصفت فيها إسبانيا منطقة الريف بشمال المغرب بالغازات السامة.

يصور الفيلم الذي عُنون باسم أحد أنواع الغازات السامة التي تم استعمالها في القصف EPIRITA   كيف أن الأرض والإنسان عانيا من مخلفات تلك الغازات. الأرض صارت قاحلة وغير صالحة للزراعة والإنسان أخذ يموت ببطء بسبب مرض السرطان.

فكرة الفيلم انطلقت كما يخبرنا المخرج والسيناريست محمد بوزكو بعد حادثة حدثت في قريته، عندما كان أحد الفلاحين يعمل في أرضه فإذا بلغم ينفجر في وجهه ويتعرض الفلاح لبتر يده. ”الفكرة في البداية كانت من اقتراح صديقي الكاتب والمؤلف أحمد زاهد، حيث تبلورت فكرة صناعة فيلم يحكي بطريقة درامية، بيداغوجية قصة حياة أناس في قرية ريفية لحقتها آثار القصف بالغازات السامة، ويكون مبنياً على معطيات وأبحاث ودراسات تمت حول الموضوع”.

في الفيلم نشاهد كيف أن محاولات إعادة إحياء الأرض من أجل زراعتها تبوء بالفشل بعد أن حولتها بقايا آثار الغازات السامة إلى أرضٍ قاحلةٍ غير مؤهلةٍ للزراعة، ما جعل سكان القرية يعيشون الفراغ والمرض. إذ نشاهد في الفيلم معاناة فتاة مع والدها المشلول والمريض بالسرطان. يتوفى الوالد وتبدأ أعراض المرض تظهر على الفتاة، ويصادف بداية مرضها قدوم أحد الجنود الإسبان الذي أنقذته إحدى نساء القرية عندما أمدته بقناعه الذي أوقعه عندما سقط مصاباً، أثناء  قصف الطائرات الإسبانية بالغازات السامة. الجندي الإسباني عاد إلى القرية ليقضي أيامه الأخيرة في محاولة للتصالح مع ماضيه هناك، فكان نزوله في بيت الفتاة المريضة تيموش كإعادة إحياء لذاكرته التي لم تتخلص بعد من كوابيس تلك الحرب التي خاضها الجنود واستفادت منها الدولة الإسبانية. تظل تيموش تعاني حتى يومها الأخير ليقرر الجندي الاسباني بعد وفاتها تنظيم ندوة حول آثار الغازات السامة بمساعدة باحث في قضية الغازات السامة ومعلم القرية وذلك في وقتٍ كانت فيه الدولة المغربية تتجاهل فتح أي حديث عن هذا الموضوع. ينتهي الفيلم بمشهد انفجار لغم وهو المشهد الذي ألهم فكرة الفيلم، ليترك النهاية مفتوحة على عدة نهايات منتظرة.

يقول الكاتب:


أردناه فيلماً بيداغوجياً، يشرح العلاقة بين آثار الغازات السامة وتفشي مرض السرطان بالريف تحديداً. رغم غياب إحصائيات دقيقة تقارن بين عدد الإصابات بمرض السرطان بمنطقة الريف ومناطق أخرى من المغرب إلا أنه يكفي معرفة أنه لا تخلو أسرة في الريف من مريضٍ واحدٍ بالسرطان على الأقل.

لكن الفيلم لم يلق حقه من الاهتمام الذي يجب أن يلقاه فيلم يعرض هذا الجانب من التاريخ المشترك للمغرب وإسبانيا. إذ أنه لم ينل فرصته للعرض في القاعات السينمائية المغربية، لاستعراضه بشكل غير مباشر الجانب الحساس من تاريخ المملكتين المغربية والإسبانية. يقول المخرج وكاتب الفيلم:


تلقينا عروضاً لعرض الفيلم بمهرجانات خارج المغرب في أوروبا، وأعتقد أن الفيلم إذا عُرض بالخارج سيؤدي جزءاً من الدور الذي أريد له، و ربما قد يشجع على عرضه داخل المغرب’.

ويضيف:

هذا العمل لن يؤدي دوره الذي صنع من أجله إلا إذا تشاركت مختلف الأطراف لإيصاله والتعريف به، وهو تعريفٌ بماذا خلّف القصف بالأسلحة الكيماوية المحظورة دولياً التي استعملتها إسبانيا في حربها على الريف، إذن فهو فرصة جاهزة للمجتمع المدني الذي يعمل في هذا المجال، من أجل رد الاعتبار للمنطقة وأبنائها الذين عانوا ومازالوا يعانون من تبعات تلك الحرب.

جديرٌ بالذكر أن هذه الغازات التي تم استعمالها في حرب الريف، تصنف وفق المواثيق والمعاهدات الدولية، كأسلحة دمار شامل محظورة دولياً، وفقاً لاتفاقية لاهاي 1899، 1907 ، 1954، اتفاقية جنيف 1864، بروتوكول جنيف 1925 و1926، اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية 1972، اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية 1973.

ويقول الخبير في الشأن العسكري، سليم بلمزيان، أنه في العام 1921 وقعت إسبانيا اتفاقاً مع ألمانيا، للتعاون من أجل تصنيع أسلحة كيماوية وعدة قذائف وقنابل جوية مصنعة بمواد قاتلة، مثل الفوسجين، وكلوروبيكرين، وديفوسجين في مصنع بالعاصمة الإسبانية مدريد، رغم أن ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى وقعت على اتفاقية فرساي التي تحظر من استخدام هذا النوع من الأسلحة أو تصديرها.

لأن موضوع الغازات السامة المستعملة في حرب الريف موضوع يحتاج إلى وضعه أمام أعين المسؤولين سواء من الجانب المغربي أو من الجانب الإسباني، وهذا ما حاول فيلم ‘ايبريتا’ القيام به من أجل إثارة الانتباه إلى تبعات تلك الحرب المستمرة إلى حد الآن على منطقة الريف، حيث يعتبر مرض السرطان الناتج عن القاء تلك الغازات السامة المسبب الأول في الوفيات بالمنطقة. وعليه يبقى انتظار إقدام الدولة المغربية على  إجبار الدولة الإسبانية على تقديم اعتذار على ما تسببت فيه بالريف جبراً للضرر النفسي للضحايا معلقاً.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.