أغرق الصراع السوري البلاد في دوامة من الموت والدمار وخلق أزمة إنسانية قلّ أن شهدت الإنسانية مثلها عبر التاريخ، وكانت مروعةً لدرجةٍ يصعب معها تخيل إمكانية ربط أي من معطياتها بالقيم الجمالية الفنية.
ومع ذلك فقد قامت الأطراف المتصارعة بالعمل على تسخير الفن وقيمه الجمالية لتمثيل معطيات الحرب، لدرجةٍ وصلت لحدود اللعب على الرومنسي، بهدف إيصال رسائل موجهة لخدمة أغراض البروباغندا الخاصة بهذه الأطراف. حيث وصلت حالة العَسْكَرَة إلى أنماط التعبير الفني التي لطالما عُرفت بأنها معاديةٌ للحرب والسلاح، وقد تظاهر هذا في فنونٍ مختلفةٍ كالتمثيل والرسم والموضة والموسيقا وغيرها، وأتى هذا التظاهر بشكلٍ وقحٍ لدى الأوساط المناصرة للنظام السوري بشكلٍ خاص.
فمنذ الأيام الأولى للثورة السورية قام النظام السوري بتمجيد حالة العَسْكَرَة وجعلها فكرة رومنسية عاطفية. فعلى مدخل محافظة اللاذقية الساحلية، مسقط رأس دكتاتور سوريا، تم وضع تمثال هائل لحذاء عسكري مُلئ بالزهور ليكون أول ما تقع عليه عينا الداخل إلى المحافظة. وقد انتشرت عدة أحذية عسكرية مشابهة في الأماكن التي يسيطر عليها النظام.
وقد حرصت أجهزة الإعلام الحكومية السورية على بث صورٍ من الدفق العاطفي الفائض نحو جيش النظام، حيث ظهرت شخصيات بارزة جنباً إلى جنب مع مواطنين عاديين يقومون جميعاً بتقبيل الحذاء العسكري بكل تبجيل كنوعٍ من أنواع الولاء والامتنان.
أما المسلسلات الدرامية والأفلام السورية فقد استفادت من المواقع “الجاهزة” للتصوير من أحياء وشوارع دمرها قصف النظام الذي سوى أحياءً كاملةً بالتراب، موفرةً بذلك من ميزانياتها لبناء مواقع تصوير مشابهة. ومن هذه الأفلام “مطر حمص” للمخرج جود سعيد، وفيلم نجدت أنزور “رجل الثورة“، والتي انتقدت لأنها تلمع صورة النظام وأفعاله.
ويرى الكثيرون بأن المشاهد في هذه الأفلام ترمي عرض الحائط بمشاعر سكان تلك الأحياء المدمرة الذين فقدوا أحباءهم أو منازلهم أو كليهما، كما تساهم في تأجيج المشاعر السلبية في بلدٍ مزقته حرب مدمِرة. ويتأكد هذا بشكل أكبر بسبب أن هذه الإنتاجات تميل إلى تبني سرديات النظام السوري التي تلوم الثوار بالكامل على دمار المدينة.
في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، قدمت مصممة الأزياء الموالية للنظام منال عجاج عرضاً مثيراً للجدل حين تموضعت على منصة العرض مع عارضي أزياء ألبستهم الزي العسكري السوري وذلك أثناء عرض أزياء في بيروت. قالت عجاج عن هذه الخطوة بأنها “تحية إلى الجيش السوري”.
وفي الشهر الماضي، قام بشار الأسد وزوجته أسماء بزيارة نفق حفره الثوار سابقاً (والذين صنفهم نظام الأسد على أنهم إرهابيون)، وذلك بعد أن استعاد النظام سيطرته على الغوطة الشرقية في نيسان/ أبريل الماضي.
وقد حولت مجموعة من الفنانين الموالين للأسد هذا النفق إلى “معرض فني”، بحسب وكالة الأخبار الرسمية السورية. وقد عبر بشار الأسد عن دعمه لتلك الأعمال الفنية قائلاً:
Destruction, darkness and death are the culture of terrorists, while construction, light, life and art are our own.
إن الدمار والظلام والموت هي ثقافة الإرهابيين، أما البناء والنور والحياة والفن فهي ثقافتنا.
بالإضافة إلى ذلك ظهر فيديو، تم تداوله بشكل كبير، لجندي سوري يرقص على ألحان أغنية دارجة وهو في طريقه إلى محافظة إدلب في شمال غربي سوريا لمقاتلة قوات المعارضة. وقد وصف موالو النظام هذا الفيديو بأنه يعكس المعنويات المرتفعة للجيش السوري قبل انخراطه في القتال للقضاء على آخر معقلٍ كبيرٍ للمعارضة؛ وهي معركة يخشى الكثيرون بأن تصبح حمام دم آخر يضاف إلى لائحة الاقتتال في سوريا.