السر وراء كوب شاي

صورة  للكاتبة. استخدمت بإذن.

هناك أشياء بدأت معنا أو نشأت طفولتنا معها ولم نستطع أن نمحيها من ذاكرتنا، ليس هذا فقط فبعضها أثرت فينا حتى أصبحنا نمارسها حتى الآن ونحن ناضجون.

بالنسبة لي فهناك الكثير من الأشياء التي أثرت بي منذ طفولتي ولازلت أمارسها حتى الآن. أحد هذه الأشياء هي شرب كوب من الشاي الحليب في المقاهي المفتوحة على الأرصفة والطرقات والتي اعتدت فعلها مع مع والدي في طفولتي حيث كنا نذهب غالبًا سويًا لشرب كوب من الشاي ونراقب حركة السير والناس؟

كانت أفضل لحظة بالنسبة لي خصوصًا على الهواء بين حركة السير مع والدي، أحيانًا كنت أترك كوب شاي الخاص بي ليبرد واذهب للدوران في الأسواق كنت أشعر نفسي كأني استكشف العالم بينما يبقى أبي يبقى بالانتظار وبعدها أعود لشرب الشاي ببطء لنعود إلى المنزل لطالما كنا نكرر ذلك وفي نفس المقهى الذي كان يبعد عن منزلنا القديم بضع خطوات بسيطة.

مرت السنوات وتغير كل شيء ولم يعد الوضع كما كان في السابق، فقد كبرت وأصبحت امرأة ولم يعد الذهاب إلى المقاهي مع والدي بتلك السهولة. لم يعد ذلك المقهى الذي كان يبعد من منزلنا القديم موجودًا وكذلك المجتمع اليمني غير المعتاد لرؤية النساء تجلس في المقاهي المفتوحة على الشوارع لتأكل أو لتشرب أمام الناس، بشكل عام يعد ذلك عيبًا، لهذا تجد أنه من النادر في اليمن أن ترى نساء في مقاهي مفتوحة على الشوارع والأرصفة. تلك الأماكن يملئها الرجال فقط.

أصبح من النادر أن نشرب أنا وأبي سويًا في المقاهي، لكن اعتاد أبي أن يشتري لي كوبًا ﻷخذه معي في الحافلة عندما اذهب للجامعة. ولكن المشكلة مستمرة، نظرات المجتمع المليئة بالعيب لا تتغير. برغم من عدم بقائي داخل المقهى مع والدي، ابقى فقط في الخارج بالقرب من المقهى بانتظار كوب الشاي إلا أن نظرات الناس المليئة بالاستغراب ونظرات العيب لا تتوقف، كيف لفتاة شابة أن تقف منتظرة بالقرب من مقهى يملئه الرجال؟؟؟؟

صورتي وأنا في المقهى. الصورة للكاتبة

في النهاية يحضر أبي لي كوب الشاي وقطعة خبز ﻷكلها اثناء سيري للجامعة ويودعني وبعدها اذهب للحافلة وأبقى أشرب الشاي مع قطعة الخبز هناك حتى أصل للجامعة. كنت أفكر كثيرًا لما لا أبقى مع والدي ﻷكل قطة الخبز تلك وشرب الشاي كما كنت طفلة، لكن المجتمع ونظراتة المريضة كانت حاجزًا أمام ذلك فقد فرض نفسه في حياتنا واصبحنا نمارس أشياء نحن لانريدها، أشياء جعلتنا أشخاص مزيفون ليست انفسنا الحقيقية أو ما نحن عليه…

ما تزال صورة حياتي كما كانت وأنا طفلة إلى الآن في تفكيري وروحي، لهذا لم أستطع أن أتغير. ظللت أمارس الكثير من الأشياء رغم أن الكثير في مجتمعي يراها أشياء طفولية أو لا يجب أن أمارسها الآن بعد أن كبرت وأصبحت فتاة شابة. لكنني أراها أشياء طبيعية، جزء من حياتي الطبيعية، جزء من شخصيتي أنا.

لهذا لم اتوقف عن الذهاب إلى المقاهي المفتوحة على الشوارع، صحيح ليس مع والدي كما كنت طفلة، لكن أعتدت الذهاب لوحدي واختيار بعض الأماكن التي أصبحت المفضلة لدي دائمًا، بعض هذه الأماكن كان يستغرب العاملون من دخولي إليها وجلوسي على الطاولة ﻷطلب، لكن العاملون كانوا يقومون بالخدمة وفي النهاية اعتادوا على وجودي غالباً وأصبح الأمر طبيعياً بالنسبة لهم كما كان الأمر بالنسبة لي طبيعياً منذ البداية.

أصبحت اقضي لحظاتي بسعادة في الهواء الطلق مع كوب الشاي اشاهد الناس وأراقب حركة السير كما كنت طفلة بينما الناس تبقى تشاهدني بطريقة سيئة وتهمس لبعضها البعض انظروا لتلك الفتاة انها غير لائقة او تصرفها غير لائق!!!! بينما أنا في عالمي الخاص أعيش لحظات السعادة والطفولة مع كل رشفة من كوب الشاي الساخن وسط الازدحام…

2 تعليقات

  • Ramadan

    تحية خاصة للكاتبة واگثر خصوصية لكوب الشاي بالحليب أحد اصدقائي المفضلين والمتميز بتحسين مزاجي ، انا من القاهرة وما ذكرتيه بالفعل كان يحدث هنا ولكن الوضع الان تغير رغم أن بعض الناس أو كثير منهم مازال عنده مشاكل عقليه ونفسيه من نوعية الأمراض الفكرية والعقائدية المتفشية وللاسف في عالمنا العربي منذ أجيال ، كلمات صادقة ومعبرة وجعلتني اعيش معاها لحظات بريئة جميلة سالمة وحالمة وطيبة ، شكرا لك ولكوب الشاي صديقي

شارك النقاش

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.