قفزت علاقة المملكة المتحدة مع حلفائها في الخليج إلى دائرة الضوء في الأشهر الأخيرة مع حكاية تجسس فريدة من نوعها وسط مشهد إعلامي بريطاني كانت تسيطر عليه أخبار خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، عاد الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز (31 سنة) إلى المملكة المتحدة بعد أن قضى سبعة أشهر في سجن الإمارات العربية المتحدة، معظمها في السجن الانفرادي، بتهم التجسس. وصلت قصة هيدجز، التي تلقت في البداية القليل من الاهتمام، إلى الصفحات الرئيسية بعد إعلان المملكة المتحدة عنها. أعلنت الإمارات العربية المتحدة وحليفة المملكة المتحدة أنها تتهم هيدجز بأنه جاسوس لجهاز الاستخبارات البريطاني في حين ينفي هيدجز وحكومة المملكة المتحدة هذا الاتهام.
استرعت قصة هيدجز الانتباه إلى تاريخ المملكة المتحدة الطويل والمعقّد من الإفلات من العقاب عندما يتعلق الأمر بمزاعم التعذيب التي يرتكبها حلفاؤها في دول الخليج، وتذكّرنا بشخصية “أمير التعذيب” في البحرين، الأمير ناصر بن حمد. لا يزال يتمتع الأمير بامتياز ومتعة السياحة في المملكة المتحدة على الرغم من الأدلة الواضحة على إساءة المعاملة الممارسة خلال انتفاضة البحرين عام 2011.
تعرض هيدجز لانتهاكات خلال فترة سجنه في الإمارات العربية المتحدة وعلى الرغم من أن ذلك فاجأ حكومة المملكة المتحدة ولكن كان من الغريب رد الحكومة الفاتر على تعذيبه – بالإضافة إلى السجن الانفرادي لمدة 23 ساعة كل يوم وتخدير هيدجز من قبل سجانيه – على الرغم من حقيقة أن الإمارات العربية المتحدة هي أحد حلفاء المملكة المتحدة الرئيسيين في منطقة الشرق الأوسط.
اتهمت زوجته دانييلا تيخادا، التي قضت فترة الأشهر السبعة بكاملها في حملة لإطلاق سراح زوجها، حكومة المملكة المتحدة بتجاهل طلباتها المستمرة للحصول على المساعدة.
وقد أظهر رد المملكة المتحدة على قصة هيدجز مثالاً آخر على التساهل الذي تعطيه المملكة المتحدة لحكومات دول الخليج العربية. ولا يستطيع الناشطون إلا أن يتذكروا كيف ولماذا لا يزال “أمير التعذيب” سيء السمعة في البحرين يتمتع بحريته خلال الزيارة.
“أمير التعذيب” في البحرين
قبل وقت طويل من تجاهل حكومة المملكة المتحدة تعذيب أحد مواطنيها على يد حليفها، واجهت تحديًا قانونيًا في الداخل لدورها في حماية عضو سيء السمعة في مملكة البحرين: ابن الملك، الأمير ناصر بن حمد.
سُمي “أمير التعذيب” من قبل المعارضين لمشاركته في تعذيب النشطاء الذين شاركوا في ثورة البحرين عام 2011، قال في أحد تغريداته: “لو كنت مسؤولًا، فسأبقيهم مدى الحياة [في السجن]”. كان بن حمد، البالغ من العمر 24 عامًا في بداية انتفاضة البحرين في عام 2011، من بين المسؤولين المطالبين بالقمع الوحشي للمحتجين في النظام الحاكم في البحرين.
بصفته رئيس اللجنة الأولمبية البحرينية، أنشأ بن حمد لجنة خاصة “لتحديد ومعاقبة أكثر من 150 من أعضاء المجتمع الرياضي” الذين شاركوا في الاحتجاجات في عام 2011، وحسب منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB). ودعى علانية إلى “جدار يسقط على رؤوس [المتظاهرين] … حتى لو كانوا رياضيين … البحرين جزيرة ولا يوجد مكان يفرون منه”.
بدلاً من مواجهة القضاء في البحرين، قام الملك بترقية الأمير الشاب لرتبة قائد الحرس الملكي البحريني في 19 يونيو/حزيران 2011.
تعود علاقة الأمير مع المملكة المتحدة إلى عام 2006 عندما تخرج من أكاديمية ساندهيرست العسكرية في البلاد وعمره 19 عامًا.
من #الأرشيف : دورات عسكرية لسمو الشيخ #ناصر_بن_حمد آل خليفة في بريطانيا وكندا – يوليو عام ٢٠٠٦#Canada || #UK pic.twitter.com/ttMJV9ocye
— H.H.Sh Nasser bin Hamad (@NBH_MO) April 2, 2018
بالنظر إلى هذا التاريخ المخضرم، ربما لم يعتقد “أمير التعذيب” أن زيارة المملكة المتحدة يمكن أن تؤدي به إلى مشاكل. ولكن بعد وقت قصير من قيامه بتعذيب المحتجين البحرينيين، قام متظاهر آخر، يُعرف فقط باسم “ف ف” بالوصول إلى المملكة المتحدة ونجح في طلب اللجوء.
مما يعني أن المملكة المتحدة قد اعترفت بمطالبات FF المشروعة، بما في ذلك مخاوف ف ف من الانتقام إذا اضطر إلى العودة إلى البحرين. وكتبت منظمة ADHRB أن “ف ف” “يزعم أن الشيخ ناصر كان متورطاً في التعذيب”.
إلا أنه بعد عام من ذلك، اختارت حكومة المملكة المتحدة منح “أمير التعذيب” الحصانة عندما دعى ف ف لاعتقاله خلال زيارته في يوليو/تموز 2012 لأولمبياد لندن بصفته رئيس اللجنة الأولمبية البحرينية. بدلاً من ذلك، شوهد بن حمد في قسم الشخصيات الهامة في أحد الملاعب في لندن في ذلك اليوم:
is it true alleged torturer nasser bin hamad is being allowed to go to olympics #london2012? #bahrain #uk
— Maryam Alkhawaja (@MARYAMALKHAWAJA) July 20, 2012
هل من الصحيح السماح للجلاد المزعوم ناصر بن حمد بالذهاب إلى دورة الألعاب الأولمبية في لندن؟
القصة لا تنتهي هناك. في أكتوبر/تشرين الأول 2014 قضت المحكمة العليا في لندن بأن بن حمد لم يكن بمنأى عن الملاحقة القضائية بشأن دعاوى التعذيب، مما أدى إلى إحياء الآمال بإمكانية القبض عليه.
وكما ذكرت صحيفة الغارديان، تم نقل الملف إلى فريق جرائم الحرب التابع لقيادة شرطة مكافحة الإرهاب. وأعلن الأخير بعد ذلك أنه “على أساس الملف المقدم إليه، فإن الشرطة لا تحقق في الأمر”.
جزء من السبب وراء قرار شرطة العاصمة عدم التحقيق كان ببساطة أن الشهود الرئيسيين ما زالوا في السجون البحرينية، وبالتالي لا يمكن إجراء مقابلات معهم. بالمناسبة، أدلى ممثلو بن حمد بحجة مماثلة، مزاعم ف ف “لم يتم فحصها في محكمة بريطانية وأنه لم تكن هناك أي إجراءات ضده.”
بعبارة أخرى، جادل محاميي بن حمد بأنه لايمكن فحص مزاعم ف ف في المحاكم البريطانية دون الاعتراف بأن السبب هو أن الشهود الرئيسيين لا يمكن أن يكونوا موجودين في أي محكمة أو يجيبون عن أي أسئلة من الشرطة البريطانية.
وهكذا بعد بضعة أشهر فقط، في مارس/آذار 2015، قام بن حمد بتحميل فيديو له وهو يركض عبر حديقة هايد بارك في لندن، مجددة دعوات اعتقاله. في الواقع، هو يسافر بانتظام إلى المملكة المتحدة منذ الاتهامات بما في ذلك الاستمتاع بعرض ويندسور الملكي السنوي للخيول مع الملكة إليزابيث الثانية ووالده ملك البحرين.
وقد جددت حالة الإفلات من العقاب هذه التساؤلات حول ما إذا كانت المملكة المتحدة تفي بالتزاماتها الدولية، لا سيما اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من المعاملة والمعاقبة القاسية واللإنسانية والمهينة لعام 1987، التي تنص على وجوب قيام الدول بتجريم التعذيب وملاحقة المسؤولين العموميين الدول الأخرى عند تواجودهم على أراضي الدولة”.
وقعت المملكة المتحدة على الاتفاقية في 15 مارس/آذار 1985 وصدقت عليها في 8 ديسمبر/كانون الأول 1988. عند التوقيع على اتفاقية مناهضة التعذيب، أضافت المملكة المتحدة أيضًا:
The United Kingdom reserves the right to formulate, upon ratifying the Convention, any reservations or interpretative declarations which it might consider necessary.
تحتفظ المملكة المتحدة بالحق في صياغة أي تحفظات أو تفسيرات قد تراها ضرورية عند التصديق على الاتفاقية.