- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

حول النزوح القسري

التصنيفات: أمريكا اللاتينية, الكاريبي, ترينيداد وتوباجو, فنزويلا, أفكار, الهجرة والنزوح, تاريخ, صحافة المواطن, علاقات دولية, الجسر
[1]

الصورة من تصوير إليزابيث ليز [2] في موقع Unsplash [3]. المجال العام

هذه نسخة معدلة من مقالة قصيرة، التي نشرتها على موقع فيسبوك الشاعرة شيفاني راملوشان من دولة ترينداد كرد فعل على استقبال المهاجرين الفنزويليين في ترينداد وتوباجو. 

لقد فكرت في البنى الجسدية والنفسية الجغرافية للنزوح. إن الأسباب واضحة ومباشرة، وهي تثير اهتمامي كل يوم خاصة في سياق ما قلته عن أزمة الهجرة الفنزويلية عالميًا، والرسالة التي لم أتمكن من إيصالها. أعترف بأنني أشعر بنوع من البلادة النابعة من الحزن نظراً للأخبار اليومية والمتكررة حول هذا الموضوع. لا يبدو أن مفردة كراهية الأجانب وحدها هي الكلمة الأكثر ملاءمة للوصف.

هناك فكرة هامشية متعلقة بهذا الموضوع: لو أنني قلت بأن شخصًا ما يكره الأجانب، فإنني سأفضل وضع أسباب رفض الأجانب بعين الاعتبار: ما الذي يسبب هذا الشعور؟ من بلد لآخر، ومن قرية لأخرى، ومن مواطن لآخر؟ إلى أي مدى ترجع أصول كراهية الأجانب في ترينداد حقًا في لغة الخطاب وفي تصرفات صدمة ما بعد الاستعمار، الواضحة في عقدة الاضطهاد المصاحبة لها، وفي إحساس عدم الثقة بالذات وفي شعور الحيرة بأنه بعدما عملنا بجد استنادًا إلى تراث أسلافنا صرنا نتساءل ما هي هويتنا التي منحها لنا الرب؟ وما هي قوانين هذه البلاد؟

وكيف على وجه الدقة دفعتنا عصور من الإنكار الممنهج المفروض من قبل الامبراطورية وتراثنا الفاسد الظالم، الذي تم ترسيخه فينا، إلى العمل ضد مصالحنا باسم الحقوق الخاصة والقواعد السياسية الصارمة، التي جعلتنا جميعاً كارهين للأجانب والإنسانية على حد سواء ووضعتنا تحت رحمة المزيد من هذا الخوف، الذي جعلنا نشعر من ناحية أخرى بالغضب؟ إنه نوع من الخوف الذي يعد بتصرفات انتقامية عنيفة، إذا كان كل ما عملنا من أجل تحقيقه (بغض النظر عما إذا كنا عملنا من أجله حقاً أم لا) يمكن أن يُسلب مننا بمنتهى السهولة.

هناك اهتمام بشأن ما ناقشت فكرته هنا، ألا وهو ماهية (النزوح القسري). لكن لابد من التساؤل، لماذا نحن نشعر بتهديد دائم يجعلنا نلفظ بعيداً أولئك الأشخاص الذين يمكن أو قد نضطر أن نكون في نفس وضعهم. فقد يمكننا أن نرمي الحجارة بدلاً من الخبز بدون أن ندرك، أننا قد انجرفنا متأثرين بنفس التيار من المخاوف القومية غير المتوقعة. فقط لأن الأمر قد يستغرق وقتاً أطول لتدمير حياتك كلها فإنه لا يعني أن هذا لن يحدث أو أنه لا يمكن أن يحدث أو أن الأنثروبوسين (مظاهر هيمنة البشر وتدميرهم) لن تتكرر في يوم ما.

عندما أفكر بشأن النزوح القسري، ترد إلى ذهني صورة الأشخاص، الذين ينامون في صناديق في الشوارع القذرة. كما أفكر بالنساء اللواتي يَحِضْن وينزفن بغزارة ولا يجدن إلا خرقاً بالية لتنظيف أنفسهن. أفكر بالأطفال القذرين، الذين تتهيج بشرتهم الرقيقة المحمومة ويفترسها البعوض بالقرص حين لا يستحمون. إنني أواصل الحديث عن القذارة، لأنه في رأيي أحد الأساسيات التي يسلبها النزوح القسري من البشر، إمكانية أن تنعم بالنظافة حسب معاييرك الخاصة.

يدور بخلدي أيضاً تساؤل حول ما يتوقعه الكثيرون منا من أولئك النازحين، الذين نقوم بمساعدتهم علناً أو بعيداً عن تطبيق إنستغرام: فنحن ننتظر أو نتوقع تصرفًا يتسم بالخضوع (موقفاً خاضعاً) والظهور بمظهر الامتنان الأبدي (وقناع الامتنان الأبدي) الذي يثقل كواهلهم المرتعشة، بمجموعة من تعبيرات الشكر باللاتينية “شكراً.. شكراً.. شكراً جزيلاً” بينما يتم توزيع المراتب والضمادات وقطع الشكولاتة، بل وحتى ربما يتم تبادل النقود. إننا -وأشمل نفسي هنا- غالباً ما نفكر أكثر بطبيعة مؤسساتنا الخيرية الخاصة بنا، عندما نكون في موقع العطاء، والعقود التي نستخدمها، غالباً ما تستلزم نوعاً من السخاء (العطاء) في مقابل عبادة خاضعة غارقة بالدموع. عبادة لمن؟ أَمِنْ أجل إبداء الاحترام العام الحتمي؟ (أمن أجل إبداء طاعة عامة حتمية؟) أمن أجل رؤية اللمعة في عيون المهاجرين في مقابل الخبز والجبن والمربى؟ أمن أجل الانحناء للحصول على الفوط الصحية وأكياس الشاي في الأكواب البلاستيكية؟

يقدر الناس بالطبع تعبيرات الحب. لكنني أتساءل ما هو نوع الحب الذي يهتم الكثيرون منا وأنا منهم على أملاً في تلقيه من أولئك الذين لديهم أقل من لا شيء (المعدومين). إذا كان هذا الأمر يبدو مقلقًا (غريبًا) فهذا فقط لأنني أريد أن أظهر مدى خطورته. (أريد أن يبدو مقلقًا). لقد رأيت كيف ينظر بعض الرجال إلى العديد من الفتيات. لقد رأيت كيف ينظر بعض الرجال إلى العديد من الأولاد. لقد سمعت وقرأت وشاهدت ما فيه الكفاية كي أدرك بأنه عندما يواجه المجتمع انتهاكاً ما بالاستياء (عندما يكون رد الفعل على انتهاك ما الاستياء الجماعي) يصبح ما كان يبدو يوماً ما من غير الممكن التفكير به أمرًا متوقعًا. أصبحت الضرائب تفرض على اللحم البشري.

لا توجد هوية (جنسية) للنزوح القسري ولا يحتاج إلى تأشيرة دخول خاصة (معينة). فهو يصل على متن قارب مزدحم موبوء بالملاريا أو يسقط من السماء فوق جزر صغيرة قد دمرتها العواصف في منطقة بحر الكاريبي المشتركة بيننا. إنني أفكر دون أن أملك جواباً واضحاً فيم سنفعله معاً إذا تعرضنا لأزمة النزوح القسري. بصرف النظر عن الخوف من الغرق (الفيضان) والحزن. فلا يهم إذا ما سقطت على أو سقطت فوق رأس حفيدتي المزين بالضفائر المجدولة، إذا كانت الجزيرة تغرق وكل الإشارات التي تؤدي إلى مكان آخر تقول لا (إذا كانت كل الطرق التي تؤدي إلى مكان آخر مسدودة).

ديوان شيفانيز الشعري الصادر منذ عام 2017 بعنوان كل شخص يعرف أنني أصطاد، فاز بجائزة أفضل مجموعة أولى مصنفة طبقاً لجائزة فيلكس دينيس عام 2018