منذ سنة 2017، لقيَ ما يزيد عن 600 شخص حتفهم في هجمات سطو مسلّح بمقاطعة دي كابو دلغادو الواقعة شمال الموزمبيق وعلى الحدود مع تنزانيا. وتبقى هوية المُحرّضين على الهجوم فضلاً عن دوافعهم ومصادر تمويلهم مجهولة لدى السلطات الحكومية.
على الرغم من أن الحكومة قد عزّزت بشكل ملحوظ من التواجد العسكري في المنطقة خلال العام الماضي، إلاّ أنّ بعض المراقبين لاحظوا أن الهجومات الدموية لاتزال مستمرة ما أسفر عن وقوع ضحايا في صفوف المدنيين.
كانت العمليات التي أجرتها الحكومة سرّية، إذ منعت السلطات المحلية الصحفيين والباحثين من العمل في المنطقة.
سعيًا لإيجاد ملجإ هنا أو هناك يوفّر ملاذًا آمنًا، نجا السّكّان القاطنون في هذه المناطق المُستهدَفة من هذه الهجمات بشق الأنفس.
Os ataques extremistas de #CaboDelgado continuam a provocar deslocações. As pessoas estão procurando zonas mais seguras. As fotos são supostamente da Zona de Nametil-Mueda com a população local pronta para embarcar e se refugiar na vizinha #Tanzânia. pic.twitter.com/hTncJcttGU
— Alexandre (@AllexandreMZ) November 21, 2019
ما انفكت هجمات المتشددين من كابو دلغادو تجبر السكان على النزوح. فهؤلاء الأشخاص يبحثون عن أماكن أكثر أمنًا. والصور أُخذت على الأرجح في منطقة ناميتيل-ميودا: المتساكنون يتأهّبون للإبحار في إتّجاه تنزانيا المجاورة حيث يأملون اللجوء إليها.
غدت الحياة في هذه المناطق المُعرَّضة للهجمات المسلّحة جحيمًا لايطاق وفق شهادة نُشرت على صحيفة “كارتا دي موزمبيق”. وقبل الهرب إلى منطقة أخرى، ينبغي الحصول على إذن المسؤول عن الحي، ودفع قدر معيّن من المال يُعطَى إلى القائم على عملية التهريب. كما ينبغي أيضًا الحصول على موافقة محافظ الشرطة وتزويده بأرقام الهواتف:
Os cidadãos que por vários motivos forem interpelados pelas autoridades devem explicar donde vêm. Porém, se ao ligar-se para o local de proveniência, as autoridades (desse local) mesmo conhecendo o indivíduo, afirmarem que o mesmo saiu sem autorização é motivo de suspeita de estar a colaborar com os atacantes.
يتوجّب على المواطنين الذين توقفهم السُلطات لسبب من الأسباب أن يخبروها عن المكان الذي جاؤوا منه. لكن عندما يُجرَى اتّصال هاتفي مع سُلطات أماكنهم الأصلية، حتى وإن كان الأشخاص المعنييون معروفين لديها، فإنه في حالة تأكيدها على أن هؤلاء غادروا دون إذن رسمي يكون ذلك مدعاةً إلى الاشتباه في تعاونهم مع المتمردين.
رغم أن السلطات ليست متأكدة تمامًا من هوية المعتدين، أعلنت من تطلق على نفسها اسم “الدولة الإسلامية” مسؤوليتها عن بعض هذه الهجمات. هذا ما حدث في هجوم السادس من كانون الأول/ ديسمبر 2019 الّذي استهدف القوات المسلحة الموزمبيقية (FADM) وأسفر عن قتل 16 جنديًّا موزمبيقيًا.
هناك بعض الإشاعات التي تشير إلى تورط مرتزقة من “مجموعة فاغنز” المرتبطة بالكرملين علاوة على تورّط الجيش الموزمبيقي. بيد أن موسكو مثلها مثل مابوبتو أنكرت وجود جنود روس على أراضي الموزمبيق. وفي الوقت نفسه أكّدت السُّلطات الموزمبيقية على أن روسيا زوّدت المجموعات المسلحة بالعتاد العسكري.
مع ذلك، أكدت مصادر غير معلومة في الجيش الموزمبيقي خلال لقاءات عديدة مع وسائل الإعلام على تواجد قوات عسكرية روسية في الموزمبيق. في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، أشارت صحيفة “سنداي تايمز” إلى نشر 200 مرتزق في الموزمبيق، في حين أن صحيفة “موسكو تايمز” استندت على مصادر مجهولة لتأكيد مقتل اثنين من بين هؤلاء المرتزقة في حادثَين متفرقَّين.
حسب الصحيفة الموزمبيقية “أفردادي”، تلقّت الحكومة أيضًا دعمًا من القوات المسلّحة الزمبابوية والتنزانية وتلك التابعة للجمهورية الديمقراطية بالكنغو والصين رغم أن هذه المعلومات لم تؤكّدها السلطات.
تعاقُب الهجمات
كان الرئيس فيليبي نيوسي يأمل أن تتوقف الهجمات عام 2019، مثلما ذكر في خطابه نهاية العام. ومع ذلك ما انفكّت هذه الهجمات في التعاقب.
ففي يوم الخامس من كانون الثاني/ يناير سنة 2020، هاجم كمينٌ عربة نقل مشترك في أنتادورا، وهي مدينة بمقاطعة ماكوميا. وحتى مع عدم تأكيد عدد الموتى، فإنّ الشهادات التي تلقّتها وكالة الصحافة الفرنسية تتحدّث عن سقوط ضحايا مدنيين من أربعة إلى عشرة أشخاص.
مع العلم أن هذه الهجمات الدموية كانت تحدث في السابق ليلاً أو صباحًا باكرًا في قرى صغيرة. لكن هذه الهجمات الأخيرة حدثت في وضح النهار وداخل مدن كبرى.
في ليلة الثالث من كانون الأول/ ديسمبر، جُرح شخصان عقب هجوم استهدف شاحنة وسط الطريق في قرية دي ماتاباتا على بعد 20 كيلومترًا من مدينة بالما داخل منطقة معزولة في خليج تونغيال. وفي هذه المنطقة قرب جنوب كاب ديلغادو يوجد الحقل الرئيسي لاستخراج الغاز الطبيعي في الموزمبيق.
وفي نفس اليوم، أُوقِف أحدُ السكان المحليين وهو على دراجته الهوائية وقُطع رأسه. وقد وقع الهجوم في حدود الساعة الثالثة ظهرًا.
في كانون الأول/ ديسمبر 2019، كشف المعتدون لأوّل مرة منذ بداية هجمات هذه المجموعات المسلحة قبل سنتين عن صور واضحة لبعض أعضائها المزعومين، وهو ما اعتبره المحلّل البرتغالي للسياسة الدولية، نينو رودجيريو، مؤشّرًا على الغطرسة والاستهزاء بالعدالة.
إضافة إلى ذلك، تُظهِر هذه الصور مُسلّحِين يلوّحون بعلم “الدولة الإسلامية” فوق عربات للجيش النظامي الموزمبيقي. وأكّدت الشرطة أن ذلك حصل بالفعل مشيرة إلى فرضية أن هذه العربات استولى عليها هؤلاء المتمردون إثر كمين نُصب لها.
#Mozambique l’#EI revendique une attaque contre l’armée à #Malali pic.twitter.com/4ONpElrYgU
— Wassim Nasr (@SimNasr) December 6, 2019
صور للهجوم على مالالي، أُولى الصور الواضحة للمجموعة في هذا البلد// كما نُشرت صور أخرى لجثث ورهينة.
ومع ذلك، تبقى مسألة التواجد المزعوم “للدولة الإسلامية” في البلد من عدمه محلّ خلاف.
حرب غير معلنة
أثّرت هذه “الحرب”، كما وصفها قائد قوات الشرطة، برناردينو رافايل، على حياة ما يقارب 60 ألف شخص وفق الأمم المتحدة، التي شدّدت بدورها على أن تفاقم هجمات السطو المسلح يُنذِر بتهديد أمن المنطقة برُمّتها. وتعيش تنزانيا التي تشترك في حدودها مع الموزمبيق من جهة كابو دلغادو حالة تأهّب فضلاً عن المقاطعة الموزمبيقية دي نامبولا.
وأعلن الرئيس فيليبي نيوسي في أيلول/ سبتمبر، الذي يعتقد أن الموزمبيق ضحية ما أسماه “غزوًا مموَّهًا يستهدف شلّ التنمية في البلد”، أنّه منفتح على الحوار مع المتمرّدين. كما وعد أيضًا في كانون الأول/ ديسمبر الأخير بأن “يبذل قصارى جهده” لاحتواء العنف.
ومع ذلك، في 15 من كانون الأول/ ديسمبر، قرّر متساكنو القريتين ملاحقة عناصر القوات المسلحة التي تمركزت في مناطقهم.
إذ أعلن السّكان عن عزمهم التعامل مع الأمر على طريقتهم متّخذين من الأسهم والعِصيِّ والسواطير وغيرها من الأدوات أسلحة لهم. وفي الحقيقة، لم تُقابَل هجومات على القرى المجاورة قبل يومين بأي مجابهة من طرف القوات المسلحة الموزمبيقية FADM. وأكّد المتساكنون أيضًا على أن كل المناطق التي نُشرت فيها هذه القوّات صارت هدفًا للهجمات المذكورة وهو ما أشار إليه تقرير بصحيفة دي كارطا دي موزمبيق.
وعلاوة على القتل بالرصاص أو قطع الرأس وأعمال النهب وإضرام النيران في المساكن، تحدّث شهود عيان أيضًا عن حدوث حالات اغتصاب فتيات قُصّر.
وتجنُّبًا لهذا المناخ المشوب بالخوف وعدم اليقين، أصدر مؤخّرًا كلٌّ من الولايات المتحدة وكندا تحذيرات لرعاياها تدعوهم للتوجه إلى مقاطعة دي كابو ديلغادو.