تركمانستان تحارب فيروس كورونا مع المزيد من العزلة والعلاجات العشبية

في هذا الفيديو المنشور في مارس/آذار 2020، يصنف الرئيس التركماني غربانغلي بردي محمدوف الأعشاب الطبية “الحرمل: علاج للعديد من الأمراض”. الصورة من بوابة Turkmenistan Today الإخبارية.

لمزيد من التغطية الحصرية لتأثيرات فيروس كورونا على العالم تابعونا على صفحة جلوبال فويسز باللغة العربية

الجائحة، كما هو اسمها، تجتاح الجميع، وهناك تقارير تنبئ بوصول فيروس كورونا إلى الأراضي التركمانية؛ إحدى أكثر الدول عزلةً وانغلاقًا عن العالم. الدولة. بصحرائها الغنية بالبترول كانت قد عانت من قبل من حالة ركود اقتصادي طويل، الأمر الذي جعل من يراقب المشهد يتساءل كيف ستتصدى جهات الخدمات العامة في تركمانستان لحالة الطوارئ الإنسانية الصعبة هذه.

حتى وقت كتابة هذا المقال، ظلت تركمانستان واحدة من الدول القليلة في أوراسيا التي ليس لها أي بيانات رسمية على موقع  Johns Hopkins online map، الموقع الذي يعرض حالات الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا، وقد يرجع ذلك إلى الصعوبة الواضحة في الحصول على معلوماتٍ دقيقةٍ من الدولة، حيث الرقابة الصارمة على المعلومات والرقابة الطاغية على وسائل الإعلام.

الحق يقال، يتكتم المسؤولون التركمان عن الأخبار السيئة التي تلوح في الأفق، حتى أن “فيروس كورونا” بالكاد يذكر عندهم، لدرجة أنه لم يظهر على أيٍَ من وسائل الإعلام الحكومية بعدما ورد ذكره بصورة عابرة يوم 5 مارس/آذار. في اليوم ذاته، ذكرت شبكة راديو فري يوروب الإخبارية التركمانية RFE/RL's احتمالية وجود حالتين مؤكدتين على الأقل داخل البلاد، حسب لمصادرٍ طبيةٍ في العاصمة عشق آباد.

لا يعد وجود إصاباتٍ بفيروس كورونا في تركمانستان أمرًا مستحيلًا، إذ تحدها من الشمال دولتا كازاخستان وأوزباكستان، اللتان أبلغتا بأولى حالات الإصابة في أراضيهم هذا الشهر، وأعلنتا حالة الطوارئ في البلاد هذا الأسبوع، كما تتشارك تركمانستان 1148 كيلومتر من حدودها الجنوبية مع دولة إيران المنكوبة. التي سجلت ما يزيد عن 17 ألف حالة إصابة وما يقرب من 1200 حالة وفاة حتى تاريخه. كذلك فإن الدولة، شأنها شأن جاراتها في آسيا الوسطى، تقيم علاقة تجارية ناشطة مع تركيا والصين، بينما يدرس المواطنون التركمان ويعملون في دولة روسيا التي تتضاعف فيها أعداد الإصابات بسرعة.

عزل العالم

أول مرة يذكر فيها رسميًا وجود تهديد للصحة العامة في تركمانستان كانت بعد بداية العام الجديد.

يذكر موقع وزارة خارجية تركمانستان حقيقة إصدار وزارة الصحة أمرًا في الثامن من يناير/كانون الثاني يقضي بالتعرف على أعراض “الأمراض الرئوية غير المعلومة” وعلاجها. وانعقدت لجنة استثنائية في 20 يناير لبحث التدابير الوقائية الواجب اتخاذها، مثل تحسين أوضاع مستشفيات الدولة، وإقامة مناطق حجر صحي في المناطق الحدودية، وكذلك إجراء فحوصاتٍ طبيةٍ عامةٍ لجميع الأشخاص العائدين من دول موبوءة.

عقد الرئيس غربانغلي بردي محمدوف اجتماعًا استثنائيًا في ال25 من فبراير/شباط تحدث فيه عن ضرورة مكافحة الفيروسات والمخاطر الصحية الأخرى، وكما هو متوقع، لم تتلق أسئلة الشبكة الإخبارية RFE/RL أو الوكالات الإخبارية الدولية الأخرى، عن الحالات المصابة بفيروس كورونا أية إجابات من جانب المسؤولين الحكوميين. قالت خدمة American news service الإخبارية أنه، على ما يبدو، هناك إشارات تنم عن وجود استعدادات لمجابهة الفيروس، وأوردت في تقاريرها تزايد إجراءات فحص الوزارات لدرجات حرارة موظفيها، وإرسال الحالات المشتبه بها إلى مركز Chongaly Centre لمكافحة الأمراض المعدية بالرغم من أن عدد الحالات هناك لا يزال مجهولًا. في هذه الأثناء، تم إغلاق المسابح والصالات الرياضية في العاصمة عشق آباد بدءًا من 4 من مارس/آذار، وكذلك تم تأجيل حفلات الزفاف، والمناسبات الكبرى، أو إلغائها تمامًا.

وفقًا للموقع المستقل Chronicles of Turkmenistan الذي يتتبع حركة التطورات الاجتماعية والسياسية في البلاد، أفاد الموقع بإغلاق عدد من المنتجعات السياحية مثل الأحواز الواقعة على ساحل بحر قزوين، كما أن  وزارة الصحة وزعت منشورات في أرجاء العاصمة، بداية من شهر فبراير/شباط- على أقل تقدير- تحتوي على معلومات عن أعراض فيروس كورونا. بيد أنه ووفقًا لما ورد عن موقع Fergana News، وهو موقع إخباري مستقل متخصص في أخبار وسط آسيا، فقد بدأت السلطات في تسليم نسخ جديدة من هذه المنشورات في شهر مارس/آذار، بعد أن حذفت منها أي إشارة لاسم الفيروس الجديد.

معلومات عن أعراض كوفيد-19 من أحد المنشورات العامة. النسخة التي تم توزيعها في شهر فبراير/شباط. الصورة تخضع لملكية Turkmen.News الفكرية، ونشرت بإذن منها.

لكن أشد التدابير، على ما يبدو، كانت تلك التي اتخذت إزاء القادمين من الخارج، ففي ال3 من فبراير/شباط أغلقت تركمانستان كامل حدودها مع إيران، تلا ذلك إغلاق حدودها مع أوزباكستان وكازاخستان، ثم بعد برهة شرعت السلطات التركمانية في إعادة رعاياها بالخارج ممن يعيشون ويعملون في الدول الموبوءة؛ وعليه تمت إعادة ما يزيد عن 200 مواطن تركماني من الصين في فبراير/شباط وتم وضعهم في الحجر الصحي في ولاية لباب.

أوقفت خطوط الطيران التركمانية كافة رحلاتها من وإلى الصين يوم 29 فبراير/شباط، تبعها إيقاف الطيران مع وجهات أخرى عديدة، وقد أدلى ممثلو شركة الطيران بتصريحاتهم لـ TurkmenPortal، المنفذ الإعلامي المملوك للدولة، حيث صرحوا بأن باقي الرحلات المنطلقة من تركمانستان مازالت تغادر عشق آباد، لكنها تعود إلى المدينة الغربية تركمان آباد، حيث  هناك استعدادات طبية مقامة داخل المطار.

وذكرت صحيفة Fergana News، أن شركة الطيران -التي واجهت صعوبات اقتصادية – أصبحت غير قادرة على تعويض المسافرين عن الرحلات الملغاة. كما ألغت العديد من شركات النقل الدولية رحلاتها مؤقتًا، من ضمنها؛ شركة الخطوط التركية TurkishAirlines، وشركات China Southern، و Belavia، و FlyDubai.

أما ما يثير القلق حقًا، أنه في شهر مارس/آذار ذكر 13 صحفيًا من جريدة Chronicles of Turkmenistan أن عددًا من المسافرين الذين وصلوا تركمان آباد، قادمين من الخارج، تمكنوا من مغادرة الحجر الإلزامي بعد دقائق فقط، وذلك بعد دفعهم رشوة للمسؤولين تتراوح بين 100 إلى 800 دولارًا أمريكيًا.

في هذه الأثناء واصلت خدمات الرعاية الصحية إشادتها بالخطوات التي رسمها الرئيس غربانغلي بردي محمدوف؛ في 5 مارس/آذار أقر وزير الصحة نور محمد أماني بيسوف النهج الذي اتبعه الرئيس في التصدي للفيروس، مع قلة عدد الحالات المثبت إصابتها في البلاد بفيروس كورونا.

العلاج بالأعشاب

وكانت وسيلة التصدي التركمانية الأبرز للجائحة، بالأدوية العشبية، التي وصفها الرئيس بردي محمدوف في خطابه الذي وجهه لمجلس الوزراء يوم 13 مارس/آذار؛ حيث قال الرئيس أن كتابه عن النباتات العلاجية يضم نصائح مفيدة، مشيرًا إلى أن الفلفل، شأنه شأن نبات الحرمل أو نبات السذاب الشهير، قد يكون مفيدًا في مكافحة العدوى. كما دافع الرئيس عن المنافع الصحية المترتبة على استخدام الحرمل كبخور، قائلًا أن الدولة قد تبلي بلاءً حسنًا إذا ما تعلمت من “أجدادها الحكماء”:

Dürli görnüşli, göze görünmeýän wiruslaryň adam bedenine aralaşmagynyň öňüni almakda ýüzärlik tüssesiniň netijelidigini köp asyrlaryň durmuş tejribesi subut etdi. Şunuň bilen baglylykda, milli Liderimiz halkymyzyň ýüzärlik tütetmek däbiniň häzirki döwürde dünýäde emele gelen çylşyrymly pursatlarda aýratyn ähmiýetlidigine ünsi çekip.

تثبت التجارب عبر قرون عديدة أن الدخان الأبيض يمكن أن يمنع انتشار العديد من الفيروسات غير المرئية داخل الجسم البشري بجدارة. في هذا الصدد، نوه قائدنا أن تقاليد شعبنا التي تتمثل في إحراق الأعشاب، لها أهمية خاصة في هذه الأوقات العصيبة، في ضوء الأحداث التي يمر بها العالم اليوم.

ألّف بردي محمدوف، الذي كان وزيرًا للصحة في الفترة بين 1997 و2007، العديد من الكتب في مجال الصحة، منها كتاب عن الخيول، وكتاب آخر عن عشبة الشاي. أما كتابه الذي ألفه عام 2013، فهو يشرح بالتفصيل عن الاستخدامات الطبية لأكثر من 150 نباتٍ محليٍ ينبت في هذا البلد القاحل.

وفقًا لمقطع الفيديو الأخير الذي أنتجه موقع تركمنستان اليوم؛المنفذ الإعلامي المملوك للدولة، فإن للحرمل “كونه يعالج آلاف الأوجاع” دورٌ مهمٌ في الثقافة التركمانية، وأكمل: أن حرق هذا النبات الصحراوي حتى يخرج منه الدخان العطري هو من الثوابت في الاحتفالات الكبيرة سواء في حفلات الزفاف أو عند تدشين منزل جديد.

تشير التقارير الإعلامية إلى أن نصيحة الرئيس قد تم الالتزام بها بدقة، حسب تلفزيون أورينت، الذي يروج لنفسه على أنه “أول محطة تلفزيونية غير حكومية في تركمانستان”،  قد تم حرق العشبة خلال اجتماع بين ممثلي الأمم المتحدة ومسؤولي الحكومة التركمانية يوم 14 مارس/آذار في العاصمة عشق آباد، بينما استخدم بقية الحضور محلولًا مطهرًا لتطهير أيديهم، ثم استمرت مصافحة الأيدي كالمعتاد.

قد يكون من السهل على من يراقب المشهد من بعيد أن يتجنب استخدام هذا العلاج العشبي، على أنه ببساطة إحد شطحات الرئيس بيردي محمدوف، لكن Chronicles of Turkmenistan تشير إلى أن ذلك يمكن أن يكون ستارًا دخانيًا يغطي على عجز الدولة عن توفير الرعاية الصحية المناسبة، أما وسائل الإعلام الحكومية فتواصل احتفاءها بعرض التقاريرعن أحدث مبادرات الرئيس، وعلى الرغم من تشديد منظمة الصحة العالمية على ضرورة تجنب المناسبات العامة الكبرى، إلا أن تركمانستان ما زالت  تمضي قدمًا في استعداداتها لعيد النيروز، أو عيد الربيع، في 20 مارس/آذار.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.