للمزيد من التغطية الحصرية حول تأثيرات فيروس كورونا على العالم تابعونا على صفحة الاصوات العالمية باللغة العربية
كتب فيودور دوستوفسكي عام 1868: “الجمال سينقذ العالم.” وبعد مئة وخمسون عامًا، مازال بالإمكان رؤية ذلك، لكن شيئًا واحدًا مؤكدًا، أنه يمكننا صرف انتباهنا عن العالم الخارجي خلال فترة الوباء العالمي.
بعد الطُلب من الناس التزام منازلهم، بدأوا البحث عن منفذ يُبعد الضجر والكآبة عن يومهم. وكالنار في الهشيم، اكتسح أحد تحديات الصور مواقع التواصل الإجتماعي: إعادة إحياء أعمال فنية شهيرة باستخدام مواد عادية بسيطة متوفرة في المنزل.
المواد الأساسية الأبرز في إعادة إحياء تلك اللوحات كانت الأقنعة الجراحية وموازين الحرارة، رموز وباء كوفيد 19. ارتدى أحدهم قناعًا جراحيًا، وبقلم تحديد رسم عليه فمًا مفتوحًا، ممثلًا الاصدار المنزلي من لوحة ادفارد مونك “الصرخة”. وآخر استخدم ورق المرحاض (والذي يعتبر أيضًا رمزًا لهذه الفترة) كشعر مستعار لرجل يجلس أمام البيانو، مقلدًا لوحة شهيرة لموزارت. إن هذه مجرد أمثلة بسيطة فقط عن الإبداع غير المحدود لمجموعة روسية على موقع فيسبوك تسمى إيزوزلياتسيا “IZOIZOLIZACIA”. و لا نبالغ عند القول بأن تلك الصفحة أصبحت هاجسًا وطنيًا.
#изоизоляция pic.twitter.com/3G7tzFTj9r
— Vogel (@Artwings31) April 21, 2020
اسم المجموعة هو دمج لكلمتين روسيتين: “العزلة” و “الفن المرئي التصويري”. تضم المجموعة أكثر من خمس مئة ألف عضو وأكثر من مئة منشور في اليوم، حتى تاريخ نشر هذا المقال. كما أن معظم أعضاء المجموعة الطريفة من الروس، مع المزيد من الناس من حول العالم خلال هذا الوقت الذي يزداد فيه الشك والريبة. يقول شعار إيزوزلياتسيا: “مجتمع من البشر بحركة مقيدة وخيال مُطلق.” لدى مؤسسة المجموعة كاترينا برودنايا تشيليادينوڤا، 38 عامًأ، القليل من المبادئ: يجب أن تكون المواد الأولية التي تقوم عليها الصورة منزلية، لا يسمح بالتعديل على الصور، ولا حتى إعادة إنشاء لوحة “المربع الأسود” لكازمير ماليفيتش إن لم يكن مضحكًا.
على سبيل المثال، بدأ التحدي مع برودنايا تشيليادينوڤا التي تعمل لصالح العملاق الرقمي الروسي Mail.Ru، عندما شاركت على موقع فيسبوك صورة لزوجها معتملاً قبعة من القش مقلدًا ڤينسنت ڤان كوخ. انضم العديد للتحدي عندما طلبت من أصدقاءها مشاركة إعادة تقليدهم لوحات مشهورة. ولتوحيد الكم الهائل من البيانات المقدمة، قامت بإنشاء مجموعة على فيسبوك في 30 آذار/مارس. في غضون يوم واحد انضم إليها 2500 عضو.
في مقابلة لها على قناة الأخبار الروسية آر بي كي RBK في 17 نيسان/أبريل، أكدت برودنايا تشيليادينوڤا أنها ليست وحدها في إدارة المجموعة، التي زادت شعبيتها في الشهر الماضي. قالت “لدينا 11 مشرفًا يضمنون استمرارية المجموعة في كل ساعة من اليوم من الولايات المتحدة وحتى نيوزيلاندا، إنه مجهود هائل لأصدقاء عالميين.”
تعكس العضوية الدولية هذه، حقيقة مفادها أن مجموعة إيزوزلياتسيا واحدة فقط لتجسيد التحدي الفني منذ بدء وباء كوفيد-19، نشر العديد من المعارض الفنية تحديات مشابهة على حساباتهم على منصات التواصل الإجتماعي.
من غير المفاجئ أن لدى أعضاء مجموعة إيزوزلياتسيا حبًا استثنائيًا لأعمال فنية مشهورة من روسيا والاتحاد السوفيتي السابق. صرّحت برودنايا تشيليادينوڤا في مقابلة لها مع RuNet Echo “يبدو أننا نثير قدرًا كبيرًا من السخرية في هذه المجموعة.”
في الحقيقة تحمل العديد من الصور المشارَكة إبداع كبير واستنكار ذاتي في ردود الفعل على أكثر اللوحات تقديرًا في روسيا. أُعيد تصوير جبل الجماجم في لوحة “تمجيد الحرب” لڤاسيلي ڤيريشاجين كروؤس مبعثرة من قطع الليغو. و تعرض صورة أخرى قطة تقلّد شخصية لينين. وتُمَثَّل دببة أيقونة إڤان شيشكن في “صباح في غابة صنوبر” على أنها مقرمشات أمام خلفية من الخس.
كما يوجد تقليد لأعمال فنية أجنبية أيضًا. فقد تم تقليد لوحة “العشاء الأخير” من قِبل مجموعة ممرضين مكان الحواريون. وفي تقليد لوحة ليوناردو دافنشي “مُخلّص العالم” ظهر عارض على أنه المسيح يحمل إناء من المخلل بدلاً من الكرة الزجاجية التي يعلوها صليب. ارتدى بعض المستخدمين فساتين قصيرة لتقليد لوحات راقصة البالية الشهيرة لإدغار ديغاس. واعتمل آخرون قبعات الأوشانكا الروسية المصنوعة من الفرو مع غطاء للأذنين، لتمثيل اللوحة الشخصية لڤان كوخ بعد الحادث.
وقد دفعت قيود التحدي العديد من المشاركين إلى أن يصبحوا خبيرين بأشيائهم المنزلية. تظاهر أحد المستخدمين من إسرائيل بشخصية سلفادور دالي، وهو مزيّن بالكثير من مساحيق التجميل وساعات ذائبة مصهورة مصنوعة من الورق. وعملت امرأة على إعادة إنشاء لوحة “باندورا” لدانتي جابرييل روزستيتي، حيث حل محل الصندوق الذهبي في اللوحة علبة من ماكدونالز للوجبات الجاهزة. لوحة للرسام جاكسون بولوك كانت ممثلة بكومة من العصي.
أحد أشهر المنشورات في المجموعة، نشرته ناتاليا شيفتشينكو، يصور رائعة هنري ماتيس لعام 1910 “الرقص”، والتي تم إعادة إنشائها من القريدس والجوز على كيس بلاستيكي. وقد حصل على أكثر من 39 ألف إعجاب.
كما تعتبر العديد من هذه الأعمال الفنية التي أعيد تصورها، صور ذاتية التقطها هواة أثناء الحجر الصحي. كما أن هناك العديد من الأزواج والشركاء والحيوانات الأليفة والأجداد والأطفال. صفحة إيزوزلياتسيا على فيسبوك مليئة بوجوه وحيدة تبحث عن تواصل — ومن الواضح أنها عثرت عليه.
كأي أمر مجنون على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن التحدي يثير تساؤلات خاصة به: هل كانت إعادة تصوير الفن الشهير مجرد موضة عابرة، أم أن الحاجة للتواصل مع الفن ومع بعضنا البعض أكثر عمقًا؟ تعتقد برودنايا شيليادينوفا أن السبب هو الحاجة للتواصل. خلصت إلى التالي: “من ناحية، صحيح أن هذا التحدي الفني مجرد لعبة، ولكنه أيضًا وسيلة مختلفة للتواصل والتفاعل مع الفن الخالد وإيجاد الراحة في المجتمع.”