- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

سباق عمالقة التكنولوجيا في وادي السليكون لبناء البنية التحتية لشبكة الإنترنت في أفريقيا. أيتوجب على أفريقيا القلق؟

التصنيفات: الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, جنوب الصحراء الكُبرى - أفريقيا, أفكار, الإعلام والصحافة, الاقتصاد والأعمال, النشاط الرقمي, تطوير, تقنية, حجب, حرية التعبير, حقوق الإنسان, حكم, سياسة, صحافة المواطن, علاقات دولية, قانون, أدفوكس

تدريب الشباب على تكنولوجيات المعلومات في مكتبة ماسيفوميلي في جنوب أفريقيا، 8 نيسان/أبريل، عام 2013. تصوير بيوند أكسس [1] عبر فليكر بموجب رخصة المشاع الإبداعي [2].

منذ تسعينات القرن الماضي، بذلت الحكومات، وشركات الاتصالات السلكية واللاسلكية، وأيضًا المنظمات الإنمائية العديد من الجهود المحلية والدولية من أجل تحسين شبكات البنية التحتية للإنترنت في أفريقيا.

إلا أنه حتى الآن، لا تزال أفريقيا تسجل أدنى معدل انتشار للإنترنت، بنسبة بالكاد [3] تصل إلى 40 في المائة [3]مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 58 في المائة. فقد وصلت سبع دول أفريقية فقط إلى قائمة أعلى مائة في مؤشر الاستعداد الشبكي لعام 2019 [4]  — ولم تحتل أي منها المراكز السبعين الأولى.

تقود الآن، شركات التكنولوجيا العملاقة مثل جوجل وفيسبوك، والتي تتخذ من وادي السيليكون في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية مقرًا لها، السباق نحو الاستثمار في البنية التحتية للإنترنت في أفريقيا. فما هو رهان عمالقة التكنولوجيا هؤلاء ليقوموا بدور ريادي كهذا من أجل مستقبل أفريقيا الرقمي؟ 

كانت هناك مشاريع أخرى من أجل البنية التحتية للإنترنت نُفّذِت في أفريقيا قبل مجيء هذه الشركات العملاقة بهدف توسيع نطاق الاتصال بالإنترنت لجميع الأفارقة. فقد أنشَأ الاتحاد الأفريقي على سبيل المثال، برنامج أفريقيا الإلكترونية [5]، والتزمت وكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة بدفع مبلغ 15 مليون دولار في إطار مشروعها في ليلاند [6]، كما دعم مصرف التنمية الأفريقي إنشاء نظام الكابل البحري لشرق أفريقيا [7]، بالإضافة إلى ذلك، تعهد البنك الدولي بتقديم نحو 424 مليون دولار.  [6]

كان لجميع تلك المشاريع هدف جماعي يتمثل في بناء بنية تحتية للإنترنت تربط جميع البلدان الأفريقية بعضها ببعض بل وببقية العالم أيضًا من خلال أنظمة الكابلات البحرية والأرضية الحالية والمخطط لها.

أفريقيا تحظى بكونها الأسرع انتشارًا فيما يتعلق بالهواتف المحمولة على مستوى العالم، الأمر الذي يجعل القارة ”جذابة تجاريًا“ لشركات التكنولوجيا العالمية مثل جوجل وفيسبوك.

تتولى شركات التكنولوجيا بوادي السيليكون زمام المبادرة في أفريقيا

دفع القطاع الخاص [8] – ومعظمه من قطاع الاتصالات – على مدار الأعوام السابقة، إلى توسيع البنية التحتية للإنترنت في القارة، ولكن شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون، صاحبة المليار دولار هيمنت على هذا التوسع على مدى السنوات القليلة الماضية.

تعد شركة جوجل هي أول شركة تكنولوجية وغير متخصصة في الاتصالات، لم يقتصر استثمارها على نظام الكابل البحري ذي النطاق الترددي العريض [9] فحسب، بل إنها تسعى أيضًا إلى تعزيز كابل خاص عابر للقارات.

كما بدأت شركة جوجل في عام 2011، مشروعًا داخليًا، يُطلق عليه سي سكويرد [10]، بهدف تعزيز شبكات للألياف الضوئية المتروبولية، يستأجره مشغلو شبكات الهاتف المحمول وأيضًا مزودو خدمات الإنترنت بشكل شامل.

شارك هذا المشروع – والذي أصبح شركة مستقلة الآن بدوافع تجارية – شركة ميتسوي وشركائها (اليابان)، وشركة كونفرجنس بارتنرز (بجنوب أفريقيا)، وأيضًا مؤسسة التمويل الدولي (أي إف سي، مجموعة البنك الدولي)، في إطار صندوق موحد يُقدر بحوالي 100 مليون دولار وذلك من أجل استثمار واسع النطاق في البنية الأساسية للإنترنت في أفريقيا.

الجدير بالذكر أن شركة التكنولوجيا هذه تمتلك وتدير الآن ما يزيد عن 890 كيلومترًا من الألياف الضوئية المتروبولية في مدينتي كمبالا، وعنتيبي بأوغندا؛ وأكثر من 1070 كيلومترًا من الألياف في ثلاث مدن في غانا و180 كيلومترًا في مونروفيا عاصمة ليبيريا.

كما تدير شركة جوجل أيضًا مشروعاتها الخاصة بالبنية التحتية للإنترنت في أفريقيا، بما في ذلك مشروع لوون [11]، الجاري تشغيله حاليًا في كينيا، وإكويانو [12] (الذي يحمل اسم الكاتب النيجيري والعبد السابق أولوداه إكويانو) – وهو عبارة عن بنية أساسية للإنترنت عبر ألياف ضوئية تحت سطح البحر تربط بين أفريقيا وأوروبا، والمقرر اتمام اكتماله بحلول عام 2021.

ما يبدو واضحًا للعيان أن شركة جوجل تعتزم صدارة السباق نحو الاستثمار في البنية التحتية في أفريقيا، خلا أن شركة فيسبوك تبدو أنها أيضًا غريمًا شرسًا على الرغم من محاولاتها الفاشلة لاستخدام مركبات آلية تعمل بالطاقة الشمسية [13] من أجل توفير شتى السبل للاستفادة من الإنترنت.

حاولت شركة فيسبوك تجربة خيارات بديلة لربط الأفارقة بالإنترنت وذلك من خلال تطبيق فري باسيك [14]، حيث أقامت الشركة شراكة مع مزودي الاتصالات في البلدان النامية بهدف السماح للمستخدمين بالوصول إلى عدد محدد من المواقع المختارة مسبقًا، بما في ذلك فيسبوك، دون استخدام أي بيانات إضافية. بالأخير حظرت الهند تطبيق فري باسيك بل وانتقدته المجتمعات المدنية بشدة، بما فيهم جلوبال فويسز [15]، وذلك لكونه وسيلة لجمع بيانات المستخدمين  كما فشل في جعل “غير المتصل” متصل بالإنترنت.

كانت شركة فيسبوك في الماضي تركز، إلى حد كبير، على استغلال البنية التحتية القائمة للإنترنت في الاقتصادات المتقدمة، عوضًا عن الاستثمار في بنيات جديدة؛ على سبيل المثال،  شاركت شركة فيسبوك جمعية الإنترنت [16] بهدف توفير خدمة الإنترنت في المجتمعات الريفية في أفريقيا من خلال استخدام نقاط تبادل الإنترنت [17] (أي إكس بي إس) – هي بمثابة نقطة اتصال تقوم فيها شبكات محلية ودولية متعددة، ومزودو خدمات الإنترنت، وأيضًا مقدمو المحتوى بالربط بين شبكاتهم بدل الربط مع شبكات خارجية.  

كما نفذت الشركة أيضًا مشروع إكسبرس واي فاي [18] في أفريقيا، بحيث توفر شركة فيسبوك قاعدة إلكترونية شاملة لشبكة واي فاي، يستطيع الشركاء (مشغلو الاتصالات) استغلالها والاستفادة منها من أجل إدارة أفضل، وتنمية عروضهم لشبكة ال واي فاي في المجتمعات المحلية.

أوضح مارك زوكربيرج في مقال [19] له نشر عام 2013، لماذا يعد من غير المنطقي على الصعيد الاقتصادي أن توجيه الاستثمارات في بناء البنية التحتية للإنترنت في البلدان النامية بهدف توفير خدمة الإنترنت:

Although the cost of building and maintaining networks made it prohibitively expensive to provide full internet access to everyone in the world, a focused effort on reducing the cost of delivering data and building more efficient apps would make it economically feasible to provide a set of basic online services for free to those who could not afford them.

رغم أن تكاليف بناء وصيانة الشبكات جعلت توفير الاتصال الكامل بالإنترنت لجميع من بالعالم أمرًا باهظ التكاليف، فإن الجهود المركزة والرامية إلى خفض تكاليف توصيل البيانات وإنشاء تطبيقات تكون أكثر فاعلية، من شأنها أن تجعل من المجدي اقتصاديًا توفير مجموعة من الخدمات الأساسية المجانية على شبكة الإنترنت لأولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليفها.

مع تحفظات زوكربيرج تلك، إلا أن شركة فيسبوك خصصت ملايين الدولارات لبناء بنية تحتية للإنترنت في الدول النامية – بما فيها أفريقيا؛ إذ أدرك أنه إذا أراد أن “يهزم” شركة جوجل ككيان على هذا المضمار، فلا بد له وأن يكون لاعبًا حقيقيًا.

شاركت شركة فيسبوك العام الماضي شركة مين وان [20] لبناء بنية تحتية أرضية للإنترنت عبر الألياف الضوئية، مفتوحة الوصول، لبعد يصل إلى 750 كيلومترًا في نيجيريا، وشاركت [21] شركة إيرتل من أجل إنشاء وصلة من الألياف بطول 800 كيلومترًا في أوغندا، وكذلك وصلة ألياف أخرى بطول 100 كيلومترًا في جنوب أفريقيا. 

أعلنت شركة فيسبوك في 13 مايو/أيار عن أفريقيا 2 [22] – وهي واحدة من أضخم استثمارات الشركة في إنشاء البنية التحتية في أفريقيا حتى الآن، ويمكن القول بأن هذا المشروع يهدف إلى إنشاء أكبر كابل بحري للألياف الضوئية من أجل توفير خدمة الإنترنت في أفريقيا والشرق الأوسط. وتضم الشراكة شركة فيسبوك، وشركة تشاينا موبايل إنترناشيونال، وشركة إم تي إن جلوبال كونكت (فرع لمجموعة إم تي إن الجنوب أفريقية)، وشركة الاتصالات الفرنسية متعددة الجنسيات أورانج، وشركة الاتصالات المقامة بالسعودية إس تي سي، والشركة المصرية للاتصالات، وشركة الاتصالات البريطانية متعددة الجنسيات فودافون، وأيضًا شركة ويست إنديان أوشن للكابلات. سيعمل كل هؤلاء جنبًا إلى جنب، على إنشاء كابلات بطول 37,000 كيلومترٍ والتي ستربط بين أوروبا (شرقًا من خلال مصر)، والشرق الأوسط (عبر المملكة العربية السعودية)، وبين 21 مرفأ في 16 دولة بأفريقيا.

من المتوقع أن يكتمل [22] المشروع بحلول 2023-2024.

ما الذي سيعود على عمالقة التكنولوجيا جراء ذلك؟

بصرف النظر عن عمالقة التكنولوجيا هؤلاء، فمن غيرهم يستطيع أن يضمن اتصال أفريقيا بالإنترنت بأقصى سرعة ودون أي تأخير؟

سوى أن هؤلاء العمالقة لا يقدمون هدايا مجانية تُقدر بالمليارات دون توقع مقابل.

يسلط [23] الكاتب، يومي كاظيم، الضوء على دافع الربح الجلي لتلك الشركات التقنية، وفي هذا السياق كتب ما نصه “إن عشرات الملايين من البشر الذين سيتصلون بالإنترنت على إثر ذلك سيمثلون أيضًا سوقًا مستهدفًا أكبر لخزينتهم المتزايدة من منتجات وخدمات إعلانية.”

كما أنه مع تضاؤل [24] عدد الأشخاص المنقطعين عن خدمة الإنترنت في أوروبا والأمريكتين، فإن الشركات التقنية تتطلع إلى البحث عن أسواق أخرى صاعدة، وأيضًا تكون منخفضة الدخول لزيادة إيراداتها وتوسيع حصتها في السوق.

فعلى سبيل المثال، هناك أكثر من 70 في المائة [25] من 2.3 مليار مستخدم نشط شهريًا للفيسبوك يعيشون في أفريقيا وآسيا، في حين أن جوجل لديها أكثر من 90 في المائة [26] من حصة سوق محركات البحث في أفريقيا، أما في كينيا يتم توجيه أكثر من نصف حركة المرور على الهواتف المحمولة في البلاد من خلال تطبيقات تملكها شركات فيسبوك وجوجل [24].

إضافة إلى أن معظم إيرادات كلتا الشركتين تأتي [24] من وراء الإعلانات (توفر الإعلانات 98 في المائة من إيرادات شركة فيسبوك و85 في المائة من إيرادات جوجل) – حيث يتوقف تحقيقهما للربح إما على زيادة عدد المستخدمين أو زيادة الإيرادات التي يدّرونها من كل مستخدم.

هل يتوجب على أفريقيا القلق؟ أجل.

في أفريقيا، حيث لا تمتلك 33 دولة أو ما يقرب تشريعات تتعلق بخصوصية البيانات، فإن الاعتماد المفرط على شركات التكنولوجيا العالمية لتوفير خدمة الإنترنت من شأنه أن يفرض تحديات هائلة.

حتى الآن لم يبذل مُقَرِرو السياسات سوى القليل للتقرب من شركات التكنولوجيا والعمل معها في مواجهة هذه التحديات. 

من هذا المنطلق فإن أفريقيا عرضة لذلك القدر الهائل من المعلومات المغلوطة والمضللة، واحتكار السوق، واستغلال البيانات الشخصية بل والعبث بها، كما يتضح لنا بالدليل وبالمثل الحي من فضيحة فيسبوك كامبريدج أناليتيكا [27].

تشير لجنة باثواي فور بروسبيرتي [28]، بحق، إلى شبه الغياب التام للتصميم والاستخدام الرقمي في الدول النامية للمناقشات الدائرة حول تقرير السياسة العامة في مجال التنمية، وتتمحور الأذرع التنظيمية الممكنة لدى الحكومات في الغالب حول إدارة سوق الاتصالات السلكية واللاسلكية، والسيطرة على اتصال شبكة الإنترنت بالعالم الخارجي، وأيضًا ضبط النظام الإيكولوجي للعروض الرقمية المحلية. 

لقد كانت شركة فيسبوك متراخية جدًا في الرد على الانتهاكات والمحتوى العنيف الذي نُشر على منصاتها، على الرغم من تلقي الشركة للتحذيرات، إلا أنها لا تفعل سوى القليل للمعالجة، كما شوهد مؤخرًا مع التغريدة العدوانية الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الاحتجاج الجاري على هاشتاغ #BlackLivesMatter [29] في الولايات المتحدة. وفي حين إشارت تويتر إلى التغريدة علانيةً بسبب انتهاكها قواعدها، فإن فيسبوك لم تستطع القيام بذلك. أوضح [30] زوكربيرج:

I just believe strongly that Facebook shouldn’t be the arbiter of truth of everything that people say online. Private companies probably shouldn’t be, especially these platform companies, shouldn’t be in the position of doing that. 

أنا على إيمان راسخ أن شركة فيسبوك لا ينبغي لها أن تلعب دور الحكم على صدق كل ما يقوله الناس على شبكة الإنترنت. فلا يتعين على الشركات الخاصة، لا سيما شركات المنصات هذه، أن تكون في مقام من يفعل ذلك. 

هل على الحكومات أن تقود – أم تنخرط مع شركات التكنولوجيا؟

لا يبدو أن حكومات البلدان النامية تعطي الأولوية في سياساتها للاتصال بشبكة الإنترنت. في أمثل الأحوال يكون في وسع الحكومات أن تتفاوض مع شركات التكنولوجيا لكن من دون فرض إطار لبدء الحوار، فإن السياسات أو القوانين الرقمية المرتقبة تفتقر إلى الواقعية.

ينبه الأدباء بحسب ما ورد في تقرير أصدره [25]مركز التنمية العالمي لسنة 2019، على أن:

Developing such a framework will not be easy, however, as it will require finding ways to (1) estimate the worth of disparate pieces of personal data whose value depends on being combined with other data to produce useful information and (2) track the value of data across multiple uses.

بيد أن وضع إطار من هذا القبيل لن يكون سهلًا بالمرة، إذ أنه سيتطلب إيجاد سبل من أجل (1) تقدير قيمة البيانات الشخصية المتباينة التي تعتمد قيمتها على الجمع بينها وبين البيانات الأخرى لإنتاج معلومات ذات قيمة وأيضًا (2) تعقب قيمة البيانات عبر عدة استخدامات.

يتعين على الحكومات الأفريقية أن تقر بأن خدمة الإنترنت أصبحت الآن مصلحة عامة عالمية [25] بل وحق إنساني يوفر استحقاقات اقتصادية واجتماعية هائلة لمستخدميها. في ظل غياب إطار تنظيمي رقمي شامل يقترب من الواقع وأيضًا غياب سياسات لهذه الشركات التكنولوجية، فإن منصاتها الرقمية سُتستغل بشكل غير مسؤول لتكون على رأس أعمال العنف والانتهاكات عوضًا عن دعم النمو الاقتصادي والإبداع.