أدت تسع سنوات من الحرب الدموية في سوريا إلى هلاك النظام الصحي، في نفس الوقت الذي تنكر فيه السلطات في المناطق التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد وجود حالات “كوفيد-19″.
وفقًا لخريطة جامعة جونز هوبكنز هناك 439 حالة إصابة و21 حالة وفاة في سوريا حتى 15 تموز/يوليو، ولكن الروايات على أرض الواقع تكشف عن الطرق التي أنكرت بها الدولة وقمعت واقع “كوفيد-19″.
وفقًا لوليد عبد الله (اسم مستعار لحماية هويته)، 23 عامًا، وصلت الدولة حد اقتراح إنهاء حياة المرضى المشتبه بإصابتهم بفيروس “كوفيد-19. في مكالمة هاتفية، أوضح عبد الله أنه في 13 مايو/أيار، اتصل بمستشفى درعا الوطني، جنوب سوريا، لإبلاغهم بوجود حالة مشتبه بإصابتها بفيروس كورونا، وعندما سأل عن الخطوات التي ينبغي اتخاذها، رد الموظف الحكومي الذي أجاب على الهاتف: ” قوسوه، ما إله دواء عندنا”.
قطع وليد الاتصال مسرعًا، فكرة إطلاق الرصاص على مشتبه بإصابته بكوفيد-19 لم تكن واردة على الإطلاق. قال وليد للأصوات العالمية: “نموت بالفيروس أشرف لنا من وصولنا لأي مشفى عام”.
تؤيد مصادر أخرى هذه الشهادة المروعة. في تقرير نشرته صحيفة “صوت العاصمة” السورية المستقلة في 10 مارس/آذار، عن مصادر طبية من وزارة الصحة قولها: “إن عمليات تصفية متعمدة تجري في مشفى المجتهد الحكومي بالعاصمة دمشق، لمُصابين يُعتقد أنهم يحملون الفيروس، عبر إعطائهم جرعات زائدة من المخدر.”
ظهر تأكيد على وسائل التواصل الاجتماعي:
معلومات أنه في سوريا يتم تصفيه مرضى كورونا في مشفى المجتهد بعد ساعات من تشخيص المرض…
— Qهارون (@Q56048602) March 11, 2020
أكد مصدر طبي آخر من مستشفى المواساة في دمشق في نفس المقال “أن تلك التصفيات تجري بسرية تامة، ويقوم بها أطباء مخصصون لمتابعة حالات المشتبه بإصابتهم بالفيروس.”
إن نهج نظام الأسد اليائس في التعامل مع “كوفيد-19″ ما هو إلا انعكاس للسياسة العسكرية التشبيحية المستخدمة في حرب الأسد، والتي خلفت أكثر من 5.6 مليون لاجئ حول العالم وحوالي ال 586 ألف قتيل وما يقارب من 100 ألف معتقل ومختفٍ بشكل قسري.
عكست المؤسسات الإعلامية الموالية للأسد نفس العقلية في تغطيتها للفيروس. في بداية تفشي الفيروس، كتب “فراس الأحمد”، مراسل القناة الاخبارية السورية، الموالية للنظام، منشورًا تهديديًا على صفحته الشخصية على فيسبوك لاستهداف أولئك الذين يتحدون الحجر الصحي:
“وهلأ شو رأيكن بالحكي ضروري ننصب قناصات لتنضب الناس ببيوتا، لك افهمو يا ناس افهمو” في تهديد مباشر منه للناس للالتزام بمنازلهم بالقوة.”
تم حذف المنشور لاحقًا على فيس بوك، ولكن بقيت صورة منه كدليل.
تفشي الفيروس في سوريا وإنكار النظام
يدين نظام الأسد ببقائه إلى حلفائه الرئيسيين، بما في ذلك إيران. مع قلة عدد الحلفاء في المنطقة، اتكأت إيران على سوريا لحماية مصالحها، ودعم البلدان بعضهما البعض.
في شباط/فبراير، أصبحت إيران واحدة من أكثر الدول تضررًا بفيروس كورونا في العالم، مما يرجح أن تكون مصدر المرض في لبنان، والعراق، وسوريا، حيث كان هناك اختلاطًا عسكريًا بين قوات الأسد وإيران. بالإضافة إلى ذلك، استمر الحجاج والسياح الدينيون الإيرانيون في زيارة الأضرحة في دمشق حتى بداية شهر آذار/مارس، كما أفاد زكي محشي، المؤلف المشارك لدراسة نشرتها كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية في آذار/مارس.
استخدم نظام الأسد سياسية التضليل، والمراوغة، والإنكار بأعداد إصابات “كوفيد-19″.
أصر وزير الصحة، نزار اليازجي على إنكار وجود أي حالة إصابة في لقاء مع قناة “الإخبارية السورية” الرسمية في 13 آذار/ مارس في سوريا، بقوله: “أريد أن أقول الحمد لله الجيش العربي السوري طهر الكثير من الجراثيم الموجودة على أرض سوريا”.
لم تعلن وزارة الصحة عن اول إصابة “كوفيد-19″في سوريا حتى 22 آذار/ مارس، مما تسبب بحالة استياء وغضب في أوساط السوريين الذين أشاروا إلى كذب حكومة نظام الأسد واتباعها سياسة النكران: حيث قال أحدهم لموقع سوريا 24 :“مو على أساس صرحت حضرتك أنه تم القضاء على كل الفيروسات؟”.
مع ذلك، استمر النظام في الإبلاغ عن أعداد منخفضة بشكل غير منطقي.
طالب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في بيان في تاريخ 1 نيسان/أبريل المجتمع الدولي بالضغط على النظام بالكشف عن الأعداد الحقيقية، مؤكدا بأن هناك أعداد كبيرة من المصابين:
“إن المعلومات الميدانية التي تصلنا، تؤكد تفشي الفيروس بأعداد هائلة، بحيث بات من الصعب السيطرة على هذا الوباء”
النظام الصحي المتهالك
إن الاعتراف بهذه الجائحة محرج لنظام الأسد لأنه يجبر السلطات على الإقرار بأن النظام الصحي غير موجود.
حسب دراسة معهد لندن للاقتصاد والعلوم السياسية ، يُقدر الحد الأقصى لعدد الإصابات بكوفيد-19 التي يمكن معالجتها في القطاع الصحي السوري بعدد 6,500 حالة فقط في أمة يبلغ عدد سكانها الحاليين 17.5 مليون نسمة، وفي حال تجاوزت الإصابات هذا العدد، فمن المرجح أن ينهار النظام الصحي المتهالك أصلا بسبب الحرب.
خلال سنوات الحرب تسببت الهجمات العسكرية بدمار واسع في القطاع الصحي؛ بيانات من منظمة الصحة العالمية، ووزارة الصحة السورية توضح أن 58 مستشفى حكومي فقط يعمل بشكل كامل من بين المستشفيات الحكومية البالغ عددها 111 مستشفى.
كما توضح البيانات أن ما يصل إلى 70% من العاملين في القطاع الصحي قد غادروا البلاد كمهاجرين أو لاجئين، أما الباقين فغالبًا ما يتعرضون للمضايقة والتدخل العسكري والسياسي.
تقرير حقوقي: نظام الأسد قتل 669 من الكوادر الطبية بينهم 83 قضوا بسبب التعذيبhttps://t.co/sXWWtjrdVs#سوريا #روسيا #PYD pic.twitter.com/DOkV2kGsIP
— الائتلاف الوطني السوري (@SyrianCoalition) May 9, 2020
كوفيد-19 وسط كارثة إنسانية مستمرة
لعل التحدي الأكبر الذي يواجه العديد من السوريين هو تراكم الكوارث: الحرب، والأوبئة، والمجاعة. حذرت الأمم المتحدة في 26 حزيران/يونيو بأن سوريا تواجه الآن أزمة جوع “غير مسبوقة”، في الوقت الذي يلزم فيه اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع انتشار كوفيد-19.
وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، هناك ارتفاع بنسبة 11% في أسعار الطعام في أيار/مايو مقارنة بشهر نيسان/أبريل، و133% عند مقارنتها بنفس الوقت من عام 2019. في الوقت نفسه، أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية هذا الوضع في تقرير أصدره في 12 حزيران:
#سوريا :
?نقص في معدات الحماية الشخصية
?أزمة جوع لا مثيل لها
?جيل جديد لا يعرف إلا الدمار والحرمان
?ونقص كبير في التمويل..-اقرأ ما صرحت به الوكالات الأممية عن الوضع الإنساني في سوريا?@WFP_Syria @WFP_MENA @UNOCHA_ar @OCHA_Syria @WHOSyria https://t.co/8HxfcXxVNx
— أخبار الأمم المتحدة (@UNNewsArabic) June 29, 2020
مع تدهور الأوضاع الاقتصادية ، قال علي الأحمد البالغ من العمر 28 عامًا (اسم مستعار) من مدينة درعا للأصوات العالمية في مقابلة هاتفية أن “الوضع تعبان، شو ما اشتغلت، إذا بطلع لك كل يوم عشر آلاف ليرة [بين دولار واحد و 5 دولارات أمريكية] على الله يكفينك “، مضيفاً بأن غالبية الناس أُجبروا على الاستغناء عن الكثير من المواد الاساسية لشدة غلائها.
بين نظام الرعاية الصحية الذي دمرته سنوات الحرب والوضع الاقتصادي الذي أدى إلى إفقار العديد من السوريين، دفعت الجائحة البلاد نحو مكان مجهول وكارثي.