- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

التاريخ يعيد نفسه: إرهاب الدولة الصينية، وتفكك حركة التجديد الأويغورية الحديثة

التصنيفات: تاريخ, تعليم, حقوق الإنسان, صحافة المواطن, الجسر

رواد التعليم الوطني الإيغوري: أبليميت هاليس حاجم (إلى اليسار)، عبد الولي مقييت (في الوسط)، نورتاي حاجم إسكندر (إلى اليمين)، وشخصيات رئيسية في تنمية المجتمع المدني الأويغوري. شكل هؤلاء الثلاثة هدف لتعدي الدولة الصينية على مجتمع الأويغور. الصورة من قبل ديلنور ريحان، وميدين أبليميت، ومصرح باستخدامها.

لا تشتهر مدينة غُولجا [1] بكونها مركز التمرد الإويغوري فحسب، بل إنها كانت في أكثر الأحيان مكانًا لمقاومة السلطات الصينية، كما تزخر غُولجا، عاصمة جمهورية تركستان الشرقية [2] المستقلة الثانية في الفترة ما بين 1944 و1949، بالعديد من الأبطال ذوي الطابع الأسطوري مثل نوزغوم، والشجاع سدير، وأيضًا الشجاع غيني؛ بناءًا على هذا فإن هؤلاء لا يشكلون سوى جزءًا يسيرًا من هويتها: تضم المدينة أيضًا فنانين مرموقين وشخصيات أدبية مثل لوتبولا موتلييب، وزنون قادري، وتييبجان إليوف، وزوردون صابر.

تقع غُولجا في إيلي [3]، وهي منطقة ذاتية الحكم متاخمة لكازاخستان. استعمرت روسيا القيصرية إيلي لمدة 10 سنوات في نهاية القرن التاسع عشر، وكانت بمثابة معبر للتأثيرات الغربية القادمة من آسيا الوسطى الناطقة بالروسية؛ صارت إيلي أيضًا مهد لحركة التجديد [4] الأويغورية، وهي حركة نهضوية ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، تزعمها مفكرون ورجال الأعمال بهدف إصلاح الخطاب الإسلامي، والمجتمعات التركية الإسلامية باعتبارها جزء من حملة تحديث توسعية استلهمتها من النماذج الغربية والعثمانية. لعبت حركة التجديد الديني والإصلاح المجتمعي تلك دورًا في صحوة المجتمع الأويغوري ونضاله ضد الاستعمار الصيني والتعتيم الديني؛ فأفضى ذلك إلى أول تمرد وقع على جنوب الأراضي الأويغورية، والذي تمخض عنه أول جمهورية تركية إسلامية في تركستان الشرقية [5] التي دامت من عام 1933 حتى عام 1934.

تعرض هؤلاء المصلحون الدينيون والمثقفون -الملقبون بالمجددين [4] في كل أنحاء آسيا الوسطى- للطرد، والسجن، بل والقتل على أيدي العديد من ممثلي القوى الاستعمارية الصينية خلال الفترة ما بين 1930 و1940- المعروفة باسم “الإرهاب الأبيض” [6]. لم يقتصر الأمر على ذلك بل أُحرق مفكرون مثل لوتبولا موتلييب، وعبد الخالق أويغور، وإنفر ناصري، وأيضًا ممتيلي توبيق (مؤلف النشيد الوطني لتركستان الشرقية) أحياءً. كما راح ضحية الحزب الحاكم في الصين آنذاك، الكومينتانغ، أي شخص يمكن أن يشكل خصمًا له: سياسيًا كان أو عرقيًا.

أبليميت هوشور هاليس حاجم. الصورةمن قبل ميدين أبليميت، ومصرح باستخدامها.

أصبحت إيلي، خلال عصر الجمهورية الثانية لتركستان الشرقية والتي استمرت من عام 1944 إلى عام 1949، أكثر مقاطعة من بين المقاطعات العشر لإقليم الأويغور تقدمًا فيما يتعلق بالثقافة والتعليم، واستطاعت إلى يومنا هذا أن تحتفظ بروحها الاستقلالية، وأن توفر نافذة على كل ما هو جديد وعصري وارد من الخارج. منذ التسعينات، لم يوفر رجال الأعمال الأويغوريين أي فرصة يمكن اغتنامها للتجارة خارجًا مع أواسط، وجنوب آسيا الشرقية، وأيضًا تركيا؛ استثمر العديد منهم، ومن بينهم مستثمرو غُولجا، في دعم تعليم شباب الأويغور في الجامعات المرموقة بالبلدان الأخرى.

كان من بين رجال الأعمال هؤلاء، الذي جنى ثروته من العقارات، أبليميت هوشور هاليس حاجم. كان معروف عنه دعمه الخيري لتطوير الهوية الثقافية للأويغور. اجتمع هاليس حاجم مع رفقاه من رواد الأعمال صداقجان، وعبد الرشيت حاجم، وأيضًا ميمتمين تيوكول، مع حوالي 200 من وجهاء الأويغور ليجمعوا 1.5 مليون يوان (أي ما يعادل 200 ألف دولار أمريكي) لإنشاء صندوق إيلي هاليس، أول صندوق خاص للتعليم العالي بالإقليم، وقد أُسندت مهمة إدارة الصندوق إلى المعلم التربوي والشخصية العامة عبد الولي مقييت، حيث شجع هاليس حاجم الآخرين من رواد الأعمال الأويغوريين على المساهمة وتوفير الفرص لطلاب الأويغور من المنطقة؛ كانت أول الدفعات المستفيدة من الصندوق مجموعة من 800 طالب تسربوا من التعليم قسرًا نظرًا لحاجتهم إلى المال، وقد تمكنوا الآن من العودة إلى دراستهم.

بعد مرور عام على تأسيس صندوق إيلي هاليس، أسس أحد شباب المستثمرين في غُولجا، نورتاي حاجم إسكندر، أول مدرسة للأيتام. عُين عبد الولي مقييت مجددًا لتولي المسؤولية الضخمة في إرساء قواعد للتعاملات اليومية في المدرسة، والتنسيق مع الدولة، والترويج الإعلامي، وتوظيف المعلمين، والميزنة، واختيار الطلاب، وحتى اختيار موقع مبنى المدرسة.

نورتاي حاجم إسكندر مع أبناء مدرسته. تصوير ديلنور ريحان، ومصرح باستخدامها.

وقع الاختيار على مقاطعة مسالمة ومشجَّرة تطل على شارع رحب على ضفاف نهر إيلي، على بعد أمتار قليلة من قلب المدينة الصاخب المفعم بالضجيج، كمقر جذاب، وعصري لمبنى مدرسة تضم معالم أويغورية تقليدية. استقبلت المدرسة في البداية 60 طالبًا يتيمًا، إلا أن هذا العدد ارتفع سريعًا إلى عدة مئات من جميع أنحاء الإقليم في السنوات التي أعقبتها؛ كانت جميع متطلبات الطلاب، من المرحلة الابتدائية إلى نهاية دراستهم الجامعية، محط اهتمام نورتي حاجم، وبمساندة فاعلي خير آخرين من الأويغور.

مدرسة نورتاي حاجم إسكندر في مدينة غُولجا. تصوير ديلنور ريحان، ومصرح باستخدامها.

ذاعت شهرة نورتاي حاجم إلى ما وراء إيلي، بل وكافة أرجاء قطر الأويغور. فقد صار هو وأبليميت هاليس حاجم رمزًا لتطور ريادة الأعمال حيث أصبح عهد التجديد برمته معروفًا به؛ وبدأت، على إثر هذا التطور، أعداد متزايدة من رجال الأعمال الأويغورين الاستثمار في مشروعات مماثلة.

واصلت الدولة الصينية في عام 2017، شن حملتها بإرهاب إقليم الأويغور من خلال استهداف المفكرين، وكبار رجال الدين، وأيضًا رواد الأعمال بالمنطقة. ومن المؤسف – ومما لا يثير الدهشة، كان نورتاي حاجم أحد ضحايا حملة الاعتقالات تلك، فأُغلقت مدرسته بل وتحولت إلى معسكر اعتقال [7]. فضلًا عن ذلك، أفادت تقارير عن اعتقال أغلب المعلمين ولم يكن من الواضح مصير الطلاب.

لم يكن من الغريب أن يكون عبد الولي مقييت مستهدفًا آخر من الإرهاب الذي تمارسه الدولة الصينية؛ كان جده قد خدم في حكومة جمهورية التركستان الشرقية، نظم مقييت، الذي شغل منصب رئيس مديرية التعليم في مدينة غُولجا، الذكرى المئوية لمدرسة غُولجا رقم 2 عام 2002، مجموعة من المدارس المتوسطة والثانوية التي كانت الأقدم في منطقة الأويغور. كما أنه أسس أيضًا في عام 2014، مكتبة بلال نظيمي، التي سرعان ما احتلت مكانًا مهمًا في الحياة الثقافية للمجتمع، كانت تلك المكتبة محل لتجمع الأويغوريين من مختلف الطبقات الاجتماعية لإلقاء المحاضرات وإجراء النقاشات هناك.

عبد الولي مقييت في مكتبة بلال ناظمي في مدينة غُولجا. تصوير ديلنور ريحان، ومصرح باستخدامها.

لم يكن الوصول سهلًا لحقيقة ما يجري عليه الأمر هناك على أرض الأويغور، التي تعد أحد أكثر المناطق مُراقبة على مستوى العالم. يبعث هذا الوضع على نشوء كثير من الشائعات، تبين أن بعضها محض كذب، لكنها أثبتت صحة ادعائها في كثير من الأحيان.

عمَّ الشتات الأويغوري لفترة شائعات عن وفاة نورتاي حاجم أثناء اعتقاله، وذلك على غرار الشائعات التي لاحقت الموسيقار والمغني الشهير عبد الرحيم حييت، التي اُكتشف زيفها نهاية الأمر؛ نفى أقارب نورتاي حاجم الشائعة كذلك، فلم يعلموا بحكم المؤبد على نورتاي حاجم بالسجن إلا عبر القنوات غير الرسمية في أوائل عام 2020. أفادت التقارير أن عبد الولي مقييت تلقى نفس الحكم، وبما أن الصين لا تدلي بأي معلومات رسمية تخص هذا الشأن، سيكون من المستحيل التحقق من هذه الأخبار.

أما عن أبليميت هاليس حاجم، فلم يتلق أولاده، المقيمون في الخارج، أي أخبار عما إذا كان قد أُطلق سراحه، أم حُكم عليه.

كان هؤلاء الثلاث رجال بمثابة الركائز للتعليم الوطني ليخرجه بعيدًا عن الأطر الرسمية، وشخصيات محورية في تنمية المجتمع المدني الأويغوري، بالإضافة لكونهم من رواد الأنصار لتيار التجديد الحديث – في سياق سعيهم لتطوير التعليم، والهوية، والمجتمع الأويغوري أيضًا؛ فقد سعوا لإرساء أساس جديد يقوم عليه مجتمع يعتز بتقاليده ولا ينكر الحداثة في آن واحد، ومشهود له بالتزامه بالحداثة، والانفتاح، مثلهم كمثل العديد من فناني ورجال الأعمال الأويغوريين الآخرين؛ وقد كان لاعتقال هؤلاء الثلاث رجال واختفائهم لاحقًا من غُولجًا أثر مروع على مجتمع الأويغور.

سعت سياسة الإرهاب الأبيض التي انتهجها الحاكم الصيني لإقليم الأويغور، شينج شيكاي [8]، إلى استئصال الطبقة الفكرية، والبرجوازية الأويغورية من أجل إخضاع أمة الأويغور، في أواخر 1930 وبدايات 1940. الواقع أن لتفكيك المجتمع الأويغوري الذي اضطلع به سكرتير الحزب في إقليم شينجيانغ في الآونة الأخيرة، تشين كيانجوو [9]، تحت قيادة شي جين بينج، أثره الكبير على الكثيرين وكأنه إشعار عودة إلى تلك الفترة من الاعتقالات والتعذيب.

*يود الكاتب أن يشكر المفكر الأويغوري-استرالي سيليم كمال، وميدين أبليميت، ابنة ألبيميت هاليس حاجم، على تقديم المعلومات عن حياة عبد الولي مقييت، وأيضًا أبليميت هاليس حاجم.