عبر مرآة المستشرقين: مقابلة مع الفنانة المغربية للا السيدي

Essaydi

للا السيدي، قصر الحريم 2009. 180.4×223.5 سم

الفنانة المغربية “للا السيدي”، هي فنانة عمرها أربعةٌ وستون عامًا، ومعروفة بأعمالها الفوتوغرافية المبهرة ذات الأبعاد المتعددة. كما تتسم أعمالها بالبساطة وبالبراعة في التقاط صورها، متحديةً تعقيدات البُنى الاجتماعية وهوية المرأة والتقاليد الثقافية.

لا تقتصرأعمال “السيدي” الفنية على إعادة تقديم التقاليد المرئية فحسب؛ بل إنها تعتمد السحرالغربي مع الجواري والحجاب وقصر الحريم بكل تأكيد، تعبيرًا عن الرسم الاستشراقي.

قالت “السيدي” في مقابلتها مع “جلوبال فويسز”: “تُعبر أعمالي في المقام الأول عن الهوية المغربية، ولكن بعض المُعرِّفات المرئية مثل الحجاب وقصر الحريم والزخارف والحُلي والألوان المُترفة يرجع صداها أيضًا لمناطق أخرى في العالم العربي والإسلامي حيث جليٌ أن تتقيد المرأة بحدود التعبير والاستقلالية عبر العصور”.

ترعرعت “السيدي” في “المغرب” وعاشت في “المملكة العربية السعودية” وفي “فرنسا” وتعيش حاليًا في “بوسطن”. قدمت عروضًا في المتحف القومي للفن الأفريقي في “واشنطن” العاصمة، وفي معهد شيكاغو للفنون، ومتحف “فرايز” في “هولندا”، والكثير.

“السيدي” هي شاعرة الهندسة المعمارية وجسد المرأة والألوان حيث تغمُرالكلمات تأليفاتها وتغمر حضور المرأة الجريء والخوف المُتوَارَى في عينيها مُعرقلةً كل معادلات الجمال.

فيما يلي، مقتطفات من المقابلة.

Lalla Essaydi

الفنانة المغربية “للا السيدي”

أوميد ميماريان: قمتِ خلال العقدين الماضيين بأعمالٍ فنيةٍ بارزة متبنيةً فيها تحدي مفاهيم البُنى الاجتماعية والتعليق على السُلطة. كيف وجدت وطورت هذه اللغة المرئية؟

ليلى السيدي: يتأصَّلان بعمقٍ المنهج الذي أتبعه في الفن بشكلٍ عام، وعلاقتي بالفن الاسلامي بشكلٍ خاص في خبرتي الشخصية. كفنانة وُلدت في “المغرب” وعاشت بنيويورك، بوسطن و”مراكش” وتتردد كثيرًا على العالم العربي، أصبح لدي خبرة في كيفية رؤية “الشرق” و”الغرب” لبعضهم البعض، وبالأخص في تأثير النظرة الغربية للثقافة العربية.

يقترح الاستشراق في أغلب الأحيان رؤيةً أوروبيةً للشرق تعود للقرن التاسع عشر. تتمثل هذه الرؤية في مجموعة من الافتراضات تعيش عليها حتى يومنا هذا: في كلًا من النظرة الغربية واستمرارية المجتمعات العربية في تقبلها لتلك النظرة والرد عليها. فكانت رؤية الاستشراق في صحوتها “رؤيةً” أدبيةً مهمتها البحث عن كل ما يعبرعن أعمال رسامي الغرب الذين سافروا إلى بلاد الشرق “العجيبة” بحثًا عن ثقافات أزهى من ثقافتهم. استعنت بهذه الرؤية كنقطة انطلاق في الكثير من أعمالي في الرسم والفوتوغرافيا.

راودتني الشكوك حول التشبيه الذي وجدته في الرسم الاستشراقي إلى أن ساعدني أخيرًا في جعل خبرتي الشخصية في موضع لغةٍ مرئيةٍ ذات قوة.

استكشف ذلك المكان خلال تصويري، سواء كان استكشافي هذا من جانب عقلي أم من جانب جسدي، وأبدأ في استجواب دور هذا المكان في صنع الهوية النوعية بينما أربط بين قرونٍ من الإرث الثقافي والممارسات الفنية. على سبيل المثال، صوري للنساء التي يتضمنها الفن المعماري الإسلامي. هذه الصور توضح بديل لأماكن مماثلة ومتعارف عليها، كما هو مُتَصَوَر للنساء في الرسوم والفوتوغرافيا من داخل العالم العربي والإسلامي. دمجي لفن الخط (فن مُقدَّس يمارسه الرجال على حسب التقاليد) والحنة ( زينة تتحلى بها المرأة فقط) يولِّدان معًا بشكل مماثل تقاليد وممارسات فنية مشتركة في الحياة اليومية للثقافات الاسلامية، وفي نفس الوقت تُخالف الدورالنوعي والحدود بين الأماكن الخاصة والعامة.

Lalla Essaydi

للا السيدي، قصر الحريم 2009

أ.م: وُلدتِ وترعرعتِ في “المغرب”، وقضيتِ تسعة عشر عامًا في “المملكة العربية السعودية”، ثم انتقلتِ إلى “باريس” للدراسة، ووجهتك الأخيرة كانت “الولايات المتحدة”، درستِ واستقريتِ هناك. كيف أثَّر هذا المسار الجغرافي في تخصصكِ الفني، ورؤيتك للنساء، ووجودهم في صورك؟

ل.س: حياتي الشخصية بالماضي هي مصدر إلهامي، فالمناطق المُدمجة في أعمالي ليست مناطق ذات خلفية جغرافية وحسب بل إنها من وحي الخيال الذي شكلته طفولتي وذكرياتي__تلك هي المؤثرات غير المرئية. لا تقتصر أعمالي على الحديث الاستشراقي، فقد رأيت من خلال عدسة الاستشراق كيفية التركيز على التقاء المناطق بأعمالي، كما رأيت من خلالها أيضًا تأثير الخيال الغربي بشكلٍ أوضح في طُرُق الشرق في تصور الذات. على مستوى شخصي أكثر، أعتبر ممارساتي الابداعية وسائل أستطيع من خلالها إعادة ابتكار ووضع نفسي في أزمنة مختلفة وسياقات ثقافية.

كما أحتفي بالغِنى الثقافي المغربي وبدُوَل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على الرغم من أنني أميل إلى اعتبارأعمالي، في المقام الأول وقبل كل شئ، عن تجربة المرأة، لكن يمكنني القول أن تلك العناصر أيضًا ذات أهمية، فهي لا تطرأ بشكل عَرَضي بل هي جزء من الصفات المتأصلة التي أستحضرها في رؤيتي و أعمالي.

Lalla Essaydi

للا السيدي، عودة الرصاص 2014.

أ.م: كيف ساهم حصولك على البكالريوس والماجيستير في الفنون الجميلة من جامعة “تافتس” ومن كلية متحف الفنون الجميلة في حياتك المهنية والتحول الفني؟ هل توقعتِ أن يكون للتعليم تأثيرًا؟

ل.س: سجلتُ في مدرسة المتحف لأنني أردت العودة إلى المغرب لأسعى وراء تطوير هوايتي واكتساب معرفة ومهارة أكبر، ولكنني وجدت حياتي المهنية عوضًا عن ذلك.

تعلمت أن بعض الأمورالموجودة في حياتنا والأكثرأهمية تحدث صدفةً. نأخذ صفًا في الرسم فنكتشف عالمًا جديدًا كله في متناول أيدينا: منتظرين استيعابه لنتمسك به. نأخذ درسًا في الرسم فنكتشف تاريخ الفن، والتركيب، والفوتوغرافيا، والكثير الكثير. ننظر لكوب ماء فنكتشف محيطًا ينادينا ونلبي نحن هذا النداء.

لم أحلم أبدًا أن أقضي سبعة أعوامٍ في هذا المحيط مغمورةً بكل ما تقدمه المدرسة، وأن أتعلم الكثير مما لم أتوقع يومًا أن أتعلمه.

كانت هذه المدرسة، ومازالت، مدرسة الفنانين صُممت من قِبل الفنانين للفنانين: حيث يختار الطلاب بحرية مايريدون أن يتعلموه، حيث يتم تقديم مواد دراسية اختيارية فقط ولا يوجد صفوف إجبارية. عندما ندرك وجود كل هذه الثروات المتاحة لا نريد إلا أن نتعلم كل شئ بنهم.

كنت أشعر في بداية الأمر بالغمور، فقد كنت واحدة من هؤلاء الطلاب الذين يجوبون ممرات المدرسة إلى وقت متأخر في الليل، كنت أُمعن النظر في الغرفات الخالية بزخارفها الصامتة أيًا كان ما تم تدريسه وسط تلك الزخارف.

في النهاية، علمتني المدرسة درسًا آخر، مع كل تلك الفرص والثروات الفنية العظيمة والحرية الهائلة في الاختيار، تأتي المسؤولية.

المسؤولية تعني الانضباط أولًا، ثم وضع الأولويات، يتبعها تعلم مهارات وتقنيات جديدة. يأتي بعد ذلك توجيه الذات حيث أننا نتعلم ونفهم طُرقًا جديدة في تفكيرنا بالفن، وأن نطمح للقيام بأمور مهمة في حياتنا.

قدمت لي مهنتي شيئًا آخر، شيئًا لم أتوقع أن أحصل عليه. لقد أهداني هذا المحيط العام مساحة شخصية خاصة، مساحة لم أمتلكها في موطني من قبل. قدمت لي مساحة خاصة حيث أستطيع التعبيرعن أفكاري بكل خصوصية بعيدًا عن المعلومات الكابحة المتاحة للجميع. كما مكنَّني من اكتشاف وإبراز جوانب من حياتي الشخصية لم أكن على علم بوجودها داخلي.

بينما كنت أتعلم أن الابداع الفني ناتج عن خبرة شخصية بشكلٍ مكثف، تعلمت أيضًا أنه لا يمكنك أن تبدع إلا بمساعدة أشخاص موهوبين ومخلصين: أشخاص يُدرِّسونك ويُرشدونك، أشخاص يشجعونك ويحتضنوك، أشخاص يلهمونك لتستمر في النجاح ولتبدع أشياءًا مُتقنة وجميلة وحقيقية. تستطيع القول بكل وضوح لقد أحببت هذه المدرسة.

Lalla Essaydi

للا السيدي. لوحة “لا فام دو ماروك: الجارية العظيمة، 2008″

أ.م: تتخذ المرأة والمساحة الخاصة بها في العالم العربي مكانة رئيسية في سلسلة “قصر الحريم” وأعمالٍ لكِ غيرها. من أين نبت فضولك للمرأة ،وهل تغير مع مرور الوقت؟

ل.س: امتدت أعمالي لما وراء الثقافة الاسلامية كما استندت لافتتان الغرب بالجواري والحجاب وبالطبع قصر الحريم كما هي موضحة في الرسم الاستشراقي. يظل الاستشراق هو مصدرإلهامي الساحر، فخلفيتي عن الفن هو الرسم، وهو ما بدأت به مشواري في استكشاف الاستشراق كرسامة. توصلت بشكل أعمق من خلال دراستي إلى فهم كيفية رسم مساحات في غاية الجمال على أيدي رسامين اسشراقيين يذوبون في عشق الديكور العربي، فمن خلال روعة مقام هذه المساحات أدركت مدى أهمية الديكور في الأماكن ذات الثقافة العربية/الإسلامية، وبالطبع أدركت أنماط الهيمنة الثقافية والخيال الجنسي المفترس المُشفَّر في الرسم الاستشراقي.

ميماريان: تُجسد أعمالك الفنية عدة طبقات، طبقة جميلة مبهجة من الخارج وطبقات أخرى تدمج بين فن الخط والحنة والسيراميك وكذلك عارضات الأزياء. تكاد تكون الأخيرة فكرة مبتذلة، ولكنها تخلق أيضًا متاهة بصرية غامضة وحيوية. فكيف تصفين الإبحار في مثل هذا التخصص الدقيق؟

السيدي: من المهم أن تكون أعمالي جميلة، فبينما تستقبلها كلًا من السياقات العربية والغربية بشكلٍ مختلف، إلا أن كلاهما يُقدِّران جماليات العمل، ولكن ما أراه أكثر أهميةً هو أن تنجح الصور في أن تحقق توازنًا بين محتواها السياسي والتاريخي والجماليّ، وأن تعبر عن الفن أيضًا.

لكن في حقيقة الأمر أتلقى انتقادات أحيانًا لإدامة التوقعات والأفكار النمطية بدلًا من تفنيدها من جانب، ولإظهارها بينما كان يجب اخفاءها من جانبٍ آخر، ويُشير ذلك بأن ردود الأفعال على أعمالي موضوعية جدًا ومُحَدَّدة السياق وتميل أن تحتوي على المعلومات الثقافية، ومُخففةً بغموض المعنى الحرفي للعمل، لكن ربما ينقصها أكثر ردود الأفعال سهولةً وبديهيةً ألا وهي فهم الأفكار النمطية. مع ذلك، تُقدم أعمالي، بدقةٍ مدروسة، مفاهيم بديلة وصعبة عن اللوحات الاستشراقية الكنسية بالقرن التاسع عشر. أعتبركفنانة آتية من هذه المناطق المُصورة أن أعمالي لغم ذا صوتٍ مكبوت تاريخيًا “يُعَّقِّد أي إطار أنيق للشريعة”. بالاعتماد على أجهزة بصرية مماثلة، أحاول أن أشركه في حوارغير مألوف وغير مريح، وأُعيد تحديد موضع للتنوع الاستشراقي في تاريخ الفن.

Harem Revisited #34, 2012

عودة الحريم #34، 2012

أ.م: قلتِ في مقابلة لكِ عام 2012 أن عارضات الأزياء “يعتبرن أنفسهن جزء من حركة نسوية صغيرة”. بما أنكِ تعتبرين “الحرية” لها مكانة أساسية بين اهتماماتك، وكما يبدو أن العديد من أعمالك تُعيد تشكيل التقاليد من جديد، كيف لتلك التشكيلة المتناقضة أن تُكوِّن نتائج متحررةٍ هكذا؟

ل.س: تبدو أعمالي أنها “تُعيد تشكيل التقاليد” لكنني أحاول بناء مفهوم جديد في حقيقة الأمر.

تتعدد أسباب تلك النتائج المتحررة، فالأداء في صوري الفوتوغرافية يُعَد عنصرًا جوهريًا، والدلائل في تراكيب الملامح الدقيقة، وطريقة الكتابة، وأهم سبب هو حدة حضور العارضة المتجسد مما يجعلها كائنًا وليس جمادًا.

كما أطرح من خلال الكتابة أفكار وذكريات وخبرات شخصية مجرَّدة تخصني وتخص السيدات اللاتي تتميزن بشخصياتٍ فردية في حكاياتٍ واسعة المدى، وبرغم أن أعمالي تتحدث بشكل رئيسي عن الهوية المغربية والمُعرِّفات البصرية مثل الحجاب وقصر الحريم و الزخارف والألوان المترفة، ولكن يدوي صداها في مناطق العالم العربي والاسلامي حيث معروفٌ عبر التاريخ حدود التعبير للنساء وتقييدهم.

بينما تُثير أعمالي الجماليات التقليدية والنشاطات الاجتماعية  للمنطقة أُضيف بُعدًا آخرلتعقيدها: حكايةً شخصية تتشكل على هيئة كلمات مكتوبة.  أصواتٌ فوق أصواتٍ من النصوص، يعلو صوت المرأة مُحدِّثةً خواطرحساسة وذكريات تستنطقها، تم التقاطها في صوري الفوتوغرافية. أكتب في نفس الوقت مُقدمات تاريخية عن السيدة المغربية والعربية والاسلامية والافريقية. إذن، لفهم أعمالي يجب دراسة المفاهيم المُسبقة القديمة التي تبنتها الشعوب المختلفة عبر الزمن، بما فيهم أنا.

Lalla Essaydi, Bullets, Jackson Fine Art. February 3 - April 15, 2017

للا السيدي، رصاص، جاكسون فاين آرت، 3 فبراير/شباط-15 أبريل/نيسان 2017

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.