حول إصلاح قانون حق الحصول على المعلومات في السودان

تظاهرون بالقرب من مقر الجيش السوداني في الخرطوم في أبريل 2019. تصوير م. صالح (CC BY-SA 4.0)

ترجمة روح ناصر

شكّل شهر ديسمبر من عام 2018 علامة فارقة في تاريخ السودان الحديث؛ إذ شهِد بدايات احتجاجات سِلمِيّة في مدنٍ سودانية خارج العاصمة الخرطوم، تحولت لاحقاً إلى ثورة سياسية استطاعت الإطاحة بنظام عمر البشير العسكري، الذي حكم البلاد على مدى الثلاثين عامًا الماضية.

لم يحافظ نظام البشير على سلطته باسكات الأصوات المعارضة له من خلال إعدام المعارضين، وإشعال الحروب الأهلية، بالإضافة للفساد الذي لازم منسوبيه على مر تاريخ حكمهم فحسب، بل قام بتشريع وتنفيذ قوانين تحمي وتخدم مصالحه، وواحدة من ضمنها “قانون حق الحصول على المعلومات” السوداني لعام 2015 الذي ما يزال نافذًا حتى الآن، حيث يضع قيوداً على حق الوصول إلى المعلومات.  في سودان ما بعد الثورة،  يرى الناشطون السودانيون بإنه يجب تعديل هذا القانون، وذلك في إطار بناء دولة مدنية ديمقراطية.

قانون حق الحصول على المعلومات في السودان كعملية تجميلية لاغير

لقد كُفل حق حرية المعلومات في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما كفل في عضوية السودان في كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

تنص المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن:” لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيُد بالحدود الجغرافية”.

تنص المادة(9) من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب:”لكل شخص الحق في الوصول إلى المعلومات”.

يُعتبر قانون حق الحصول على المعلومات في السودان الأول من نوعه، بالرغم من أن المادة 39 (1) من الدستور الإنتقالي السوداني للعام 2005 أقرت بحق تلقي المعلومات ونشرها.

يحتوي القانون على 19 جزءًا و8 فصول، ويوجد  فيها قصور واضح، خصوصًا فيما يتعلق بنوع المعلومات التي يُسمح للأفراد بالوصول إليها. عندما صدر القانون في عام 2015، تداوله الناشطون السودانيون بكثير من الشك وتساءلوا عمّا وراءه من أجندة.

انتقد المحامي السوداني المعروف، علي عبدالرحمن خليل- في ورقة منشورة له تحت عنوان “هل يعتبر قانون حق الحصول على المعلومات للعام 2015 خطوة للأمام؟”- معتبراً أن القانون مجرد عملية تجميلية هدفها الوحيد هو إظهار سجلات الحكومة السودانية المتعلقة بقضايا الشفافية والمحاسبية بصورة جيدة.

قامت الصحفية سلمى معروف بمُهاجِمةً التوقيت الذي أُصدِر فيه القانون والأجندة وارءه:” إن السلطات السودانية تحاول استخدام هذا القانون لتفادي تصنيف منظمة الشفافية الدولية والذي وضع السودان في أسفل قائمة الدول باعتباره الأقل شفافية”.

من جانيه قام المدون السوداني، أسامة محمود، بانتقاد القانون والاستثناءات التي يضعها للوصول إلى المعلومات قائلاً: “لقد قامت السلطات باصدار هذا القانون ليتمكنوا من ملاحقة الصحفيين في حال تجاوزوا حدود السلطة، وقال سابقًا عندما تم إصدار القانون في عام 2015 إنه يجب حماية الصحفيين .

عيوب القانون

يحتوي القانون على 12 نوعًا من المعلومات التي يُحظر المواطنون من الوصول إليها، والتي تتعلق بالأمن القومي والسياسة الخارجية، وتُوضح لغة هذه المواد غموضًا مقصودٌ به حماية مصالح السلطة الحاكمة.

كما توجد عقبة أخرى، ألا وهي رسوم الوصول للمعلومات، حيث ينص القانون على أنه :” يجوز  للدولة فرض رسوم بناءً على موافقة المُفوّض، وذلك لتغطية تكاليف إعداد وتقديم المعلومات”.

بينما يمكن للحكومات فرض رسوم على الذين يطلبون المعلومات، لا يجب ان يكون ذلك كنوع من ردع طالبي المعلومات، وألّا تتجاوز التكلفة الفعلية عن البحث، وإعداد، وتقديم المعلومات، حسب  الفصل 19، مؤسسة غير ربحية.  كما تعتبر هذه الرسوم المفروضة للوصول للمعلومات في بلد نصف مواطنيها فقراء حاجزًا حقيقيًا يمنع المواطنين من التمتع بحقهم في حرية الوصول للمعلومات.

في محاولة واضحة لإسكات الأصوات المعارضة، أهمل القانون الإشارة إلى حماية طالبي المعلومات من التعقب والهجوم من قبل السلطات، أو الأفراد، أو أي جسم آخر له مصالح في إخفاء المعلومات عن الرأي  العام. كما لاتوجد مادة تحمي المُبلغين عن المخالفات الذين يسربون المعلومات بهدف إظهارها للرأي العام، على سبيل المثال حُوكم ضابط الشرطة السابق أبوزيد عبدالله صالح في العام 2014 بتهمة “التشهير”، وتم تجريده من رتبته، وحُكم عليه بدفع غرامة وسجن لمدة أربع سنوات لأنه سرّب معلومات تتعلق بقضايا فساد داخل منظومة قوات الشرطة السودانية.

في المقابل أقر القانون بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الوصول إلى المعلومات، وتساءل الناشط الحقوقي في حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، الرضي عبد الله عن كيفية توفير هذه المعلومات على حسابه على “تويتر”:

 

“ينص قانون المعلومات السوداني على أن طلب المعلومات يمكن تقديمه شفويا من قبل الأشخاص ذوي الإعاقة. ومن المفارقات، أن القانون نفسه لا يذكر معلومات حول كيفية توفير المواد لمقدمي الطلبات ذوي الإعاقة”.

حرية المعلومات وسيلة لمواجهة التضليل

عند الحديث عن انتشار الأخبار الكاذبة أو المعلومات المضللة فالسودان ليس مستثنى. أثناء الاحتجاجات ضد النظام السابق، والتي هدفت إلى إنهاء الحكم العسكري، وثّق الصحفييون والناشطون العديد من حالات التضليل المعلوماتي مثل صور تم التلاعب بها، وحملات تضليل معلومات برعاية من الحكومة، وحسابات مزيفة على موقع “انستغرام” عملت على اختطاف حملات التضامن والتبرع للثورة.

تدعونا هذه الحوادث إلى معرفة حاجتنا الماسّة لقانون يحمي حرية المعلومات حتى يُسهّل على الصحفيين والإعلاميين مواجهة التضليل المعلوماتي، فيجب على السلطات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص البدء في مشاركة المعلومات عبر الانترنت وجعلها في متناول يد الجماهير، وقد تسهل هذه الخطوات جهود التحقق من مصداقية وحقيقية الأفراد.

عُيِّن الدكتور عبدالله حمدوك رئيسًا للوزراء في السودان في 21 أغسطس، وقد أدى اعضاء مجلس السيادة اليمين كجزء من اتفاقية تقاسُم السلطة على مر الثلاث سنوات الانتقالية لتتوج بحكم مدني وفقًا للوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية للعام 2019.

قد ألغت الوثيقة الدستورية- التي وقعها كل من المجلس العسكري الانتقالي و قوى إعلان الحرية والتغيير ممثلة للغطاء السياسي لقوى الثورة- ألغت الدستور الانتقالي للعام 2005.

بموجب الوثيقة الدستورية؛ تظل كل القوانين التي صدرت من قبل سارية ما لم يتم إلغاؤها أو تعديلها، فيما نصت المادة 56 من الوثيقة الدستورية: “لكل مواطن الحق الكامل في حرية التعبير، وتلقي، ونشر المعلومات والمطبوعات، والوصول إلى الصحافة، دون الإخلال بالنظام العام والسلامة، والأخلاق، على النحو الذي يحدده القانون”.

الجدير بالذكر أن القانون الذي تم ذكره في الوثيقة الدستورية هو قانون حق الحصول على المعلومات السوداني نفسه المليء بالعيوب، والذي صُمم لخدمة السلطة وليس لمساعدة الأفراد للوصول إلى المعلومات.

أصبح للمواطنين المزيد من الفرص لنقاش واقتراح قوانين جديدة بعد تعيين حكومة إنتقالية جديدة، وبعد تعيين المجلس التشريعي الإنتقالي،  يمكنها أن تُلبي حاجة المواطنين السودانيين الحقيقية لبناء سودان جديد، تُتاح فيه حرية المعلومات، وتخدم حق الجماهير في الوصول للمعرفة لتمكنهم من محاسبة السلطة السياسية.

التحدي الماثل أمامنا الآن يتلخص في رفع الوعي العام بأهمية تعديل هذا القانون، لكن المعنى الحقيقي للثورة يمكن أن يُترجم في تصحيح هذا القانون، والذي يعتبر الحرية معركة طويلة لا تنتهي فقط باطاحة الدكتاتور عن كرسي السلطة.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.