أحدث ظهور شبكة الإنترنت تغيرًا جذريًّا في كيفية نشر الأفكار ومشاركتها، مما أدى إلى كسر الحدود والاستغناء عن الوسطاء، لكن هذا التغيير حمل معه عبئًا جديدًا يتمثل في وضع الأنظمة والسياسات لإدارة المحتوى.
في السودان، حيث لا ينفذ إلى الإنترنت سوى 31 في المئة من السكان، تسعى المنصات الإلكترونية جاهدةً إلى تنفيذ المبادئ التوجيهية والأنظمة لرصد المحتوى الذي يعتبر ضارًّا مثل خطاب الكراهية والمعلومات المضللة.
في الوقت نفسه، لا تلتزم عادةً شركات التكنولوجيا التي تتخذ الولايات المتحدة مقرا لها مثل فيسبوك، وإنستغرام، وتويتر، بالإجراءات المنشورة مسبقا؛ وفي حالاتٍ كثيرةٍ، تخفق هذه المنصات الموجودة في الولايات المتحدة في التصدي للمحتوى الضار.
إسقاط الوثائق، وانتحال الشخصية، ونشر معلومات مضللة
أبلغت لجين محمد، الناشطة السودانية في مجال حقوق المرأة، في شهر أيار/مايو عن حساب إنستغرام مفتوح عرض صور نساءٍ سودانياتٍ دون إذنهن، وهو ما انتهك إرشادات المجتمع لدى إنستغرام، التي لا تسمح للمستخدمين بنشر صورٍ لم يلتقطوها أو لا يملكون حق مشاركتها.
أكدت لجين في مقابلةٍ لها مع جلوبال فويسز عبر البريد الإلكتروني، أن المنصة التي تملكها فيسبوك، ما زال يتعين عليها اتخاذ التدابير اللازمة وأن الحساب مازال مفتوحًا، لأن إنستغرام خلصت إلى أنه لا ينتهك سياساتها، كما أضافت بأن هذه التجربة دفعتها إلى ممارسة الرقابة الذاتية بصورة أكبر على المحتوى الذي تشاركه على وسائل التواصل الاجتماعي:
Having been threatened by the admin of the page to share the rest of my pictures if I continued asking people to report the page made me a bit hesitant about continuing to campaign against such pages, as it threatened my personal safety.
إن تعرضي لتهديد إدارة الصفحة بنشر باقي صوري في حال واصلت طلب التبليغ عن الصفحة من الآخرين، جعلني مترددةً قليلًا بخصوص مواصلة الحملة المناهضة لمثل تلك الصفحات، نظرًا إلى تعرض سلامتي الشخصية للتهديد.
إن هذه الممارسة المتمثلة في نشر صور النساء دون موافقتهن ليست أمرًا جديدًا في السودان.
ففي عام 2016، تعرضت أكثر من 15 ناشطة لإسقاط الوثائق (أو الدوكسينغ) على صفحة في فيسبوك تحمل اسم “سودانياتٌ ضد الحجاب“؛ وإسقاط الوثائق (الدوكسينغ) هو ممارسة نشر المعلومات الشخصية لشخصٍ ما دون إذنه بنية تهديده أو إخافته. نُشرت صور الناشطات على وسائل التواصل الاجتماعي دون موافقتهن، مرفقةً بأقوال مفبركة عن معارضتهن الحجاب والدين. أزالت فيسبوك الصفحة في وقتٍ لاحقٍ بعدما أبلغ الكثيرون عنها بسبب انتهاكها معايير مجتمعها.
كانت تويتر تبدو- خلال ثورة السودان التي بدأت في كانون الأول/ديسمبر 2019- فضاءً مثاليًّا لانتحال الشخصية: قرصنت عناصر سيئة حسابات سياسيين، ووزراء، وصحفيين، وناشطين. أطلق الصحفي واصل علي حملةً يطلب من الناس الإبلاغ عن تلك الحسابات.
نتيجةً لذلك، تم إيقاف بعض الحسابات، بينما ما زالت أخرى مفتوحةً. كتب عليّ في مقابلة أجرتها معه جلوبال فويسز عبر البريد الإلكتروني ما يلي:
…[F]ake accounts are, for the most part, used to harvest followers but unfortunately, a good number of them are used to sow division by spreading misinformation that has the potential to trigger unrest or even violence. Also in the simplest of terms, it would sow discord among Sudanese whether political or even tribal.
…تُستخدم الحسابات الوهمية في الغالب لجلب المتابعين، ولكن عددًا كبيرًا منها يُستخدم، للأسف، لزرع الانقسامات من خلال نشر معلوماتٍ مضلّلةٍ كفيلةٍ بأن تؤدي إلى اضطرابات أو حتى إلى العنف. بعبارة أخرى، ستزرع الفتنة سواء السياسية أو القبلية بين السودانيين.
في يونيو/حزيران 2019، نفذت جماعة الميليشيا المعروفة باسم قوات الدعم السريع، والمدعومة من الحكومة حملة قمعٍ ضد المتظاهرين المعارضين للحكم العسكري في الخرطوم، فيما بات يُعرف باسم “مجزرة القيادة العامة”. ونشرت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية تقارير تعرض أدلةً مفصّلةً عن انتهاكات حقوق الإنسان التي اقترفتها ميليشيا قوات الدعم السريع.
مع ذلك، أطلقت شركةٌ مصريةٌ تحمل اسم نيو ويفز New Waves- بعد مرور أيامٍ على حملة القمع- حملةً مؤثرةً على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك منصّتَي فيسبوك وإنستغرام، تهدف إلى تقديم صورةٍ جيّدةٍ عن ميليشيا قوات الدعم السريع وقادتها والترويج لها.
إلى حدود اليوم، أخفقت فيسبوك في معالجة العديد من طلبات إزالة محتوى ميليشيا قوات الدعم السريع، معلّلةً ذلك بأن قائدها، محمد دقلو، الذي يتولى أيضا منصب نائب رئيس مجلس السيادة، جهةٌ حكوميةٌ حاليًّا، مع أن الشركة قد أزالت حساب مسؤولٍ في ميانمار مطلوبٍ بسبب ارتكابه جرائم حرب.
هل تبذل المنصات ما يكفي من الجهد؟
في بعض الحالات، يساعد التواصل مباشرةً مع المنصات في القضاء على المحتوى الضّار مثل حسابات إنستغرام الوهمية التي انتشرت سريعًا خلال الثورة العام الماضي، وزعم الحساب أنه يقدم الوجبات إلى السودانيين ونشر معلوماتٍ مضللة. أزالت إنستغرام الحساب، مباشرةً بعدما تواصلت معها ذي أتلانتيك The Atlantic، وهي منصة إخبارية تتخذ الولايات المتحدة مقرا لها.
في تموز/يونيو 2018، أغلقت يوتيوب قناة زول كافيه، دون إصدار أي بيانٍ، بعدما أبلغ مستخدمون عن حلقةٍ سابقةٍ كانت تردّ على برنامج يُعرض على قناةٍ تلفزيونيةٍ كويتيةٍ سخر من الشعب السوداني. واعتبر البعض الردَّ في حد ذاته عنصريًّا، وأُغلقت القناة لمدة ثلاثة أشهرٍ فقط قبل إعادتها.
اتخذت فيسبوك أيضا مجموعةً من الخطوات لتنفيذ سياستها المتصلة بالسلوكيات الخاطئة فيما يتعلق بالسودان. تعرّف الشركة “السلوكيا الخاطئة” بكونها “المشاركة في سلوكيات تهدف إلى اقتراف انتهاكاتٍ أخرى بموجب معايير مجتمعها”، من خلال وسائل مثل استخدام حسابات وهمية وبوتات.
في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أزالت فيسبوك شبكةً من الحسابات الوهمية المتصلة بييفجيني بريغازاين، وهو رجل أعمالٍ روسيٍّ، أدرجته لاحقًا وزارة الخارجية الأمريكية في قائمة العقوبات لدوره في تقديم “الدعم للحفاظ على أنظمة سلطوية مثل نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير، واستغلال الموارد الطبيعية،“، ووفق بيانها، أُزيل “17 حساب فيسبوك، و18 صفحةً، وثلاث مجموعاتٍ، وستة حسابات إنستغرام أُنشئت في روسيا وركزت في المقام الأول على السودان“.
مع ذلك، يقول النشطاء إن المنصات لا تبذل ما يكفي من الجهد.
قالت لجين محمد إنها تمكنت من إزالة صورتها الشخصية دون غيرها من صور الأخريات لأن سياسة إنستغرام تقتضي أن “يبلّغ صاحب الصورة عنها بنفسه”، وتسترسل حديثها قائلة:
This is problematic in many ways, as these accounts are growing in number and followers day by day and they’re making a profit out of taking women’s pictures by advertising for different companies.
إن هذه المسألة مثيرةٌ للجدل بطرقٍ مختلفةٍ، لأن هذه الحسابات تزيد من حيث العدد والمتابعين يومًا بعد يومٍ وتستفيد من أخذ صور للنساء من خلال الإعلان لصالح شركاتٍ مختلفةٍ.
كتب عليّ فيما يتعلق بجواب تويتر على حملته لطلب الحسابات التي تنتحل الشخصية:
Twitter is extremely slow on cracking down on these accounts & sometimes unwilling to take them down (like with an account impersonating me & tweeting fake news). Twitter simply refers you to their policy on these accounts.
تويتر بطيئةٌ جدًّا في توقيف هذه الحسابات وأحيانا لا ترغب في إغلاقها (مثل حسابٍ ينتحل شخصيتي ويغرد بأخبارٍ كاذبةٍ)، وتحيل تويتر بكل بساطةٍ إلى سياستها بشأن هذه الحسابات.
لا يقدّم تويتر بعد لمستخدميه في السودان خاصية التحقق باستخدام الهاتف، مما يشكل عائقًا إضافيًّا يَحول دون التأكد من الحسابات ويعطي المجال لإحداث المزيد من الحسابات الوهمية. في يونيو/حزيران، أُطلقت حملة إلكترونية تطالب تويتر بتوفير هذه الخاصية، وفي آذار/مارس 2018، غرّد بخصوص هذا الموضوع جاك دورسي، المدير التنفيذي لتويتر، ولكن تويتر لم تغيّر بعدُ موقفها.
الحاجة إلى الحماية القانونية
إضافةً إلى ركود المنصات، يحتاج السودان أيضا إلى اعتماد إجراءاتٍ قانونيّةٍ قويّةٍ تحمي المستخدمين على شبكة الإنترنت.
يوفر عددٌ من الأحكام القانونية المُطبّقة الحماية من بعض أنواع المحتوى الضار، فعلى سبيل المثال، يحظر قانون مكافحة جرائم المعلوماتية لعام 2007 التشهير وحرمة الحياة الشخصية، والذي قد يُستخدم لمساءلة كلّ من ينشر صور الآخرين دون موافقتهم.
يجرّم قانون مكافحة جرائم المعلوماتية لعام 2018، الذي لم تنشر نسخته النهائية للعموم، استخدام “الإنترنت أو أي بلاغات أو وسائل إعلامية، للتحريض على الكراهية ضد الأجانب، مما يسبب التمييز والعداوة“، وعدّل برلمان النظام المخلوع مشروع القانون في عام 2018، قبل أن يعدّله المجلس الانتقالي المكلّف بالحوكمةمرّةً أخرى في عام 2020، ولكن وزارة العدل لم تنشر بعدُ نسخته النهائية الكاملة.
إضافةً إلى ذلك، تعاقب المادة 87 من قانون تنظيم الاتصالات والبريد كل من يرسل محتوى تهديدي.
يشكل تنظيم هذا المحتوى تحدّيًا وتهديدًا في بعض الأحيان لحرية التعبير، ولاسيما في بلدٍ حافلٍ بتاريخٍ طويلٍ من انتهاكات حقوق الإنسان.
يملك السودان العديد من القوانين الغامضة التي تجرّم التعبير الذي تكفله معايير حقوق الإنسان العالمية، ووفقًا لتقرير الحرية على الإنترنت لعام 2019، “تقر الحكومة علنًا بحجب المواقع التي تصنفها “غير أخلاقيةٍ” و”مسيئةً” مثل المواقع الإباحية، وفرزها”.
في كانون الثاني/يناير 2019، أصدر المدعي العام مذكرات إيقافٍ ضد 38 صحفيٍّ وناشطٍ، تتهمهم بنشر أخبارٍ كاذبةٍ، وهو مصطلحٌ وُصف على نحو غامض في قانون الجرائم الإلكترونية.
يتطلب التصدي بصورة مناسبة للمحتوى الإلكتروني الضار في السودان تضافر الجهود.
تحتاج شركات التكنولوجيا والمنصات الإلكترونية إلى الالتزام بسياسات تنظيم المحتوى وجعلها شفافةً ومرئيّةً للمستخدمين، كما يجب أن تستمع للنشطاء المحليين ومراعاة شواغلهم عند تنفيذ السياسات.
يجب أن تعدّل الإدارة الحالية للسودان القوانين الحالية لحماية المستخدمين من إسقاط الوثائق وخطاب الكراهية، دون تعريض حقوق وحريات المستخدمين الأساسية لمزيدٍ من الخطر.
هذا المقال جزءٌ من سلسلة تحمل اسم “مصفوفة الهوية: نظام المنصات المتعلق بالتهديدات الإلكترونية إزاء التعبير في أفريقيا”. وتسائل هذه المقالات خطاب الكراهية على شبكة الإنترنت المعتمد على الهوية أو التمييز القائم على اللغة، أو الأصل الجغرافي، أو المعلومات المضللة، أو التحرش (ولاسيما ضد الناشطات والصحفيات) المنتشر في الفضاءات الرقمية لسبعة بلدان أفريقية: الجزائر والكاميرون، وإثيوبيا، ونيجيريا، والسودان، وتونس، وأوغندا. يمول المشروع من قبل صندوق أفريقيا للحقوق الرقمية التابع للتعاون المعني بسياسات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الدولية لشرق وجنوب أفريقيا (CIPESA).