مع استكمال تونس إغلاقًا كامل لمدة أربعة أيام للسيطرة على موجة ثانية من فيروس كورونا، تحولت الاحتجاجات ضد حظر التجول إلى أعمال عنف، مما أدى إلى اعتقال 630 معظمهم من الشباب.
في حين تم الإشادة بتونس باعتبارها قصة نجاح في انتقالها من الانتفاضة إلى الديمقراطية، لجأت السلطات المحلية طوال الجائحة، إلى الحيل المعروفة باستخدام قوانين غامضة قائمة للحد من حرية التعبير والحد من حقوق المواطنين في الحصول على المعلومات.
في أوائل مارس/آذار من العام الماضي، أبلغت وزارة الصحة التونسية عن أول حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا في البلاد. في ذلك الشهر، أعلن الرئيس قيس سعيد عن حظر تجول مصحوبًا بإغلاق وإجراءات تقييدية أخرى للحد من انتشار الفيروس.
مع انخفاض عدد الإصابات اليومية بفيروس كوفيد-19 إلى الصفر، بدأت الحكومة في تخفيف القيود تدريجيًا في مايو/أيار 2020. مع ذلك، مع الزيادة في حالات كوفيد-19 في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أبلغت العديد من المستشفيات عن وصولها لقدرة استيعابها الكاملة وفرضت السلطات المحلية تدابير تقييد جديدة.
بالتزامن مع الجائحة، تواجه تونس مشهدًا سياسيًا متغيرًا وغير مستقر. طوال عام 2020، تم تعيين أربعة وزراء صحة وأجريت ثلاثة تعديلات وزارية في الحكومة التونسية. أثرت هذه التغييرات المتكررة على تواصل الحكومة مع العامة حول إجراءات فيروس كوفيد-19.
نقص معلومات الصحة العامة أثناء الأزمة
يضمن الدستور التونسي الحق في الوصول إلى المعلومات، كما أن اعتماد البرلمان لقانون الوصول إلى المعلومات لعام 2016 يعزز هذا القانون.
في كانون الثاني/يناير الماضي، عندما غزت أخبار تقارير إصابات كوفيد -19 في أوروبا، أبلغت وزيرة الصحة سونيا بن شيخ عن تدابير وقائية على الحدود للسيطرة على الفيروس. لكن هذا التواصل عن الأزمة اقتصر في الغالب على المؤتمرات الصحفية والخطب التي تتأخر كثيرًا.
بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني، أدت العديد من الجهود المشتركة لتوفير المعلومات الهامة للجمهور إلى مشاريع مثل covid-19.tn، وهي بوابة إلكترونية توفر أحدث أخبار ومعلومات عن فيروس كوفيد-19.
تواصل وزارة الصحة النشر يوميًا على صفحتها على فيسبوك، أكثر منصات التواصل الاجتماعي استخدامًا في تونس. تغطي هذه التحديثات عادةً الحالات الجديدة المؤكدة والوفيات والحالات المتعافية والحالات في المستشفيات والحالات في كل منطقة. مع ذلك، فإن التحديثات تشارك معلومات قليلة أو معدومة عن سعة المستشفى.
في شهر سبتمبر/أيلول، مع زيادة عدد الحالات المؤكدة الجديدة، بدأت منشورات صفحة فيسبوك هذه في إثارة الانتقادات بسبب المخالفات المزعومة، حيث قامت بدمج الإحصاءات وتوقفت عن تضمين تحديثات لكل منطقة، والتي كانت عاملاً مهمًا في تحديد حظر التجول والإغلاق الكامل.
استأنفت وزارة الصحة تقديم المعلومات بعد طلب الوصول إلى المعلومات الذي قدمته منظمة المجتمع المدني I Watch Tunisia. كما انتقد الخبراء غياب التنسيق بين المؤسسات.
في 17 يناير/كانون الثاني، دعا عدن أسود، رئيس المعهد الوطني للوصول إلى المعلومات، مؤسسات الصحة العامة إلى “تقديم مزيد من المعلومات المفصلة والواضحة بشأن إجراءات الإغلاق” والقيود.
كما قال أسود إن التواصل المطلوب مع المواطنين “ليس على المستوى المطلوب”، ما أدى إلى “ارتباك بين المواطنين وفوضى وقوض ثقة المواطنين في هذه المؤسسات وتعطيل عمل الصحفيين والمجتمع المدني، بسبب حجب المعلومات الدقيقة.”
عدم التسامح مع الانتقادات
عندما بدأت الأزمة الصحية الناشئة تلقي بظلالها القاتمة على الاقتصاد الراكد، بدأ المواطنون تبادلًا أكثر انتقادًا حول الوباء في المساحات الرقمية. لجأت الحكومة إلى قوانين العقوبات الحالية لخنق أي انتقاد لاستجابتها لفيروس كورونا في محاولة للسيطرة على رواية فيروس كورونا.
في العام الماضي، تمت محاكمة اثنين من المدونين في المحكمة بسبب التشكيك في نزاهة السلطات المحلية.
اتُهمت المدونة هاجر عوادي بتهمة “إهانة موظف حكومي” بموجب المادة 125 من قانون العقوبات و”إحداث ضجيج وإزعاج للجمهور” بموجب المادة 316 من قانون العقوبات، بعد أن نشرت مقطع فيديو على حسابها الشخصي على فيسبوك تنتقد فيه فساد الحكومة، وسوء توزيع المواد الغذائية الأساسية في منطقتها. حُكم عليها من قبل المحكمة الابتدائية بالسجن 75 يوما مع وقف التنفيذ، بعد أن بقيت في الحجز لمدة أسبوع.
في حالة مماثلة، في أبريل/نيسان 2020، نشر المدون على فيسبوك، أنيس مبروكي، مقطع فيديو على صفحته على فيسبوك يصور حشدًا من الناس يحتجون على الحكومة لفشلها في توزيع المساعدات المالية أمام مكتب رئيس البلدية المغلق في بلدة طبربة. بموجب المادتين 316 و 128 من قانون العقوبات، اتُهم هو أيضًا بتهمة “إحداث ضجيج وإزعاج للجمهور” و”اتهام موظفين عموميين بجرائم تتعلق بوظائفهم دون تقديم دليل على الجرم”. المادتان مدرجتان تحت الفصل الرابع من قانون العقوبات التونسي المعنون “الهجمات على السلطات العامة”.
تنص المادة 128 على عقوبة بالسجن تصل إلى سنتين وغرامة على أي صفحة الشخص الذي يتهم موظفًا عامًا بأفعال غير مشروعة. تم القبض على المبروكي لمدة 15 يومًا حتى برأته المحاكم في 30 أبريل 2020.
حصلت كلتا الحالتين على تغطية صحفية محدودة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنهما حدثت في منتصف الأزمة والمناطق الداخلية – وأيضًا لأن المحتوى لم يكن يتعلق بشخصيات عامة معروفة.
التقصير في الإطارات القانونية
على الرغم من ضمان دستور تونس لعام 2014 الحق في الخصوصية وحماية البيانات الشخصية، والحق في الوصول إلى شبكات المعلومات والاتصالات، وكذلك الحق في حرية التعبير وحرية الصحافة، فقد وجدت السلطات أدوات مفيدة في النصوص القانونية القديمة التي لا تزال ذات صلة في عدم وجود محكمة دستورية.
لم يتم حتى الآن إنشاء محكمة دستورية، حيث يمكن للمتهمين الاستئناف عندما يواجهون محاكمات بموجب قوانين غير دستورية. هو مطلب دستوري، لكن البرلمان فشل ثماني مرات في انتخاب ثلاثة أعضاء بأغلبية الثلثين التي يتطلبها القانون، وبالتالي منع تعيين الأعضاء الآخرين من قبل الرئيس والمجلس الأعلى للقضاء.
بدأ النقاش حول إصلاح وإلغاء القوانين القمعية منذ عام 2011، مع انتظار الحكومة المؤقتة لدستور تونس لعام 1959، لكن العديد من النصوص والمراسيم القانونية التي تتعارض مع دستور 2014 وتنتهك حقوق الإنسان لا تزال سارية.
تعرض العديد من النشطاء والمدونين والصحفيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي للمضايقة والترهيب والسجن وعقوبات أخرى بموجب هذه القوانين.
في تقرير حديث، استعرضت منظمة العفو الدولية 40 حالة لتونسيين تم التحقيق معهم أو محاكمتهم من قبل السلطات التونسية بين عامي 2017 و2020، فيما يتعلق بالتعبير السلمي عبر الإنترنت بموجب قانون العقوبات وقانون الاتصالات وقانون الصحافة.
أعطت هذه الأحكام – المنتشرة عبر العديد من النصوص القانونية – مظهر الشرعية لنظام بن علي السابق لتقييد الحريات والتدخل في العملية القضائية وقمع أي معارضة سياسية.
يظل التحول الديمقراطي التونسي هشًا ما دامت هذه القوانين دون إصلاح. سيظل المواطنون تحت رحمة السلطات التي تطبق تشريعات غامضة الصياغة.
على سبيل المثال، ينص قانون الاتصالات في المادة 86 على أن أي شخص يُدان “باستخدام شبكات الاتصالات العامة لإهانة الآخرين أو إزعاجهم” يمكن أن يقضي ما يصل إلى عامين في السجن وربما يتم تغريمه”.
قال إريك غولدستين، القائم بأعمال مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “القوانين التونسية مليئة بالقوانين الغامضة التي تستخدمها السلطات لمعاقبة حرية التعبير وإسكات الأصوات المنتقدة”.
تتجاوز التحديات الحالية في تونس الأزمة الصحية – وتتعلق بالشواغل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. تعد المعلومات العامة الدقيقة والجديرة بالثقة أمرًا حيويًا لتوجيه المواطنين أثناء الأزمات الصحية وتجنب انتشار المعلومات المضللة.
كان لجهود تونس للسيطرة على فيروس كوفيد-19 تأثير عميق على الحقوق الرقمية للمواطنين.