استيلاء المستوطنين الإسرائيليين على بيوت فلسطينييّ القدس جزء من صراع امتد لعقود

صور ملتقطة من مقطع فيديو نشرته منى الكرد للحوار الذي دار بينها وبين المستوطن الإسرائيلي ياكوب وهو يقول: “إن لم أسرقه أنا، سيسرقه غيري”. بسبب هذا الفيديو، أصبحت منى رمز لنضال أهالي الشيخ جراح ضد المستوطنين الذين سمحوا بتهجير الأسر الفلسطينية بموجب أحكام قضائية.

“إن لم أسرق منزلكِ أنا، فسيسرقه غيري”

هكذا رد “ياكوب” على الصحفية المقدسية، مُنى الكرد حين طالبته بالخروج من حديقة بيتها في حي الشيخ جراح في القدس. مقطع الفيديو الذي نشرته على صفحتها على منصة إنستغرام للحوار الذي دار بينهما تناقله الكثيرون، وأصبح رمزًا للظلم التي تعيشه هي وعائلات الحي.

التمييز العنصري المستمر في القدس.
“حتى وإن خَرجتُ أنا من المنزل، فلن يكون لكم”

منذ ذلك الفيديو، احتد الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليصل ذروة هي الأعنف منذ سنوات. يتعرض إقليم غزة المحاصر لقصف ثقيل في الوقت الذي يحتفل فيه المسلمون بعيد الفطر. حتى الآن، قتل ما لا يقل عن 137 فلسطيني، من بينهم 36 طفل، جراء القصف وتستمر الأعداد في التزايد مع استمرار الهجوم الأرضي والغارات الإسرائيلية. كما قتل 9 إسرائيليًا بسبب مئات الصواريخ التي أطلقتها حركة حماس ردًا على استفزازات الاحتلال. إضافة إلى مئات المصابين من المقدسيين إثر اعتداءات قوات الاحتلال على المتظاهرين والمصليين في الأسابيع الماضية.

بدأ التوتر مع بداية رمضان، يوم 13 أيار/مايو في مدينة القدس المتنازع عليها. حيث وضعت قوات الاحتلال حواجز لمنع المقدسيين من الوصول لمنقطة باب العامود، وحجبهم عن ممارسة عادة ألفوها منذ زمن بعيد، وهي التجمع وتبادل الحديث بعد المغرب في المدينة القديمة. أدى ذلك إلى اندلاع مظاهرات من المقدسيين عُرفت “هبّة باب العامود”، انتهت بأن أزيلت كافة الحواجز التي وضعتها قوات الاحتلال.

تلى ذلك اجتياح القوات الاسرائيلية للمسجد الأقصى، ثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين، مستخدمين قنابل غاز كثيفة وقنابل صوتية، متسببة في إصابات كثيرة، وتزامن ذلك مع مساعي المستوطنين الإسرائيليين الاستيلاء على بيوت الفلسطينيين في حي الشيخ جراح بالقدس، مستشهدين بأحكام قضائية.

الشيخ جراح: صراع لعقود

تعود قصّة حي الشيخ جرّاح إلى عام 1948، حينما حاول ممثلو دولة إسرائيل، الوليدة آنذاك اقتحام الحي وتهجير أهله وتدمير المنازل، إلاّ أن القوات البريطانية التي كانت وقتها تعمل على حماية مدينة القدس منعت حدوث ذلك. في حرب الأيام الستة أو ما يُعرف بحرب حزيران عام 1967، قامت القوات الإسرائيلية باحتلال الضفة الغربية ومن ضمنها القدس وضواحيها. 

منذ ذلك الوقت، سعت حكومات إسرائيلية متتالية إلى تهجير السكّان الفلسطينيين من مدينة القدس لتضفي عليها طابعًا يهوديًا خالصًا، في مساعي لأن تكون عاصمّة الدولة اليهودية التي تسعى لحشد دول العالم لنقل سفاراتهم إليها.

عبارة “لن نرحل” مكتوبة على جدران منزل مهدد أصحابه الفلسطينيين بالطرد من قبل مستوطنين إسرائيليين. التقط الصورة أسامة عيد، ونشرت بموجب رخصة المشاع الإبداعي.

يمثل حي الشيخ جرّاح الواقع شمال بلدة القدس القديمة شريانًا رئيسًا يربط ما بين تمركز السكّان اليهود في المدينة والجامعة العبرية، والسيطرة عليه يعني أن تكون الجهة الشرقية من القدس كاملة تحت سيطرة إسرائيل. 

ترجع جذور قصّة طرد الفلسطينيين إلى الفترة ما بين 1948-1967، حين كانت القدس تحت السيطرة الأردنية؛ قامت السلطات الأردنية عام 1956 وبالتعاون مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بإنشاء مساكن لتوطين 28 عائلة لاجئة في حي الشيخ جرّاح، وقامت وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية بتوفير قطعة الأرض على أن يتم البناء عبر وكالة الغوث بحيث يتم نقل ملكية هذه البيوت إلى ساكنيها بعد ثلاث سنوات من اتمام البناء، إلا أن هذا الأمر لم يحدث لغاية عام 1967، وهو العام الذي فقدت فيه الأردن السيطرة على الضفة الغربية.

بعد أن سيطرت إسرائيل على مدينة القدس، بدأت الجمعيات الاستيطانية باحتلال المنازل التي كان أهلها في الخارج ولو بشكل مؤقت؛ فعائلة الشطي، على سبيل المثال، فقدت منزلها وهي في زيارة إلى الكويت في العام 1967. في عام 1972 توجه ممثلون عن “الوقف الاشكنازي اليهودي” و”الوقف السفارديمي اليهودي” إلى دائرة مسجّل الأراضي الإسرائيلية زاعمين ملكيتهم لأراضي كرم الجاعوني – حي الشيخ جراح – بناءً على وثيقة شراء من العثمانيين قدموها لمسجّل الأراضي، وعليه، تم توثيق ملكية هذه الأرض دون تدقيق أو مراجعة لما تم تقديمه.

بين عامي 1974 و1975، قامت الجمعيتان برفع دعوى ضد أربع عائلات لإخلاء منازلهم، ولكن المحكمة الإسرائيلية ردّت القضايا باعتبار أن السكان مستأجرين محميين بالقانون. 

عادت الدعاوى من جديد عام 1982 وهذه المرّة ضد 23 عائلة، من بينهم 17 عائلة أوكلت محامي إسرائيلي يدعى توسيا كوهين لتمثيلهم والدفاع عنهم. إلاّ أنهم في العام 1991 فوجئوا بأن كوهين قد عقد صفقة مع الجمعيتين تقتضي باعترافه بملكيتهم للأرض، ومنذ ذلك اليوم، صار هذا الاعتراف أساسًا للحكم في القضية. 

تتالت القضايا على رؤوس سكّان الشيخ جراح، وقد نجحت الجمعيتان بطرد عدّة عائلات من بيوتها، مثل عائلتي حنون وغاوي، فقد صدر قرار إلزام هاتان العائلتان بدفع الايجار للمدعين وقاموا بإيداع المبلغ في صندوق المحكمة، إلّا أنه تم تجاهل هذا الأمر وطردوا إلى الشارع عام 2002. في 2003، وببيع الجمعيتان حصتهما في الأرض إلى شركة استثمارية، ومن ثم تغيير ملكية الأرض، تم استئناف القرار الصادر بحق العائلتين مما أمكنهما من العودة إلى منازلهم لحين البت في القضية.

أما عائلة الكُرد، والتي تُعاني منذ بداية التسعينات من القضايا المرفوعة ضدها، وبعد قرارات متعددة آخرها عام 2009 أعطى للمستوطنين الحق في اقتحام المنزل، فمنذ ذلك اليوم وعائلة الكرد تعيش مع المستوطنين الذين سرقوا البيت ولم يتركوا لهم سوا 50 مترًا يعيشون فيه. 

أخيرا، تلقّت عائلات الكُرد، القاسم، الجاعوني والسكافي في أكتوبر/تشرين الأول 2020 إخطارات من محكمة الصلح الاسرائيلية بوجوب إخلاء منازلهم لصالح المستوطنين، كما تلقّت في سبتمبر ذات الاخطار ثلاث عائلات أخرى: حمّاد، الدجاني والداوودي بما مجموعه 55 شخصًا للعائلات السبع. تم تجميد هذه القرارات حتى فبراير/شباط 2021، والذي صدر فيه قرار الإخلاء بحد أقصى يوم الخميس السادس من أيار/مايو 2021، مما أدى إلى التصعيد الحالي.

أهالي الشيخ جرّاح “لا يستطيعون التنفس”

مع تفاقم الوضع، استخدم الفلسطينيون مواقع التواصل الاجتماعي لنشر ما يتعرضون له من أذى. 

سيأتي بنتزي جوبستين (ليهافا)، أحد منظمي مسيرة “الموت للعرب”، إلى الشيخ جراح الليلة الساعة 8:30 مساءً. أنقذوا الشيخ جراح من عنف المستوطنين.

فانتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي عبارة “لا أستطيع التنفس I Can’t Breath” – كلمات جورج فلويد الأخيرة وهو يلفظ أنفاسه بسبب عنف الشرطة الأمريكية في ولاية مينيسوتا العام الماضي – بين الفلسطينيون والمتعاطفين معهم، فيما تعاملت القوات الإسرائيلية بعنف مع من أعرب عن تعاطفه ودعمه لأهالي الشيخ جراح.  

قال: “لا أستطيع التنفس”
التمييز العنصري لا ينتهي.

قالت كوثر، مستخدمة تويتر أخرى:

هو ذات العنف، ولكن لا يتحدث أحد.

كحركة تضامنية من أهالي القدس، قرروا أن يقوموا بإفطارٍ رمضاني يومي أمام البيوت المطالب أصحابها بإخلاءها، الأمر الذي دفع ايتمار بن غفير، عضو الكنيسيت والقيادي في حزب عوتسما يهودية اليميني المتطرف، أن يشارك في تجمّع آخر قد تقرر ليوم الخميس السادس من أيار/مايو، وهو اليوم الذي حددته المحكمة لإخلاء المنازل. وعد بن غفير بنقل مكتبه إلى الشيخ جراح بهدف مواجهة ما أسماهم “المتطرفين العرب”. 

عند تجمع حشد من الفلسطينيين استنكارا لهذه الخطوة التي رأوا فيها استفزازًا، قام أحد المستوطنين برش رذاذ الفلفل على الفلسطينيين، وهو ما وثقته العديد من المقاطع المصورة.

مستوطنون يرشون غازات الفلفل على شبان فلسطينيين في حي الشيخ جراح.

أدّى هذا الأمر إلى نشوب تراشق بالكراسي والحجارة بين الطرفين واشتباك بين الجانبين.

على إثر ذلك، تدخلت قوات الاحتلال الإسرائيلي واعتقلت عدد من الفلسطينيين لحماية المستوطنين. 

لأمر محزن للغاية كيف يتعين على الناس المرور بكل هذا لمجرد أنهم يقاتلون من أجل أرضهم، ومع ذلك لا يقول العالم كلمة واحدة عنها.

بالرغم من تقديم وزارة الخارجية الفلسطينية لوثائق رسمية تحمل تفاصيل عمليات التهجير التي تقوم بها إسرائيل للمحكمة الجنائية الدولية يوم الأربعاء الخامس من أيار/مايو، لا يُتوقع انتهاء المواجهات على الأرض.

في يوم الاثنين 10 أيار/مايو، قررت المحكمة تأجيل جلسة مداولات كانت محددة لذلك اليوم للنظر في قضايا الشيخ جراح، على أن يتم تحديد موعد لها خلال الثلاثين يومًا المقبلة، كما قررت المحكمة إبقاء العائلات في منازلها لحين عقد هذه الجلسة. 

عن ذلك، كتبت منى الكرد التي أصبحت رمزًا لنضال أهالي الحي، على فيسبوك:  

مش لازم نوقف! التجميد لا يعني الإلغاء! حراك الشيخ جراح هو حراك شعبي وعالمي ضد التهجير والاستعمار في القدس وفلسطين كافة، ويجب علينا إعلاء الصوت وتكثيف الجهود بالتواجد والتضامن في الميدان في حي الشيخ جراح ونكثف صوتنا على منصات التواصل الاجتماعي لأن عنف الاحتلال الاستعماري سائد التفشي في مدننا ولم يجمد.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.