- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

ما بعد الأولمبياد: لا أهمية للصحة النفسية

التصنيفات: جنوب الصحراء الكُبرى - أفريقيا, اليابان, جنوب أفريقيا, رياضة, صحافة المواطن, صحة, الألعاب الأولمبية, الرياضة والتنوع

 

"File:2006 European Championships in Athletics - Ullevi august 11th.jpg" by Vogler is licensed under CC BY-SA 3.0

بطولة أوروبا لألعاب القوى 2006 ملعب أوليفي 11 [1]أغسطس/آب. تصوير Vogler [2] ترخيص الصورة CC BY-SA 3.0 [3]

أسدل الستار أخيرًا على الألعاب الأولمبية والبارالمبية، إلا أن تساؤلات الخبراء بشأن حالة الرياضيين تُثير مخاوف جمّة؛ فلقد توصل باحثون من جامعة لاغوس إلى أن الرياضيين المحترفين عانوا من اضطرابات نفسية شديدة بسبب وباء كورونا وما تلاه من تدابير الحظر الاحترازية، وذلك في دراسة بعنوان: “التأثير النفسي لوباء كورونا على الرياضيين [4]” للباحثين كليفورد وسيلينا.

ليس هذا فحسب، فلقد اكتشفت عِدة دراسات أجريت حديثًا حول الصحة النفسية لنُخبة الرياضيين أن الرياضيين يُعانون من نقص التشخيص النفسي [5] مُقارنة بغيرهم من العامة، ويرجع ذلك إلى ثقافة “القوة الذهنية” الشائعة في الأوساط الرياضية. كما اكتشف الباحثون أن تأثير القلق والاكتئاب يتفاوت من رياضي لآخر مُقدرين [6] أن %33 من نُخبة الرياضيين على مستوى العالم يُعانون من أعراض القلق والاكتئاب، في حين أن %5-4 [7] فقط من العامة يختبرون تلك المشاعر.

بالانتقال إلى القارة السمراء نجد عددًا لا يُستهان به من الشخصيات الرياضية البارزة ممن تعاملوا مع تحديات الصحة النفسية عند الاعتزال من عالم الرياضة – سواء كان ذلك في لعبة الركبي أو الكريكت أو الألعاب الأولمبية. صرّح البعض عن تجاربهم في مقال بعنوان: “ما بعد الصافرة: الصحة النفسية للرياضيين في جنوب إفريقيا [8]“.

في منشور لها على الإنستغرام [9]، سلّطت بطلة الأولمبياد السابقة ولاعبة منتخب نيوزيلندا لهوكي الحقل للسيدات – بروك نيل – الضوء على تلك الظاهرة حيث وجّهت رسالة إلى الرياضيين حول العُزلة غير المُعلنة والمحن التي لا تظهر للعامة فور انتهاء المنافسات.

I just wanted to pop in and check on you. So you might be a little confused right about now. You've just competed in the world's biggest sporting event and yet, this is one of the lowest times you've ever felt.”

You have been in this bubble, your own little world, with 10,000 athletes who are at the top of their game. You have poured blood, sweat, and tears to get there, but you weren't really prepared for the day after. For the week after. For the months after this huge spectacle. You weren't prepared for life to continue as if nothing happened.

كيف حالك.. أردت الاطمئنان عليك.. قد تشعر بالحيرة الآن، فلقد انتهيت للتو من المنافسة في أهم حدث رياضي على مستوى العالم. مع ذلك، تلك أحد أصعب لحظات الضعف والانكسار التي مررت بها.

تدور في تلك الدوامة، في عالمك الخاص، مع آلاف الرياضيين لكلٍ مجال يتصدره.. تصببت دمًا لا عرقًا ودموعًا، وبذلت الغالِ والنفيس لتتأهل إلى هنا. لكنك لم تستعد لِما بعده، لأشهر وأسابيع تمُر أو حتى يوم يمُر بعد إسدال الستار على هذا المشهد الفخم.. لم تكن مُستعدًا لحياة تمُر كأن شيئًا لم يحدث.

“ماذا بعد؟” أحد الأسئلة المُضنية – على الرغم من مدى أهميته – التي طرحها الباحثان (كورتني والتون) و(أندرو بيني) في مقال [10] نُشر في “The Conversation”. كما نشر الباحثان دراسة [11] في مايو/أيار 2021 تبحث في الصحة النفسية للرياضيين وتوصلوا – بعد إجراء مُقابلة مع 18 رياضي أسترالي ممن نافسوا في أولمبياد ريو 2016 – إلى أن سلامة وعافية الرياضيين تحظى باهتمام أقل في مرحلة ما بعد الأولمبياد.

يصف الرياضيون – أيًا كان مستواهم – شعورهم فور انتهاء المنافسات بأنه إحساس بالبهجة يُصاحبه إجهاد، بجانب التحديات المُصاحبة للانتكاسات، وهو ما أطلق عليه الباحثان (كارين هويلز) و(ماثيجس لوكاسين) مصطلح “كآبة ما بعد الأولمبياد”.

كما صرّح الرياضيون – ممن أُجريت معهم المقابلة – بأن وضع خطة لما يتعيّن عليهم فِعله بعد انتهاء المنافسات أمر بالغ الأهمية لسلامتهم النفسية وصِحتهم الجسدية على حد سواء. فمنهم من اقترح استكمال الدراسة، أو التقدم لوظيفة، أو الزواج أو الذهاب في عطلة أو حتى التمرن استعدادًا للموسم القادم.

كما أشارت الدراسة إلى أن بعض الرياضيين ليست لديهم خطة واضحة، أو غير مُتيقنين بشأن ما يريدون فِعله: أيعتزل أم يستمر بالمنافسة؟ وهذا يحدث حين تشتد المصاعب. فلقد نُقل عن أحد الرياضيين:

When you get home it’s really lonely […] It’s quite depressing, and it is a little bit overwhelming, starting from square one again.

حين تعود للمنزل تجده خاليًا.. تشعر بالوحدة.. شعور مُزعج.. تُغمرك تلك المشاعر.. أنك عدت لنقطة البداية.

Forward Together

“معًا للأمام” تصوير IAPB/VISION 2020 ترخيص الصورة CC BY-NC-SA 2.0

صرّح لاعب آخر:

[Athletes] come back from the Olympics and they haven’t had anything to do. So, they haven’t had university, they haven’t had work, they haven’t had a family, they haven’t had community engagement, they haven’t had a plan.

بعد العودة من الأولمبياد لا يجد الرياضيون شيئًا ليفعلوه.. لا جامعة.. لا وظيفة.. لا عائلة.. غير مُشاركين في الأنشطة المُجتمعية.. ليست لديهم خطة.

تقترح الدراسة وجود خُبراء صحة نفسية لتفقُد الرياضيين بعد عودتهم من الأولمبياد، كما أن هناك جانب يقع على عاتق الرياضيين وهو محاولة بناء هوية بعيدًا عن العالم الرياضي تكون سندًا لهم بنهاية دوّامة المنافسات وحين الاعتزال.

كما ناشدت الدراسة الجمهور ووسائل الإعلام بالتعاطف مع الرياضيين العائدين من المنافسات الأولمبية وتقديم الدعم لهم خاصة بعد تصاعد حِدة الهجوم والإساءة للشخصيات للرياضيين على وسائل التواصل الاجتماعي في الأشهر القليلة الماضية مع انسحاب النجمة (سيمون بايلز) [12] من نهائي مسابقة الفردي العام ضِمن منافسات الجمباز الفني بدورة الألعاب الأولمبية في طوكيو للتركيز على سلامتها النفسية.

Once I stepped away from the sport, I realized how much I missed out on in terms of my family. And I realized they kind of kept things from me to protect me because they didn’t want to get me down. They might think, ‘she’s in a good place, let’s keep her there.’

أدركت فور اعتزالي أهمية ما فقدته بخصوص عائلتي، وأنهم أخفوا عنّي الكثير لحمايتي لكيلا أصاب بالإحباط. ربما خطر على بالهم: “إنها في مكان جيدة، لنحافظ على ذلك”.

“اليوم العاشر (24 أغسطس/آب 2010) ضمن منافسات هوكي الحقل” في الألعاب الأولمبية الصيفية للشباب 2010 في سنغافورة. ترخيص CC BY-NC 2.0

هذا ما صرّحت به لاعبة التجديف الجنوب أفريقية، لي آن بيرس [13]، التي بدأت بممارسة الرياضة بعمر 16 عامًا، وبموهبتها الناشئة حجزت مكانًا لها في منحة دراسية في الولايات المتحدة الأمريكية ليستدعيها المنتخب للانضمام إلى صفوفه لتُشارك في عِدة بطولات منها كأس العالم وبطولة العالم للتجديف وكذلك الألعاب الأولمبية. وبالرغم من المسيرة المهنية الناجحة فهي تشعر بالوحدة.

كما أشارت (بيرس) إلى صعوبة التعامل مع التوقعات على المستوى الشخصي والمهني حيث يتداخل كل شيء وتُصبح الأمور ضبابية، فالفوز فوق كل اعتبار دافعًا بأي شيء آخر إلى الهاوية. إذ يُعاني الرياضيون المُشاركون في المنافسات الأولمبية صعوبة التعامل مع فترة “الرُكُود” التي تلي انتهاء المنافسات. وصرّحت اللاعبة:

When things aren’t going well, you question yourself. You wonder if it’s your fault, if it’s acceptable for you to feel this way, like you’re not coping.

حين تسوء الأمور تشُك في قدراتك، وتتساءل: هل أنا المُخطئ؟ هل من الطبيعي أن أشعر هكذا؟ أنه لا يُمكنني الصمود؟

استنكرت لاعبة هوكي الحقل للسيدات، ساناني مانجيسا، حقيقة عدم وجود دعم كافٍ لمُساعدة الرياضيين أثناء الاعتزال، ليس في جنوب أفريقيا فحسب، بل وفي العالم أجمع. إذ يحاول الرياضيون التواصل مع مُدربيهم ومُرشديهم السابقين لمُساعدتهم للتخفيف من حِدة الوضع وتسهيل عملية الاعتزال، إلا أن الحال ليس كما كان فالمُدربين ليس لديهم الوقت الكافِ للمحافظة على أواصر العلاقات.

If you can inspire one person to be able to come out of their shell and be able to say, ‘This is how I’m feeling,’ the dialogue becomes more open and it becomes a natural thing.

أن تُلهم شخصًا واحدًا على الخروج من قوقعته والتصريح عن مشاعره، يجعل الحوار أكثر انفتاحًا ويُصبح عادةً تحدث بالفطرة.

كما أعربت اللاعبة عن أملها في أن يتقبّل المسؤولون فكرة مساعدة الرياضيين وتشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم قبل الاعتزال، فتقدير الرياضيين لتأهلهم إلى الأولمبياد أمرًا جيدًا، إلا أن الحاجة تكمن في لحظات التقدير والاهتمام التي تتخطى المجال الرياضي.

When we have conferences at World Cups, we need to dedicate a section to mental health. And we all need to listen to each other.

يجب تخصيص وقت للتحدث عن الصحة النفسية أثناء المؤتمرات الصحفية، وعلى الجميع الإنصات.

الاستيقاظ من الحلم: أن تعيش حياة عادية بعد مسيرة رياضية استثنائية [14]” هذا عنوان الكتاب الذي اختارته (كيرستن فان هيردين) بعد مُقابلة أجرتها مع 18 لاعب من مختلف المجالات الرياضية بهدف التركيز على مدى أهمية تكوين حياة بعيدًا عن العالم الرياضي والتخفيف من حِدة المنافسات حتى وهُم في أوج عطائهم، فذلك أنسب أسلوب لمعالجة مشاكل الصحة النفسية كما يراها الرياضيون.