مقتل عداءتين وانتحار ثالث.. تساؤلات بشأن الصحة النفسية والعنف ضد المرأة في كينيا

The late 25 year old Agnes Jebet Tirop, a 10km road race world record holder who died from suspected homicide by marcoverch is licensed under CC BY 2.0

مقتل حاملة الرقم القياسي لسباق 10 كيلومترات، أغنيس تيروب، طعنًا على يد زوجها. صورة من marcoverch تحت رخصة نَسب المُصنَّف 2.0 عام (CC BY 2.0)

 تنويه: يحتوي المقال على أخبار مُفجعة لحالات انتحار وجرائم عنف أسري.

رحل عن عالمنا الشهر الماضي ثلاثة من نُخبة رياضي سباقات المضمار والميدان الكينيين إثر حالات الانتحار وجرائم القتل.

لقد عرّت تلك الفاجعة الجانب المُظلم الخفي للرياضة في دولة يُكافح أبطالها للتغلب على مشاكل الصحة النفسية وضعف الحالة الاقتصادية ومواجهة حالات العنف القائم على نوع الجنس، ليجتمع كل ذلك معًا ويُؤجج نيران العنف وتتصاعد وتيرة الجرائم عمّا هي عليه.

السبت، التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2021، استيقظ العالم على خبر تقشعر له الأبدان وزلزل كيان الوسط الرياضي. انتحار العداء الكيني الفائز بثلاثة ألقاب متتالية مع منتخب كينيا في بطولة العالم للعدو الريفي cross-country – هوسيا ماشارينيانغ – بعمر 35 عامًا، في منزله في مقاطعة ويستب بوكوت، غرب بوكوت، في كينيا. ينحدر اللاعب من محافظة الوادي المتصدع (مقاطعة وادي ريفت) إحدى محافظات كينيا التي اشتهرت بأنها مسقط رأس ومصنع نُخبة الرياضيين الكينيين.

أربعة أيام فقط هي المُدة التي تفصل بين انتحار العداء الكيني ومقتل حاملة الرقم القياسي لسباق 10 كيلومترات ذات 25 عامًا – أغنيس تيروب – طعنًا على يد زوجها في الثالث عشر من أكتوبر/تشرين الأول. وفيما لا تزال كينيا مصدومة لمقتل أغنيس تيروب، ظهرت مأساة أخرى. مقتل عداءة الماراثون المحلية – إديث موثوني – في إمبو بوسط كينيا إثر حادث عنف أسري.

شهرًا واحدًا يفصل بين مقتل العداءة، أغنيس تيروب، وتحطيمها للرقم القياسي العالمي لسباق 10 كيلو متر للسيدات في ألمانيا – في الثاني عشر من سبتمبر/أيلول 2021 مُحققة 30.01 دقيقة بفارق 28 ثانية عن الرقم السابق للمغربية أسماء الغزاوي في 2002. كما احتلت المركز الأول – وهي بعمر التاسعة عشر – في بطولة العالم للعدو الريفي التي ينظمها الاتحاد الدولي لألعاب القوى بزمن 26:01 دقيقة لتصبح ثان أصغر عداءة حاصلة على ميدالية ذهبية بعد الجنوب أفريقية زولا بييتيرز. ومثلت منتخب كينيا في أولمبياد طوكيو 2020 لتنُهي سباق 5000 متر للسيدات في المركز الرابع – مسجلة 14 دقيقة و39.62 ثانية.

انهالت تغريدات التقدير والثناء على تويتر تحت الوسم RIPAgnesTirop# مُعبرة عن صدمة وحُزن الملايين للرحيل المفاجئ للعداءة أغنيس تيروب.

ونشر حساب الاتحاد الدولي لألعاب القوى IAAF على تويتر رسالة تعزية للعائلة والأصدقاء مفادها:

فقدنا ببالغ الحزن والأسى العداءة الكينية أغنيس تيروب – بطلة العالم للعدو الريفي 2015، والفائزة بميداليتين برونزيتين لبطولة العالم لألعاب القوى لعاميّ 2017 و2019، وصاحبة الرقم القياسي العالمي لسباق 10 كيلو متر للسيدات في ألمانيا – عن عمر يناهز 25 عامًا.

كما نشر حساب الاتحاد الكيني لألعاب القوى AK تغريدة على تويتر في الثالث عشر من أكتوبر/تشرين الأول مُقدمًا تعازيه لفقدان العداءة الكينية:

صُدمنا هذا المساء بخبر الموت المفاجئ لصاحبة الميدالية البرونزية في سباق 10 آلاف متر – أغنيس تيروب.

العنف ضد المرأة

شدد الكثيرون – على إثر مقتل اللاعبتين أغنيس تيروب وإديث موثوني – على ضرورة التصدي للعنف ضد المرأة الذي تسارعت وتيرته مقارنة بالعام الماضي، واتجه المواطنون إلى منصات التواصل الاجتماعي لإبداء استيائهم وللتوعية بقضايا العنف ضد المرأة باستخدام الوسم #FeministConversationsKe و#StopGBVKenya.

نشرت (أكوث روزونا) تغريدة في تويتر مفادها:

الاسم: إديث موثوني.. السن: 27 عامًا.. المهنة: عداءة ماراثون
أصابها صديقها برصاصة في رأسها
هل موتها يقع على عاتق عائلتها فحسب؟ لا. نحن جميعًا معرضات للخطر

بدايتنا اليوم.. لن يوقفنا شيء.. غاضبين.. مستائين.. ضقنا ذرعًا وفاض بنا..
حان الوقت لتسمعوا قصصهن.. هل سندافع عنهن!؟ أخبروني.. اسمها……… #FeministConversationsKe #StopGBVKenya

زيادة مروِّعة في معدل جرائم العنف ضد المرأة في كينيا – للجرائم المُبلغ عنها فقط – بنسبة 301% في أول أسبوعين من تدابير الحظر الاحترازية لكورونا في الفترة بين مارس/آذار وأبريل/نيسان 2021، وذلك وفقًا لتقرير منظمة “مراقبة حقوق الإنسان HRW” في سبتمبر/أيلول 2021.

يُشير التقرير إلى أن مُعظم الانتهاكات وجرائم العنف تحدث “داخل المنزل” وغالبًا ما يتورط أفراد العائلة المُقربين “الأزواج”. لكن لا تقتصر جرائم العنف على أفراد العائلة، بل تمتد لتشمل المجتمع ككل كالجرائم التي يرتكبها الجيران.

وجهت منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” أصابع الاتهام للحكومة الكينية لإهمالها ووصفت سياستها بأنها “عاجزة عن التصدي لجرائم العنف ضد النساء والفتيات على نحو فعال”. كما أشارت المنظمة في تقريرها إلى العلاقة بين حالات الطوارئ المتعلقة بالصحة وزيادة جرائم العنف مُنوهين بأنه كان من واجب الحكومة “التنبؤ بارتفاع معدل الجرائم أثناء حالات الطوارئ المتعلقة بالصحة العامة خلال جائحة كورونا والتخطيط لمُجابهتها”. ناشدت المنظمة الحكومة بمنع وقوع جرائم العنف ضد النساء والفتيات، والتصدي لها في حالة حدوثها، واستدراك ما حدث وإنصاف الضحايا وتعويضهن خاصة وقت الأزمات مثلما حدث خلال جائحة كورونا.

الصحة النفسية للرياضيين الكينيين

Kenyan Long Distance Runners during the 2016 July Gold Coast Marathon by Angel Lite Photography is marked with CC PDM 1.0

العدائين الكينيين للمسافات الطويلية في ماراثون جولد كوست 2016. تصوير Angel Lite Photography بترخيص CC PDM 1.0

فتحت الأحداث السابقة ملف الاكتئاب والصحة النفسية – بجانب جرائم العنف ضد المرأة – وأعادته إلى صدارة الساحة الرياضية الكينية. فقلّما تحظى الصحة النفسية باهتمام في المجال الرياضي حيث يُطالب الرياضيون بالتفوق وتحقيق الألقاب رغمًا عن إصابتهم أو ظروفهم الشخصية، والويل كل الويل لمن يتخاذل منهم. سيُواجه بصافرات الاستهجان.

يُعتقد أن الأحداث السابقة – حالة الانتحار وجريمتي القتل – وسوء الأوضاع المهنية قد تفاقمت بسبب بقايا تأثير جائحة كورونا، فلقد توقفت المنافسات في كينيا لما يزيد عن عام تاركة الرياضيين – ممن يعتمدون على الجري والمنافسة – في حالة حرجة نفسيًا واقتصاديًا.

في حواره مع وسائل الإعلام الكينية في شهر أبريل المنصرم صرّح العضو التنفيذي بالاتحاد الكيني لألعاب القوى AK – برناباس كورير – أن عائدات كينيا انخفضت بما يقرب من 5 مليارات شسلينغ كيني (ما يقارب من 45 مليون دولار أمريكي) منذ مارس 2020 جراء تدهور الأوضاع التي سببتها جائحة كورونا.

كما كشف كبار الشخصيات علانيةّ عن معاناتهم مع تذبذب الأوضاع المهنية وتدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية منها المشاكل الزوجية وتحديات الأبوة والأمومة بجانب المصائب الآخذة في الحدوث.

أشار الرياضي السابق عضو الاتحاد الكيني لألعاب القوى – برناباس كورير – إلى سوء مستوى الرياضيين إن لم يكونوا في أفضل حالاتهم الذهنية. أضاف أن منهم من ينتهي به الحال بعد الاعتزال غارقًا في الاكتئاب مدمنًا على الكحوليات والمخدرات بسبب الفراغ بعد سنوات في قمة الرياضة وازدحام جدول الأعمال.

اليوم العالمي للصحة النفسية

تحت شعار “الرعاية الصحية النفسية للجميع: لنجعل هذا الشعار واقعاً!” انطلقت فاعليات اليوم العالمي للصحة النفسية – الذي يصادف 10 أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام – وموضوع هذا العام هو “الصحة النفسية في عالم غير متكافئ” بهدف معالجة أوجه التفاوت الآخذة في الاتساع من حيث الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والصحية.

لقد تفاقمت أوضاع الصحة النفسية في كينيا وباتت تمثل شاغلًا خطيرًا. حسب منظمة الصحة العالمية، تحتل كينيا المركز الرابع أفريقيًا من حيث عدد المصابين بالاكتئاب مع 1.9 مليون شخص يعاني من أحد أشكال الاكتئاب. إذ أبلغت كينيا عن حدوث 411 حالة انتحار في الفترة بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2021 مقارنة مع 196 حالة فقط في عام 2019.

على هذا الأساس، قرر الاتحاد الكيني لألعاب القوى – على إثر حالات الوفيات – وقف كافة الأنشطة المُقرر إقامتها في الفترة بين 16 و23 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام تكريمًا للرياضيين الراحلين عن عالمنا. كما صرّح الاتحاد الدولي لألعاب القوى في بيان صحفي:

We cannot hide our heads in the sand anymore; these unfortunate incidents are products of mental anguish afflicting various sports persons. A number of athletes are suffering immensely in their personal spaces but have chosen not to seek help for fear of stigma by society

لا يُمكننا التظاهر بأن شيئًا لم يحدث، فتلك الحوادث المُفجعة وليدة العذاب الذهني والألم النفسي الذي يُصيب مُختلف الرياضيين. الكثير منهم يُعاني في صمت واختار كتمان مشاعره وعدم طلب العون من الآخرين خوفًا من الوصم بالعار والتهميش في المُجتمع.

دعت الهيئة الوطنية لألعاب القوى إلى إيلاء مزيد من الاهتمام تجاه عالم الرياضة للتواصل مع الرياضيين وتقديم العون لهم. يُخطط الاتحاد الكيني لألعاب القوى لإقامة ندوات في شهر ديسمبر/كانون الأول لتحديد مُسببات مشاكل الصحة النفسية ووضع خطط بمسارات عِدة للتوصل لحلول بالتعاون مع فريق عمل وزارة الشباب والرياضة المعني بالصحة النفسية.

كما أعلنت هيئة الرياضة الكينية (الاتحاد الكيني لألعاب القوى) – على إثر حالات الوفيات –عن خططها لإقامة ندوات في مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول لتحديد مُسببات مشاكل الصحة النفسية بين الرياضيين ومُحاولة إيجاد حلول لها. فلقد صرّح رئيس الاتحاد الكيني لألعاب القوى جاكسون توي:

Athletes will be invited for candid sessions to identify these issues affecting them with a view to formulating solutions to the same. Considering that these challenges are unique to female and male athletes, there will be separate sessions for the two genders.

سنُوجه دعوة لمُختلف الرياضيين لحضور جلسات نقاش صريحة لتحديد المشاكل التي تؤثر عليهم لإيجاد حلول لها. كما سنعمل على إقامة جلسات مُنفصلة مُخصصة لكلا الجنسين نظرًا لاختلاف المشاكل التي تواجهها اللاعبات عمّا يُواجهه اللاعبين.

يرجع تزايد حالات الانتحار للتهاون في علاج حالات الاكتئاب. أعلم عزيزي القارئ أن للاكتئاب علاج ويُمكن منع حالات الانتحار. يُمكن طلب المساعدة من خطوط الدعم السرية الموثوقة لمن يشعرون بالاكتئاب أو يعانون من أزمة نفسية أو يُفكرون بالانتحار. يُرجى زيارة موقع Befrienders.org لإيجاد مساعدة لمنع حالات الانتحار أي كانت بلدك.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.