- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

«إهمال في الداخل، أرباح من الخارج»: النظام الطبي في كوبا

التصنيفات: أمريكا اللاتينية, كوبا, الاقتصاد والأعمال, سياسة, صحافة المواطن, صحة, كوفيد19
صورة توضيحية من كونيكتاس

صورة توضيحية من كونيكتاس

هذه المقالة مستخلص تحقيق [1] أجرته كل من المنصتين دياريو دي كوبا [2] وكونيكتاس [3] ونشرته جلوبال فويسز.

يعتمد عمل المجال الصحي في كوبا الذي يصل تكلفته لمليون دولار على ركنين، وهما الخدمة عالية المستوى المقدمة على الجزيرة للأجانب والتوريد الهائل للأخصائيين في الصحة في أثناء المهمات الطبية، وهذا النموذج المربح سمح للحكومة نشر الدعاية ورسم واجهة العطاء الإيثاري، في الحين الذي يتكبد فيه الكوبين انهيار المستشفيات، وكذلك معاناة الأطباء المشاركين في تلك المهمات في تعرضهم لجميع أشكال الانتهاك لحقوقهم.

كانت الجائحة التي سببها فيروس كورونا دربًا للوضع المثالي لإعادة الترويج للخدمات الطبية الكوبية التي عانت من تناقص بين عامي ٢٠١٨ و٢٠١٩ بعد انتهاء حكم الحكومات الموالية لكوبا في البرازيل وبوليفيا وإكوادور، كما أحيت إجراء التعاقدات الخارجية، فشكلت الجائحة إطار عمل لحكومة هافانا لإحياء دعايتها للبعثات الطبية، كما تضمنت حملة للمطالبة بجائزة نوبل للسلام لمجموعة الأخصائيين المرسلين للعمل لاحتواء أزمة كوفيد-١٩.

أعلن نائب وزير الصحة الكوبي دكتور رجلا أنجولو باردو في أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢١ أنه تعاون ٥٧ فريقًا مؤلف من ٤٩٨٢ عاملين بالصحة من أجل مكافحة كوفيد-١٩ في ٤١ منطقة في أمريكا اللاتينية، ودول الكاريبي، وإفريقيا، وأوروبا.

لم يتحقق حلم الحصول على جائزة نوبل، على العكس أصبحت كوبا منهكة وتصدرت المظاهرات التي اشتعلت فيها مقدمة الصفحات على وسائل الإعلام الكبرى على مستوى العالم، وكان انهيار نظام الرعاية الصحية العجز الصحي من مسببات الاحتجاج التاريخي في ١١يوليو/تموز ٢٠٢١ كما رفعها ارتفاع إصابات كوفيد-١٩ وارتفاع حالات الوفاة منذ منتصف أبريل/نيسان لهذا العام.

لم تكن الدعاية الكوبية الجديدة كافية لإخفاء الأفعال الشاذة المحاطة بنموذج المهمات الطبية للبلد لتلك الأعوام، ولا إبعاد الأنظار عن النظام الصحي الهش.  فأجرى كل من دياريو دي كابرو وكونيكتاس تحقيقًا وأجمعا شهادات [4] عديدة من الأخصائيين المشاركين في تلك المهمات في فنزويلا والبرازيل وبوليفيا والإكوادور كذلك السعودية، وأنكروا الانتهاكات الواقعة ضد حقوق الإنسان.

كما كشفت الشهادات عن المشهد الحالي للنظام الصحي في كوبا والتضاد بين الخدمة الصحية المقدمة للكوبين- المتدهور الذي حدث منذ سنوات وتسارعت وتيرته بسبب الجائحة- وبين السياحة العلاجية [5] المقدمة للأجانب التي مازالت تشتهر بها على المستوى الدولي.

لدى كوبا ٨.٤ طبيبًا لكل ألف شخص وهذا العدد أكبر مما لدى ألمانيا (٤.٢)، والسويد (٤)، والولايات المتحدة الأمريكية (٢.٦) واليابان (٢.٤). بل واجهت كوبا عجزًا بنسبة ٦٤ في المئة في عدد الأطباء من عام ٢٠١٠ إلى ٢٠١٧ من ٣٦ ألف إلى أن وصل ما يقارب ١٣ ألف.

كيف اشتهرت كوبا في مجال البعثات الطبية؟

أنشأت الحكومة الكوبية عام ١٩٨٤ برنامج الأطباء والممرضين للعائلة (Programa del Médico y la Enfermera de la Familia) بهدف توفير التغطية الشاملة لجميع سكان الجزيرة، بالرغم من أن البرنامج أصبح مرجعًا عالميًا إلا أن سقوط الاتحاد السوفيتي والأزمة التي لحقت بكوبا أظهرت عجز الخطة في استدامتها.

ثم جاء الحل مع صعود نفوذ سلطة هوجو تشافيز في فنزويلا ففي 30 أكتوبر/تشرين الأول 2000 وقعت كوبا وفنزويلا اتفاقية [6] بموجبه تعهد الجانب الكوبي بإرسال أطباء لتقديم خدمات بالمجان في الأماكن التي بها عجز في التغطية الصحية ولتدريب الموظفين الفنزويليين ومن الجانب الفنزويلي التزمت بإرسال ٥٣ ألف برميل من النفط يوميًا.

كما أجرت الحكومة الكوبية عام ٢٠١١ سلسلة من عمليات الخصخصة إسوة بالنموذج الروسي لتتمكن من تناسب اقتصاد دولتها للسوق العالمي الحر، ولذلك نشأ تسويق الخدمات الطبية الكوبية وتولت الشراكة أعمال إرسال الطاقم الصحي، ومن خلال تلك المنظومة وبفضل التحالف مع فنزويلا أصبح من الممكن إرسال عمالة متخصصة على نطاق واسع ولتحقيق الحلم الغالي لفيدل كاسترو لتصدير الثورة ومد أثارها للعالم، وبتلك الطريقة أصبحت البعثات الطبية أيضًا مساعدًا دبلوماسيًا [7] بالإضافة إلى أنها مساعد اقتصادي.

كما حلت البعثات الهائلة للأخصائيين في مجال الصحة المشكلة التي كانت تكمن في عجز الفرص التوظيفية لهذا العدد الجم من الأطباء في كوبا، لكن ما كان حلًا للحكومة الكوبية كان عبأ للعديد من الأطباء المشاركين.  كشفت الشهادات التي جمعت في التحقيق الصحافي مثل شهادة دكتور إيلساندر اديل برادو توريس أن الأخصائيين الكوبين لم يكن يسمح لهم بإقامة شعائر دينهم وممارستها أو اختيار رفيق حبهم.

كما كانوا ضحايا حيث انتهكت حرياتهم وحقوقهم الأساسية، فاستنكر أخصائيين الصحة اجبارهم لتوريطهم في المجموعات السياسية، ووصف طبيب كان مترأسًا للمجال الصحي المجتمعي المتكامل (Área de Salud Integral Comunitaria) في فنزويلا وضع دمجهم في السياسات المحلية بقوله: “كنت مسئولا عن خدمة نهر أسيك الكاريبي بمقاطعة أريسمندي ولاية سوكر وهناك أجبرت على دعم العمدة في حملة إعادة الانتخاب، فكل يوم كنت أشارك في اجتماعات لتخطيط استراتيجيات وكان كل تلك المهمات مع المستشار الأمني يدعى ميروسلافا وتعين علينا بالأخص إخبار العمدة كيف نعمل.”

بالرغم من سوء تولي الأخصائيين المشاركين تلك المهمات لكن البديل في عدم الذهاب كان الأسوأ، كما إن اختلاف الراتب بين التواجد في كوبا وبين الاشتراك كبير للغاية، حتى بعد إلزام أخصائي الرعاية الصحية دفع أكثر من ٧٥٪ من رواتبهم للسلطات. عندما تم اختيارهم للعمل خارج الجزيرة كما ما زالت تعتبر اختيار أكثر ربحي كما كان من الممكن تسجيل أي فرد يرفض الذهاب لمهمة بأنه مضاد للثورة ويعاقب مثل تكليفه عملًا في بلدة نائية، وإذا هرب من مهمة يحرم من الرجوع لكوبا لمدة ثمان سنوات.

أول نموذج تم تطبيقه في فنزويلا في عدة بلدان لكن ظهر بالأخص في البرازيل مع برنامج مايز ميديكوس الذي شارك فيه ما لا يقل عن ١٨ ألف من الأخصائيين الكوبين خلال فترة خمس سنوات.

أين تذهب الموارد الحقيقية المجمعة من تلك المهمات؟ خلال النصف الأول من عام ٢٠٢١ خصصت الحكومة ٤٥.٥ في المئة من الموازنة لخدمات الأعمال وأنشطة القطاع العقاري المتمركزة على السياحة الدولية بينما لم يخصص لمجال الصحة العامة إلا نسبة ٠.٨ في المئة.

بينما الوضع الصحي للكوبين رهيب وانتشار العجز في الدواء والأكسجين والبنزين لعربات الإسعاف والتوسع الفعلي للتدهور العام للنظام في البلاد وأصبحت الشبكات الاجتماعية منصة لشكوى المواطنين حول هذا الوضع حتى الموالين للنظام.

كما ازدادت التناقضات في نظام الرعاية الصحية خلال الجائحة سوءًا، وهذا الأمر نفسه الذي مكن الحكومة من إعادة نشر مهماتها حول العالم بينما تندر أغلب الأدوية الأساسية وبالرغم من أنها طورت كثير من تطعيمات كوفيد-١٩ في كوبا أكثر مما قامت به أي دولة أخرى من بلدات أمريكا اللاتينية، لكن بيعت ملايين تلك الجرعات للبلدان الأخرى للبلدان الأخرى في الوقت الذي لم يكتمل التطعيم لسكان كوبا إلا بنسبة ٤٠.٣ في المئة.

بمعنى آخر: إن الأعمال والسياسة موجهة للخارج والإهمال موجه للداخل.