- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

فهم ثقافة الرياح الموسمية في نيبال

التصنيفات: جنوب آسيا, نيبال, الأعراق والأجناس, تاريخ, حروب ونزاعات, صحافة المواطن, فنون وثقافة, الجسر
The Newar ritual of feeding frogs is immediately followed by the festive procession of the cow, which was actually the expected day for the monsoonal birth of the calves. Photo: Nepali Time Archive. Used with permission. [1]

تأتي طقوس “نيوار” الخاصة بإطعام الضفادع مباشرةً بعد الموكب الاحتفالي للبقرة، والذي كان يُعتبر في حقيقة الأمر اليوم المُتوقع للولادة الموسمية للعجول. الصورة: أرشيف (نيبالي تايمز) [1]، مُصرح باختصارها.

كاتب هذا المقال هو “جواتاما فاجرا فاجراتشاريا” [2]. يستَنِد هذا المقال إلى عنوان رئيسي [3] خاص بحفل جوائز “مادان بوراسكار ودجاجادامبا سيري” في “كاثماندو” وتم نشره في “نيبالي تايمز” [1]. تعيد “جلوبال فويسز” نشر نُسخة مُحررة من المقال كجزء من اتفاقية مشاركة المحتوى.

تتميز بعض المفاهيم والطقوس الفيدية [4] المتعلقة بالرياح  [5]الموسمية والأبقار بتوَغُّلها في الاحتفالات السنوية الدينية في جنوب آسيا حتى يومنا هذا، خاصًة في طقوس ومهرجانات [6] سكان [7] “نيوار” الأصليين [7] بقرية “كاثاماندو”. يشرح هذا المقال ما درسته عن تراتيل الضفدع الفيدية، والاسم الوصفي لفاسوديفا [8] أب الإله الهندوسي “كريشنا” [9].

تتعلق دراستي عن طقوس نيوار القديمة والمهرجانات  [10]الموسمية، وخاصةً ما درسته عن عبادة الضفادع، بما اكتسبته من خبرات طوال حياتي. قبل أن انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1974 تاركًا نيبال، لم يسبق لي العيش خارج الأراضي الموسمية [11] لحدود الهيمالايا في شبه القارة الهندية. بينما كنت أعمل متدربًا في براتاباديتيا بال [12] المشهور بالفن التاريخي بمتحف مقاطعة لوس أنجلوس للفنون، أصبحت على دراية بكتبٍ مهمة عن تاريخ الفن مؤلفوها زيمر [13]، وكوماراسوامي [14]، وكرامريش [15].

بدأت أهتم بدراسة “الفيدا” بسبب إشارة هؤلاء الدارسين المتكرر للأدب الفيدي [4] لشرح الفن الهندي. بعد أن انتهيت من عملي بالمتحف، التحقت ببرنامج لدراسة الدكتوراة في قسم دراسات جنوب آسيا بجامعة ويسكونسون- ماديسون [16].

تُعتبر مدينة “ماديسون” باردة للغاية مقارنةً بمدينتي “كاثماندو” و”لوس أنجلوس”، حيث يستمر فيها الشتاء لمدة نصف عام تقريبًا، فتبدو الأشجار فاقدة للحياة. تهاجر أنواع متنوعة من الطيور إلى الجنوب، وتلجأ الزواحف والسناجب والأرانب والضفادع للسبات الشتوي أسفل الأرض المُجمدة. كما تبقى الأبقار في الاسطبلات لمدة أربعة أشهر على الأقل.

ينتهي البيات الشتوي مع بداية شهر مايو/أيار بعد ذوبان الثلج. تبعث شمس الربيع الحياة في الأرض مجددًا، وسرعان ما يرجع للأشجار والأفرع خضارها وزهوها من جديد، وتخرج الضفادع من مبيتها وفي غضون أسبوع واحد تبدأ في النقيق، وهذا يعني وقت التزاوج.

لا تلجأ المخلوقات للسبات الشتوي في أغلب مناطق جنوب آسيا من ضمنها قرية “كاثماندو” بل تَصيف. خلال موسم الصيف الحار، تختبأ الثعابين والسلاحف والضفادع تحت الأرض.

Mist and mud in Nagarkot’s empt monsoon. Photo: Nepali Times Archive. Used with permission. [1]

ضباب وطمي في (ناجاركوت) الخالية من الرياح الموسمية. صورة: أرشيف (نيبالي تايمز)، مُصرح باستخدامها.

تقضي جاموس الماء والأفيال وقتها في تغطية أنفسها بالطمي، والبقاء في الماء مدةٍ طويلة. تنبثق الضفادع ومخلوقات أخرى تقوم بالسبات الصيفي من الأرض فور هطول أمطار الرياح الموسمية الأولى. كانوا يعتقدون في العصور القديمة أن الأمطار تهطل حينما تبدأ الضفادع في التزاوج وفقًا للميل إلى انعكاس السبب والنتيجة.

لم يكن فلاحو “نيوار” فقط الذين يعتقدون بأن الضفادع هي صانعة الأمطار، بل ومُعتقدو الفيدا أيضًا. (تراتيل الضفادع ومواليد المطر: ثقافة الرياح الموسمية وفن جنوب آسيا القديم، جواتاما ف. فادجراتشاريا، مؤسسة مارج، 2013).

تعلمت من دراستي الدقيقة للتراتيل بوجود نوعين مختلفين من أنماط الحياة الزراعية في العالم. يبدأ الزرع بالنمو في المناطق التي تسبت فيها الضفادع شتويًا بعد أن تقوم شمس الربيع بإذابة الثلوج والجليد.  يُفسر ذلك تفضيل عبادة آلهة الشمس في هذه المناطق.

أما بالنسبة للمناطق التي تقوم فيها الضفادع بالسبات الصيفي، تبدأ الزراعة [17] بعد هطول أمطار الرياح الموسمية، لهذا تلعب آلهة المطر دورًا هامًا في التاريخ الثقافي أكثر من إله الشمس [18] في شبه القارة الهندية.

ساعدتني هذه الملاحظة على التعرف على بعض آلهةٍ عظماء من آرييون الفيدا وهم ينتمون في الأصل لثقافة السبات الشتوي، ولكن أصبحوا تدريجيًا آلهة الأمطار الموسمية. حسب أثارفافيدا [19]، على سبيل المثال، عندما سكب الإله العظيم فارونا [20] مياهًا من الجنة بدأت الضفادع في التزاوج.

أدركت سريعاً أن “سرافاني”، اليوم الذي يكتمل فيه القمر في شهر سرافانا [21]، يُعد يومًا ذا أهمية لعدة أسباب. وفقاً لتقويم “نيوار” هذا هو اليوم الذي هطل فيه نهر الهيمالايا “سيهلو” من الجنة كأنه نهر من مطر كذلك مثل نهر “ساراسفاتي”.

Janai Purnima Frog-Feeding. Photo: Nepali Times Archives. Used with permission.

طعام الضفادع “جاناي بورنيما”. الصورة: أرشيف نيبالي تايمز، مُصرح باستخدامها.

هو أيضًا اليوم الذي تبدأ فيه الدورة الأكاديمية الفيدية  لموسم الأمطار [22] ويُنصَّب التلاميذ بالخيط  المقدس [23] “يوبافيتا” [24]، وبالتالي يصبحون مباركين بميلادهم الثاني أو الروحي ويكونوا مؤهلين لتعلم الفيدا عن ظهر قلب.

يُغير البراهيميين [25] في ذلك اليوم بالتحديد وحتى يومنا هذا اليوبافيتا الخاص بهم بشكل دوري في كل أنحاء جنوب آسيا.  كما يعبد أهل “نيوار” في وادي “كاثماندو” الضفادع في نفس اليوم.

لذلك كان من المُعتقد [26] في رامايانا [27] الملحمة السنسكريتية في الهندية القديمة أن الشهر المُقبل الذي يُسمى بروسثبادا أو بادرابادا هو الشهر الأول في موسم الأمطار.

على الرغم من درايتي بكل تلك المفاهيم التقليدية عندما كتبت عن تراتيل الضفادع، إلا أنني لم أكن متأكدًا من أصل هذا النظام بحساب الوقت. لم أُصبح على دراية بالطقس الفيدي  فروتسارجا [28] (معرفة الثيران) إلا قبل عدة أعوام فقط.  يتم تطبيق هذا الطقس سنويًا ويتعلَّق بالتلقيح الخريفي للأبقار وتوقُّع ولادة العجول مع بداية الأمطار الموسمية عندما تصبح النباتات الخضراء في وفرة لإطعام الأمهات من الأبقار والعجول.

Mha Puja in Nepal. Photo: Nepali Times Archives. Used with permission. [1]

مها بوجا في نيبال. الصورة: أرشيف نيبالي تايمز، مُصرح باستخدامها.

أوضحت لي [6] هذه النتيجة بشكلٍ جلي أن عبادة البقر الخريفية، وعادة أهل “نيوار” بالاحتفال بالسنة الجديدة باعتباره يوم عبادة الأجنة، وموكب الرياح الموسمية للعجول ترتبط جميعها ارتباطًا مباشرًا بالعادات الفيدية  للحمل الخريفي والولادة الموسمية.

يلي طقس “نيوار” لإطعام الضفادع موكب الاحتفال بالبقرة مباشرًة، وهو في الواقع اليوم المتوقع للولادة الموسمية للعجول. يشارك أطفال نيوار في موكب البقرة بالتنكر كأنهم عجول [29] مرتدين قبعات مُزينة بوجوه البقر.

لاحظت مؤخرًا بأن الأطفال يرتدون على شكل الرضيع “كريشنا” في الموكب، ويتميزون بحملهم المزامير وبتصفيفات شعر مُزينة بريش الطاووس. مَر موكب الأبقار [30] بعدة تغييرات عبر القرون الماضية لكن لدينا سببًا وجيهًا لنؤمن بأن مشاركة أطفال “كريشنا” في الموكب متعلقًا بالمفهوم الأصلي.

Gai Jatra in Nepal. Photo: Nepali Times Archive. Used with permission. [1]

جاي دجاترا في نيبال. الصورة: أرشيف نيبالي تايمز، مُصرح باستخدامها.

اليوم الثامن لكريشنا، أو كرسناستامي [31]، يوم ميلاد كريشنا [32] كما هو مُعتقد، يحدث ثامن يوم بعد سرافاني [33] وسبعة أيام بعد مهرجان البقر الموسمي. هذا لأنه لم يتم الاحتفال بولادة الطفل في نفس يوم الولادة في جنوب آسيا القديمة، ولكن يحتفلون به عند تجاوز الأم والطفل للمخاطر الرئيسية.

ثَم تبدأ رمزية السُحُب والمطر بالطبل في الظهور بجانب عبادة الشمس في الأدب الفيدي. على سبيل المثال، تُشير جامينيا براهمانا [34]  بأن صوت طبل الغلاف الجوي يتسبب بفيض مرازيب المياه الهوائية. [35]

يُشير لقب فازوديفا أناكادوندوبي [36] إلى أن سبب تسمية “فازوديفا” بهذا الاسم لأنه كان في الأصل إله السحب الرعدية. الاسم الحقيقي لفازوديفا هو الرب فازو [37]، يعني “الازدهار الزراعي” يُماثل “فازودارا [38]” التي يعبدها البوذيون باعتبارها إلهة حقول الأرز. النسخة الفيدية  لفازودارا هي فازور دارا، مُعَرَّفة رمزيًا بالبقرة. حليبها هو المطر المتدفق من ضرعها مثل السُحُب.

Krishna Janmastami in Nepal. Photo: Nepali Times Archives. Used with permission. [1]

كريشنا جامناستامي في نيبال. الصورة: أرشيف نيبالي تايمز، مُصرح باستخدامها.

ترتبط الثورة الزراعية بالضفادع أيضًا. وفقًا لترنيمة الضفدع ريجفيديك 7.103.10 فإن الضفادع ذات اللون الأصفر المائل للأخضر والتي تتزاوج مع بداية الرياح الموسمية هي المانحة لفازو. لهذا، يُشير بوضوح الاحتفال بميلاد كريشنا (ابن السُحُب الرعدية في بداية أمطار الرياح الموسمية) أن الطفل كريشنا هو في الأصل طفل المطر.

وفقًا لأبحاثي الأخيرة، كان اليوم الثامن من النصف المظلم من شهر بهادرا، والذي يُعتبر عيد ميلاد كريشنا، هو في الواقع إيكاستاكا [39] الفيدية، اليوم الثامن بعد اكتمال القمر.

هذا هو السبب في مشاركة الطفل كريشنا في المهرجان مع عجول حقيقية وأطفال يمثلون العجول في يوم موكب البقر في وادي كاثماندو. كان الطفل كريشنا طفلًا ميمونًا حقًا يمثّل كل ذرية مولودة حديثًا لهذا العام.