كتب هذا المقال كل من جوسيلين مديلو ونادين مدكور وسدهارث أكالي.
نبدأ عام 2022 والعالم مترنح على إثر حالات أوميكرون المتزايدة. انقضى عامان منذ إعلان منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا طارئة صحية دولية تسبب قلقًا دوليًا. حتى الآن تواجهنا أسئلة ملحة بصدد طريق الفرار من الوباء، وخلال فترة التعافي: من سيقدم الدعم المالي؟ على ماذا ستنفق الأموال؟ كيف نضمن وصولها للأشخاص الأكثر حاجة لها؟
وضعت المؤسسات المالية الدولية (IFIs)، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومختلف مصارف التنمية الإقليمية، بصفتها جهات فاعلة رئيسية فيما يخص التعافي من التبعات الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها الوباء على الصعيد العالمي. في عام 2020، عندما اجتاحت الموجة الأولى من فيروس كورونا العالم، حث خبراء الاقتصاد البلاد على الإنفاق والاقتراض، وهذا بالضبط ما فعلته. لتلبية هذا الطلب العاجل، قامت المؤسسات المالية الدولية باختزال الأطر الزمنية للصرف، وبذلك فهي بشكل رسمي أو غير رسمي لم تلتزم بمتطلبات الضمان الاجتماعية والبيئية.
خصصت تلك المؤسسات بالفعل مليارات الدولارات من الأموال العامة للتصدي للجائحة، مما عزز الصورة الإيجابية بأن أموالها توجه للقطاع الخاص وللمجموعات التي تعاني من التهميش. إلا أنّ المجتمعات المحلية لها منظور آخر.
كانت مجموعات المجتمع المدني من كل أنحاء العالم، منذ المراحل الأولى للجائحة، تطالب المؤسسات المالية الدولية بنهج قائم على حقوق الإنسان. كان العاملون في المجال الطبي، والصحفيون، وأعرب غيرهم ممن تأثروا مباشرة باستجابة المؤسسات المالية الدولية لكوفيد-19 عن تخوفاتهم إزاء احتمالية تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان، والمساحة المتضائلة للمشاركة الديموقراطية، والأضرار البيئية، وانحدار مستوى المعايير البيئية والاجتماعية، والفساد والديون المتفاقمة. الآن تتزايد الأدلة بأن الكثير من هذه الأخطار المحتملة قد غدت واقعًا.
من الظاهر وجود انعدام للشفافية على نحو مثير للقلق إزاء الطريقة التي أُنفقت بها أموال المؤسسات المالية الدولية والآثار الفعلية التي تركتها على أرض الواقع للمجتمعات المحلية. إلا أنّ مجموعة من دراسات الحالة على المستوى الوطني التي يجريها أعضاء وشركاء في التحالف من أجل حقوق الإنسان في التنمية كانت تحاول أن تكشف الإيصالات وتجدها وتقيم الآثار والنتائج. “الإيصالات الضائعة” — رؤية تعاونية جديدة لهذه التقارير الدولية والوطنية — توثق العديد من حالات النقص في استجابات الوباء التي مولتها المؤسسات المالية الدولية، وتثير مخاوف حقيقية بصدد ما إذا كان، وتحت أي ظروف، تمويل المؤسسات المالية الدولية الحل الأمثل للأزمة الحالية والطوارئ الدولية المستقبلية.
كشف البحث عن مشاكل في التنفيذ بما في ذلك الفساد، ورأسمالية المحاباة، وإقصاء من هم في أمّس الحاجة إلى الدعم. على نحو مثير للقلق، فإن النساء، والسكان الأصليين، والسكان من محدودي الدخل، والأشخاص ذوي الإعاقة، والعاملين في المجال الطبي في الخطوط الأمامية كانوا غالبًا مستبعدين من تشكيل البرامج التي تدعمها المؤسسات المالية الدولية والانتفاع بها على حد سواء.
جدير بالذكر أن الكثير من الدول النامية منخفضة أو متوسطة الدخل والتي تعرضت للاستعمار قد دخلت الوباء وهي بالفعل في حالة هشاشة ناجمة عن وصفات الليبرالية الجديدة. لمدة عقود، كانت المؤسسات المالية الدولية توطد فكرة التمويل القائم على الدين، والاقتصادات القائمة على استخراج الموارد الطبيعية، وتخصيص الخدمات الأساسية، وإضفاء طابع المرونة على أسواق العمل. أسفر ذلك عن إفراغ القطاع الخاص من مضمونه، والحد من برامج الحماية الاجتماعية، واستئثار الشركات. لم تتحمل المؤسسات المالية الدولية مسؤولية جراء تلك الأفعال ولا الفقر وعدم المساواة الناجمة عنها. لم تغير كذلك توجهها في استجابتها للوباء، عوضًا عن كذلك، فقد دعمت تلك المؤسسات نموذج “القطاع الخاص أولًا“، مركزة على زيادة الاستثمار الخاص أكثر من دعم الدول في إعادة بناء قدرة الدول على الصمود على المدى الطويل.
بذلت المؤسسات المالية الدولية كمية كبيرة من المال بوصفها جزءًا من الاستجابة للوباء: تعرّف متعقب الكوفيد-19 نظام الإنذار المبكر الخاص بالمجتمع المدني على ما يتعدى 1500 مشروع معروف بتكلفة تربو على 160 مليار دولار ضمن التمويل المفصح عنه من جهة بنوك التنمية. لكن يظهر نظام الإنذار المبكر أن المبلغ الذي تم إنفاقه على المنافع المباشرة للشعوب أقل بكثير من الذي حاز عليه القطاع الخاص. على الرغم من أن أغلب الدعم الذي قدمته المؤسسات المالية الدولية كان مقدمًا للحكومات وليس للشركات، فتلك الصورة غير كاملة، حيث إن أغلب المال الذي مُنح للقطاع الخاص ذهب للشركات الكبيرة.
يجب على حوارات السياسة رفيعة المستوى بصدد الاستجابة للكوارث، والتنمية، والهيكل المالي أن تشمل معلومات من الشعوب المحلية وداعميهم بخصوص الأثر الفعلي لتمويل المؤسسات المالية الدولية خلال الوباء.
في عام 2020، أعادت المؤلفة والناشطة أرونداتي روي إلى أذهاننا أنه “من منظور تاريخي، فقد أجبر الوباء البشر على طوي صفحة الماضي وتخيل عالمهم بشكل جديد”. رأت كذلك أن وباء كورونا ما هو إلا محض بوابة، وبوسعنا اختيار طريقة عبورنا لها والعالم الذي نرغب في السير نحوه.
في الوقت الراهن، بينما تكابد البلاد في التعامل مع الآثار طويلة الأجل للوباء، مع وقوع ملايين الأفراد في براثن الفقر، وزيادة تجذر عدم المساواة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والديون، وموجات جديدة من كوفيد-19 تتصدر العناوين، يتساءل الكثيرون: أين ذهبت الأموال الصادرة من المؤسسات المالية الدولية؟ كيف ستدفع حكوماتنا التزاماتها من الديون؟ ما البرامج الاجتماعية التي ستتوقف في المقابل؟ هل ثمة طريقة أفضل للخروج بسلام من الأزمة؟ هل هذه تنمية مستدامة؟
للإجابة عن تلك الأسئلة، على المؤسسات المالية الدولية الكشف عن الوصولات. نحن، الشعب، بحاجة إلى معرفة أين ذهبت الأموال وأي أثر قد حققت. نحتاج كذلك من المؤسسات المالية الدولية معالجة المشروعات التي استبعدت المجموعات المهمشة، أو التي سُرقت فيها أموال التمويل، أو التي ألحقت الضرر بالكائنات الحية والكوكب. يجب على الحكومات والأكاديميين ومنتديات السياسة رفيعة المستوى مطالبة المؤسسات المالية الدولية بالكشف عن الوصولات قبل السماح لها بتأدية دور أكبر في مرحلة الوباء والتعافي.
في خضم تكاثر الأخبار بخصوص متحور أوميكرون، علينا نحن كجتمع المدني، تذكر أن بوابة الجائحة لا تزال مفتوحة. يمكننا أن نختار العبور من خلاله، ساحبين خلفنا جثث الأفكار الميتة عن المؤسسات المالية الدولية التي تكرر نماذج الإمبريالية الاقتصادية، ومعاداة المرأة، والأزمة البيئية. أو يمكننا السير بشجاعة، مسلحين بالحب والكرم، في أهبة الاستعداد للتخيل والنضال لعالم مغاير تقود فيه المجتمعات المؤسسات التي تدعم التنمية وتمويل الأزمات، وتكون تلك المؤسسات ديموقراطية، وعادلة، ومتبعة لنهج قائم على حقوق الإنسان.