- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

حرب الطائرات المسيّرة: هل يستطيع القانون الإنساني الدولي مواكبة التكنولوجيا؟

التصنيفات: تقنية, حجب, حروب ونزاعات, حقوق الإنسان, صحافة المواطن, علاقات دولية, أدفوكس

لقطة شاشة من قناة يوتيوب لدعاية فيلم ناشيونال بيرد [1] التي تحكي قصة محللّين لطائرات مسيرة كشفوا عن المخالفات في الولايات المتحدة.

لقد أحدثت الطائرات المسيّرة ثورةً في الحرب المعاصرة. ولكن هل القانون الدولي مهيّأ بما يكفي لوضع إطار لاستخدام تقنية سريعة التطور تتسبّب أيضًا بوفاة المدنيين؟

بدأ استخدام الطائرة المسيرة، أو الطائرة بدون طيار، لأغراض عسكرية في وقت مبكر يعود إلى أربعينيات القرن التاسع عشر [2]، ولكنها كانت في الغالب لأغراض المراقبة. تغيرت الأمور بشكل جذري في مطلع العقد الأول من القرن الواحد والعشرين [3]، عندما بدأت الحكومة الأمريكية باستخدام الطائرات المسيرة بقدرات مذهلة في أفغانستان. الحجة التي اتخذتها واشنطن آنذاك هي أن الهجمات بالطائرات المسيرة تمثل شكلًا من أشكال “الحرب النظيفة” لأنها لا تستلزم انخراط القوات الأميركية على الأرض. بالفعل، وصفتها [4] إدارة أوباما بأنها “ضربات جراحية [5]” تقلّل من الخسائر بين المدنيين وفق ما زعمت.

القانون الدولي

لا يحتوي القانون الدولي على أي حكم يراعي استخدام الطائرات المسيّرة. ما يُستخدم بدلًا من ذلك كمرجع قانوني رئيسي هو اتفاقيات جنيف [6] التي وضعت قواعد للقانون الإنساني الدولي في أوقات الحرب. أحد العناصر الرئيسية في هذه الاتفاقيات هو تعريف النزاعات المسلحة وحماية المدنيين الذين ليسوا منخرطين مباشرةً في الأعمال الحربية إنما يعانون منها بشكل مباشر بطبيعة الحال. وضعت اتفاقيات جنيف الأساس لما يسمى بالقانون الإنساني الدولي والقوانين الدولية لحقوق الإنسان التي تسعى إلى حماية المدنيين ويمكن استخدامها كمرجع في سياق الهجمات التي تشنها الطائرات المسيرة العسكرية على غير المقاتلين.

خلال مؤتمر عن الطائرات المسيرة أجرته منظمة Disruption Network Lab في برلين، تحدثت جلوبال فويسز مع خليل ديوان [7]، وهو محامٍ ومحقق متخصص في القضايا المتعلقة بالمدنيين الذين يسقطون ضحية الهجمات بالطائرات المسيرة العسكرية. يقول السيد ديوان موضحًا:

The issue is not with the lack of laws but wide ranging interpretation of pre-existing international law governing the use of force inside and outside conflict zones where armed drones are operating.

لا تكمن المشكلة في غياب القوانين، بل في التفسير الواسع للقانون الدولي الموجود من قِبل الذين يتحكمون بقواعد استخدام القوة داخل مناطق الصراع وخارجها حيث تعمل الطائرات المسيرة المسلحة.

بالفعل، فإن قانون الحرب الذي يُستخدم كذريعة شاملة لتبرير الهجمات بالطائرات المسيرة يستوجب أن تكون الدول في حالة حرب رسمية. لكنّ هذا الوضع لا ينطبق على أماكن كاليمن بالنسبة للولايات المتحدة على سبيل المثال. يفيد ديوان، الذي حقق في مقتل 14 شخصًا سقطوا ضحية طائرات مسيرة في أربع حالات مختلفة وقعت في الصومال [8]، أنه عندما تحدّث إلى القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، أنكرت هذه الأخيرة وقوع أي إصابات بين المدنيين. يخلص إلى القول إن هذا الأمر يكشف عن سياسة غطرسة وإفلات من العقاب تحول دون إجراء أي تحقيق في أعقاب الضربات.

من إحدى الحالات المعبّرة لهذا الموضوع، وفاة المواطن الأميركي أنور العولقي [9] في سبتمبر/أيلول 2011 بسبب طائرة مسيرة أميركية أثناء وجوده في اليمن، في انتهاك كامل للحق في محاكمة وفق الأصول.

لكن على حد قول ديوان، ثمة مسألة رئيسية أخرى يبدو أن العديد من منظمات حقوق الإنسان تتجنب مناقشتها، ألا وهي:

How legal and ethical is it to kill suspected combatants instead of capturing them and providing a fair trial? In countries that are not officially in a state of war with Washington?

ما مدى قانونية وأخلاقية قتل المقاتلين المشتبه بهم، بدلًا من القبض عليهم ومحاكمتهم محاكمة عادلة؟ في الدول التي ليست في حالة حرب رسمية مع واشنطن؟

يشير ديوان إلى وجود توافق عام على ما يبدو في البلدان الغربية على أن القتل خارج نطاق القانون هو ممارسة مقبولة بحق المصنّفين في خانة “الإرهابيين”.

شبكة “سحابة القتل” The Kill Cloud: أداة تمويه مثالية لتجنّب المسؤولية

من التحديات الكبيرة الأخرى التي تواجَه في إسناد المسؤولية، هو نظام البيانات القوي للغاية الذي يشغّل الطائرات المسيرة، والذي تساهم فيه بلدان وشركات مختلفة بشكل فاعل.

لعل هذا ما لا يعرفه الأشخاص غير المتآلفين مع الطائرات المسيرة: جهاز الطيران بدون طيار هو مجرد مركبة آلية مزودة بأجهزة استشعار، ولكنّ ما قد يحوّله إلى سلاح قاتل هو ما يسميه بعض الخبراء اليوم “كيل كلاود”، وهي شبكة معلومات واسعة وغنية وشديدة التعقيد تستطيع أن تجعل الطائرات المسيرة تتحرك باستقلالية وأن تنفّذ الضربات. تستوعب “كيل كلاود” كميات هائلة من البيانات الصادرة عن الأقمار الصناعية وغيرها من أجهزة المراقبة، والتي يترجمها ويحلّلها البشر ثم يعيدون إدخالها في الطائرة المسيرة التي يتم بعد ذلك تكليفها بمهمة ما. وعلى حد ما يشرحه كلٌ من ليزا لينغ وسيان ويستمورلاند، وهما عضوان سابقان في المؤسسة العسكرية الأميركية وخبيران في الطائرات المسيرة تحوّلا إلى مبلّغين عن المخالفات، في كتاب “كشف الفساد من أجل التغيير” (الذي يمكن تحميله مجانًا هنا [10]).


[We must] avoid a narrow framing that obscures the distributed systems, bureaucratic institutions, and cultural biases behind the intensive intelligence, surveillance, and reconnaissance production that directs these platforms toward their targets. The concept is unprecedented and its colonial scope continues to bring endless war to communities of color across the globe.

[يجب أن] نتجنب وضع الأمور في إطار ضيّق، يحجب الأنظمة الموزعة والمؤسسات البيروقراطية والتحيزات الثقافية التي تقف وراء الإنتاج الكثيف لآليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع التي توجّه هذه المنصات نحو أهدافها. هذا المفهوم غير مسبوق، ولا يزال نطاقه الاستعماري يسبب حروبًا لا تنتهي في مجتمعات ذوي البشرة الملونة في جميع أنحاء العالم.

تزداد قدرات السحابة شيئًا فشيئًا، وفيها تلتبس خيوط المسؤولية بسهولة: إذ تعمل شركات مختلفة على توفير البرمجيات أو الصور أو المحتوى، تمامًا كما تفعل البلدان المتحالفة مع الولايات المتحدة. عندما تضرب طائرة مسيرة وتقتل المسلحين، وإنما أيضًا المدنيين، مَن يكون المسؤول ولأي سلطة قضائية يخضع؟

يشرح ديوان أن الجميع يسارع إلى التملص من المسؤولية المباشرة:

When I talk to French military, the first thing they tell me is this: “We are not like the US we don’t conduct signature strikes.” Yet they do contribute to the feed of data, analysis and surveillance that allows the US Kill Cloud to operate.

حين أتحدث إلى المؤسسة العسكرية الفرنسية، أول ما يقال لي هو: “نحن لسنا كالولايات المتحدة، فنحن لا ننفّذ ضربات فريدة”. لكنها تساهم في تغذية البيانات والتحليلات والمراقبة التي تسمح لسحابة القتل الأمريكية بتنفيذ عملياتها.

طرفٌ جديد في اللعبة: تركيا

إذا كانت الطائرات المسيرة قد أحدثت ثورة في الحرب المعاصرة، فتركيا قد تكون بصدد تغيير قواعد لعبة استخدام الطائرات المسيرة بشكل جدي. في العام 2004، بدأت تركيا بإنتاج طرازها العسكري الخاص من الطائرات المسيرة تحت اسم بيرقدار. ظهرت هذه الطائرات على ساحة الحرب الدولية في العام 2020 خلال حرب أذربيجان مع أرمينيا [11] لاستعادة أراضيها المحتلة، ومؤخرًا حين اعترفت أنقرة بأنها باعت بعضها إلى أوكرانيا. حققت هذه الطائرات نجاحًا كبيرًا في محاربة الغزو الروسي إلى درجة إصدار أغنية عنها [12] في أوكرانيا.

بحسب ديوان، تعمل الطائرات المسيرة التركية في سياق مختلف تمامًا:

Turkey does not have the capacity of the US-led Kill Cloud. When it announced it would develop its own drones, there was fierce opposition and criticism from experts in Germany. Yet they have operated in Azerbaijan and Ukraine, and as far as we can tell, only on combatant targets, with no or minimal civilian targets.

لا تتمتع تركيا بقدرات سحابة القتل التي تقودها الولايات المتحدة؛ وعندما أعلنت أنها تنوي تطوير طائراتها المسيرة الخاصة، جوبهت بمعارضة شرسة وانتقادات حادة من الخبراء في ألمانيا. مع ذلك، استُخدمت هذه الطائرات في أذربيجان وأوكرانيا، على حد علمنا، ضد أهداف قتالية فحسب، ولم تُستخدم ضد أهداف مدنية إطلاقًا أو بحد أدنى فقط.

مع احتدام الحرب في أوكرانيا، تبيّن أن استخدام الطائرات المسيرة وتكنولوجيتها لهما أهمية استراتيجية لكل الدول التي تملك جيوشًا كبيرة.

يتوفر هنا عرض مصوّر لخليل ديوان (من الدقيقة 40) يحتوي على تحليل أطول لهذه المسألة.