- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

بيروت: طعم الأزمة عبر فنجان قهوة

التصنيفات: الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, لبنان, الاقتصاد والأعمال, سياسة, صحافة المواطن

لطالما كان شارع الحمرا في بيروت قِبْلة عشاق القهوة والسائحين. أما اليوم فقد أصبح الشارع، ومحامصه، ومقاهيه، فارغين ومهجورين. التقط الصورة عمر بوتين وتم السماح باستخدامها.

يعتبر شارع الحمرا أحد شوارع بيروت المشهورة ملاذاً لعشاق القهوة، أو ربما من الأنسب القول بأنه كان كذلك. فقد أدى الانهيار الاقتصادي في لبنان، المصنف من قِبَلْ البنك الدولي ضمن أشد 10 أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر – إن لم يكن في المركز الثالث [1] – والذي تفاقم بعد الانفجار المأساوي لمرفأ بيروت في عام 2020، إلى تفكيك النسيج الحضاري لشارع الحمرا وقضى على ثقافة القهوة الأثيرة لديهم.

تجد مقاهي الحي التي كانت صاخبة فيما مضى هادئة بشكل مخيف وخالية إلا من العمال الذين يتحركون في الظلام ذهابًا وإيابًا بلا هدف. يعاني شارع الحمرا مثله مثل باقي مناطق بيروت من انقطاع التيار بشكل مستمر.

تقول كريستين البالغة من العمر 20 عامًا، التي تدرس إدارة الأعمال الدولية بالجامعة اللبنانية الأمريكية “آخر مرة ذهبت فيها إلى المقهى كانت في الأسبوع الماضي، لكنني لم أطلب أية قهوة”. تضيف: “كانت غالية الثمن. وقد ذهبت إلى هناك فقط لألتقي بأصدقائي ونقضي بعض الوقت”.

لقد تناقص عدد الزبائن المترددين على المقاهي والمحامص وأكشاك شرب القهوة، الأمر الذي لا يدعو إلى الدهشة نظرًا لانهيار الاقتصاد اللبناني منذ عام 2019. كما فقدت [2] العملة الرسمية وهي الليرة ما يقرب من 95% من قيمتها مع بداية عام 2022. نتيجة للأزمة تضاعفت الأسعار وانهارت قيمة الرواتب والأجور وسقطت شرائح كثيرة من اللبنانيين في براثن الفقر وكافحت الشركات في جميع أنحاء البلاد للبقاء صامدة. كما فقد الحد الأدنى للدخل القومي، المعادل 675000 ليرة لبنانية أو 450 دولار أمريكي عند سعر صرف 1500 ليرة لبنانية، حوالي 84% [3] من قيمته في عام 2021 حيث انخفض في القيمة ليصل إلى 72 دولار فقط في الشهر.

أصبح الضرر الناتج الذي أصاب ثقافة القهوة في شارع الحمرا ملموسًا. مع الارتفاع المتزايد لأسعار القهوة في ظل تقلب سعر الصرف، اضطر العديد من أهالي بيروت من عشاق القهوة والذين يعانون من ضائقة مالية إلى الاستغناء عنها. أصبحت النزهة الترفيهية المعتادة للقاء صديق وتدخين النرجيلة (الشيشة) مع الاستمتاع بفنجان من القهوة في أحد المقاهي المنتشرة في شارع الحمرا بالنسبة لسكان المدينة المحاصرين شيئًا من الماضي.

تقول منار، البالغة من العمر 21 عامًا، التي تدرس الإعلام والاتصالات في الجامعة الأمريكية في بيروت: “لم أعد أشرب القهوة بكثرة كما اعتدت”. تضيف: ” لقد أصبحت باهظة الثمن. كنت أحب قبل الأزمة تناول عدة فناجين من القهوة يوميًا في شارع بليس، لكن انخفض استهلاكي ليصل إلى فنجان قهوة واحد في اليوم. هكذا يكون الأمر في متناول ميزانيتي ويمكنني تحضير قهوتي بنفسي في المنزل”.

القهوة: “نفقة لا مبرر لها”

لقد صمد شارع الحمرا الواقع في قلب بيروت، ومقاهيه أمام التاريخ المضطرب لذلك البلد الصغير من حروب أهلية، واجتياحات، واغتيالات، وعنف. على الرغم من ذلك فقد أثبتت الأزمة الاقتصادية الحالية بأنها غريم قوي.

بلغت قيمة فنجان واحد من الإسبريسو في بعض الأماكن حاليًا 20 ألف ليرة لبنانية تقريبًا، بينما في أماكن أخرى وصلت تكلفة فنجان واحد من القهوة التركية إلى 25 ألف ليرة لبنانية. أما عن الكابتشينو وقهوة “الفلات وايت” فقد بلغت قيمتهما 40 ألف ليرة لبنانية في بعض الأماكن. في نفس السياق ظل الحد الأدنى للأجور اليومية ثابتًا [4] عند قيمة 30 ألف ليرة لبنانية في بلد ترتفع فيها أسعار الوقود والدواء بشكل مستمر؛ حيث وصل سعر الطعام إلى أعلى مستوى على الإطلاق بنسبة 600% [5] منذ عام 2019.

بالنسبة لكرستين:

Coffee has become an unjustifiable expense that has to be weighed carefully against other more vital expenses. 

أصبحت القهوة نفقة لا مبرر لها، يجب حسابها جيدًا مقابل النفقات الضرورية الأخرى.

كما تباينت الآثار المترتبة على عادات الناس الاستهلاكية للقهوة.

لا يحتاج أبناء بيروت المندهشين من الارتفاع السريع لأسعار احتياجهم اليومي من القهوة للبحث بعيدًا لمعرفة السبب وراء ذلك. في بلد يعتمد على الاستيراد لتلبية كافة احتياجات المستهلكين بدءًا من الطعام مرورًا بالقهوة وانتهاء بشفرات الحلاقة المستخدمة في صالونات الحلاقة ستجد أن كل شيء قد تأثر بسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار.

يقول علي حرب من مقهى Good 2 Go في شارع المقدسي المتفرع من شارع الحمرا “نحن لا نزرع البن محليًا بلبنان”. يضيف “يشتري أصحاب المقاهي البن من شركة تُسمى باريستا Barista، والتي تستورد منتجاتها من الخارج. يجعل هذا من الصعب أحيانًا الحصول على أنواع معينة من القهوة، مثل تلك التي بدون كافيين. يتوقف سعر القهوة على سعر الصرف الذي تم شراؤها به. عندما يتساءل زبائني لِمَا لم تنخفض أسعار قهوتهم مع التقلبات الحاصلة بسعر الصرف، أجيبهم بأن ذلك لأننا اشترينا القهوة بالفعل بسعر مبالغ فيه، لذلك فإننا لا نملك أي خيار سوى بيعها بسعر مرتفع جدًا”.

لكن وبالنسبة للكثيرين في بيروت، هناك أمر أكبر من فناجين قهوة بتكلفة معقولة على المحك.

تضيف منار “لم تعد مجرد مسألة عدم القدرة على تحمل تكلفة فنجان قهوة”.

The district’s entire coffee culture is being affected. The crisis has impacted not only the frequency of coffee consumption in Hamra, but also our relationship to the cafes where we used to spend our time. It’s not about the coffee being consumed — it’s about the relationships that we built with the cafes and with the people with whom we’re sharing a cup of coffee. All that has been affected by the crisis. The cafes are empty. They’re not as busy as they used to be. Hamra’s coffee culture is dying. The crisis is killing it

لقد تأثرت ثقافة القهوة بأكملها في المنطقة. فلم تؤثر الأزمة فقط على معدل استهلاك القهوة في شارع الحمرا، بل أيضًا على علاقتنا بالمقاهي حيث اعتدنا أن نقضي أوقاتنا. لا يتعلق الأمر باستهلاك القهوة، إنه يتعلق بالصلة التي ننشئها مع المقاهي ومع الأشخاص الذين نتشارك معهم فنجان القهوة. لقد تأثر كل هذا بسبب الأزمة. أصبحت المقاهي خالية، ولم تعد مزدحمة كما كانت في السابق. إن ثقافة القهوة في شارع الحمرا تحتضر، وتكاد الأزمة تقضي عليها.