- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

سابقة في تطبيق تقنية التعرف على الوجه في البرازيل

التصنيفات: البرازيل, تقنية, صحافة المواطن, أدفوكس, Unfreedom Monitor

صورة بترخيص من “لائيس مارتينز”

يستخدم، كلّ يوم، قُرابة خمسة ملايين من الأشخاص خطّ مترو “ساو باولو”، من المُحتمل تسجيل ملامح الوجوه داخل نظام استُعمل في بداية سنة 2010. في 23 من شهر مارس/آذار الصارم، أقرّت المحكمة المحلية لمدينة “ساو باولو” [1] بأن تتخلى مؤسسة المترو الحكومية عن استعمال هذه التكنولوجيا.

قامت مؤسسة المترو بالطعن في قرار المحكمة، مُؤكدة [2] أنّ نظام المراقبة “يستجيب بصرامة للقانون العام لحماية البيانات”، ولكن هذا الاستئناف رفضته المحكمة ذاتها، في منتصف شهر أبريل/نيسان الماضي.

اعتبرت هيئات من المجتمع المدني، التّي قدّمت العريضة كطرف مدني [3] من أجل إيقاف إعادة جمع البيانات، القرار نصرًا، ورأت أنّ جمع البيانات غير دستوري ولا يمت بصلة بالطابع القانوني البرازيلي في مجال الحقوق المدنية الرّقمية.

في مطلع شهر مارس/آذار من سنة 2022، طرحت هذه المجموعة عريضة ضدّ مؤسسة المترو الحكومية، مطالبة بإمكانية وضع حدّ لإعادة جمع البيانات، ودفع غرامة من أجل الأضرار النفسية قيمتها على الأقل 42 مليون ريال برازيلي (أي حوالي 8.5 ملايين دولار أمريكي).

مع ذلك، ترغب هذه المجموعة المدنية في أن يكون لهذا القرار صدى أوسع من فضاء خطّ مترو “ساو باولو”، وهي تأمل في أن تؤدي دورًا في مجال التكوين القضائي بخصوص تكنولوجيات التعرف على الوجه، في بلد حيث الإطار القانوني لا يشير إلاّ قليلاً، أو بالكاد ينعدم، إلى هذه الأنظمة.

تشرح المحامية شيلا دي كارفالو، مُنسقة مركز المُراجعات القانونية على موقع المادة 19، البرازيل وأمريكا الجنوبية [4]: “يُمكن أن يكون لهذا القرار صدى على الصعيد الوطني، وهذا بالنّظر إلى المُناقشات الحالية حول كيفية تطبيق “القانون العام لحماية البيانات”، في ظلّ إطار قانوني للحماية لا يزال حديثًا، وهو في طور الصّياغة القانونية واتفاق مع النّظام القضائي”.

يعدّ موقع “المادة 19″، من بين المُنظمات التّي وقّعت عل العريضة، مع كل من “الدّفاع العام لولاية ساو باولو”، و”الدفاع العام الفيدرالي”، و”المعهد البرازيلي للدّفاع عن المستهلكين” (Idec)، ومنظمة “أنترفوس” (Intervozes [5])، ورابطة الاتصال الاجتماعي ورابطة الدّفاع عن حقوق الإنسان (CADHu).

أشارت كارفالو إلى أنّ الغاية الأساسية لتقديم عريضة لدى المحكمة، تكمن في بعث نقاش بخصوص استعمال البيانات الشّخصية، وضرورة الموافقة على استخدامها والنّظر في الآثار التمييزية والأضرار الاجتماعية النّاجمة عن كيفية إعادة جمع البيانات.

قالت المُحامية لفريق “جلوبال فويسز” في فيديو مُسجّل: “تفتح لنا هذه العريضة [وما تضمّه من حُجج] المجال لوضع المزيد من المعايير للحماية فيما يخصّ استخدام البيانات الشّخصية”.

في السّنوات الأخيرة، عرض المؤتمرون مشاريع قوانين [6] في محاولة لتنظيم ووضع مناهج لتطبيق الذّكاء الاصطناعي، لاسيما فيما يتعلق بالأمن العمومي، مع أنّه جرت مناقشات بين خبراء [7] في مجلس الشيوخ، على أمل في أن يُصاغ مشروع قانون جديد من شأنه أن يحترم أكثر الخصوصية، ويتعمّق في محتوى مُقترحات أخرى موجودة وذات الصّلة.

في شهر فبراير/شباط من سنة 2020، أعلنت [8] خطوط مترو “ساو باولو” بوضع “نظام المراقبة الالكترونية باستخدام الصور” في ثلاث محطات من بين الخمسة المتواجدة في خطّ المترو؛ ومُنح المشروع للمجمع “أنجي إينيو جونسون”، الذي يضمّ مؤسسات إيرلندية وفرنسية، باستثمار مُتوقع بحوالي 58.6 مليون ريال برازيلي (أي حوالي 11.5 مليون دولار أمريكي).

في تلك الآونة، لجأت هيئات من المجتمع المدني المُتحالفة (تلك التّي قدمت عريضة شكوى لدى المحكمة) إلى مجلس القضاء للحصول على معلومات أوفر عن النّظام. كانت ترغب في معرفة كيفية تعديل المُبادرة مع المبادئ المنصوص عليها في القانون العام لحماية البيانات في البرازيل [9] (LGPD)، المصادق عليها سنة 2018، والتّي أصبحت سارية المفعول خلال شهر أغسطس/آب من سنة 2020.

بعد مرور عامين، كان لهذا السّؤال جوابه، إذ حسب المنظمات، صاحبة الشكوى، فإنّ هذا النّظام يخرق في الكثير من المرات القانون العام لحماية البيانات، ويتعارض مع آليات قضائية أخرى، مثل الدّستور الفيديرالي، وحقوق الأطفال، والمُراهقين وقانون حقوق المُستهلك.

تؤكّد محتوى العريضة المُقدّمة أنّ شركة مترو “ساو باولو” تستخدم تكنولوجيا التّعرف على وجه المُسافرين، وتستعمل تلك البيانات الشّخصية دون موافقتهم؛ هذا يعني أنّه لا توجد الشّفافية. أضف إلى ذلك، فهي لا تضع في مُتناول مُستخدمي المترو المعلومات حول كيفية استعمال هذه البيانات، وإلى أيّ غاية تُوظّف.

كما تُشير إلى أنّ المؤسسة لم تُقيّم الأخطار المُترتبة عن هذا البرنامج، ولم تُخفّف من المشاكل الكامنة لتكنولوجيا التّعرف على الوجه، مثلما يقتضيه القانون. من جهة أخرى، فإنّ هذه المُمارسات الخاصة بالتّعرف على الوجه، تخرق الحقوق الأساسية للبشر والمُستهلكين، وهذا يضرّ بمُستخدمي وسائل النّقل العمومي، لاسيما المجموعات الاجتماعية المُهمّشة التّي ستجد نفسها مُتأثرة بالتّحيز العنصري المُتأصل.

السباحة ضد التيار

أعلم موقع “ويرد” (Wired [10]) تحتشد بعض المناطق لحظر تقنية التّعرف على الوجه في الولايات المُتحدّة، على مستوى الولاية والبلدية؛ بيد أنّه في المناطق الأخرى تضبط أكثر فأكثر استخدام هذه التكنولوجيا، ويفهم من هذا التباين في الإجراءات أهمية الضّبط على المستوى الفيديرالي.

طالب مجلس النواب الأوروبي أن يُحظر [11] الاستعمال الشّرطي لتكنولوجيا التّعرف على الوجه في المناطق العامة، على مستوى قواعد البيانات الشّخصية للتّعرف على الوجه ومُشغلات الشرطة التّنبؤية [12].

على نقيض ذلك، ففي البرازيل، يبدو أنّ الأمور تسير في الاتجاه المُعاكس. لا تعتبر شركة المترو “ساو باولو” العامة الوحيدة التّي تستخدم تقنية التّعرف على الوجه؛ ففي جميع أنحاء البلاد، نجد حُكام الولايات يُطبّقونها في قطاعات مُختلفة؛ وحسب معهد “إيجارابي” (Instituto Igarapé [13])، وهو مركز مُستقل بالبرازيل، فقد سُجل سنة 2019 ما يُقارب 47 حالة تعرف على الوجه، حيث طُبقت هذه التّقنية في 15 ولاية.

يُعتبر هذا الواقع مُشكلة في بلد حيث 56.1% من سكانها هم من السّود؛ والأمر يبدو واضحًا في ولاية “باهيا” التّي يحكمها الحاكم اليساري “روي كوستا”، السّياسي في حزب العمال، حيث يقوم بتحويل المقاطعة إلى “مخبر للتّعرف على الوجه”، حسبما أطلعه موقع “ذي إنترسبت برازيل” (The Intercept Brasil [14]).

مع أنّه لا توجد حظوظ كبيرة لجعل من هذا النّظام ذي أهمية كبيرة من أجل الأمن العام، إلاّ أنّه خلال شهر يوليو/تموز 2021، قررت ولاية “باهيا” توسيع البرنامج، وهذا بوضع تحت التجربة نظام تقنية جديد للتّعرف على الوجه في “مدينة سالفادور” عاصمة الولاية.

تتكفّل المؤسسة الإسبانية “ييثيسا” (Iecisa) بالشراكة مع “هواوي” بإدارة النظام الجديد بقيمة 18 مليون ريال برازيلي (ما يعادل 3.56 ملايين دولار أمريكي)؛ ويتمثل في مجموعة من الكاميرات مُوزّعة في كامل المدينة، بحيث تقوم بجمع صور الوجوه، وتحتفظ بها داخل نظام يجمع الصور للشّخص ذاته. حسب موقع “ذي إنترسبت”، يقوم النّظام باستخدام الذّكاء الاصطناعي لشراء الصّور المُجمّعة، وضمّها إلى تلك الوجوه المُتواجدة في قاعدة البيانات الشّخصية المبحوث عنها من طرف أمانة الأمن العام للدّولة.

إضافة إلى ذلك، فإنّه حسب أعوان المجتمع المدني، لايزال يفتقد البرازيل إلى إطار قانوني من شأنه أن يضع حدودًا ومعايير فيما يتعلق باستخدام تكنولوجيا التّعرف على الوجه.

في تقرير لسنة 2020 [15] لمعهد إيجارابي: “ينقصنا حاليًا ضبط وتوجيه شامل، وهذا ما نجم عنه ترخيص ضمني لاستخدام أنظمة التّعرف على الوجه”.

الآن، يتفهم المجتمع الدّولي، تمامًا هذه المشكلة، حيث استعملت كحُجة في العريضة؛ وتعدّ لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة هي التّي تعترف [16]بكون أنظمة التّعرف على الوجه يمكن أن تُستعمل لغرض “الإبقاء ومضاعفة التّمييز العنصري”، على وجه الخصوص، تجاه النّساء والسّود.

حاليًا، كون أنّ البرازيل لا يمتلك إطارًا قانونيًا متينًا، هذا لا يعني أنّه يمكن ترخيص التّعسف والخروقات، إذ أنّ هيئات المجتمع المدني، التّي قدّمت العريضة ضدّ مترو “ساو باولو”، تؤكّد أنّ البيانات المُجمّعة على مستوى المحطات والقطارات تُباع بطريقة غير قانونية.

هذه المزاعم لها مُبرراتها: في عام 2021، أُدينت “فياكواترو” (ViaQuatro)، المؤسسة الخاصة التّي تقوم بتسيير الخطوط الخاصة لمترو “ساو باولو” من طرف مجلس قضاء ولاية “ساو باولو” [17]، وهذا لاستعمالها تقنية التّعرف على الوجه بدون ترخيص.

في هذا المضمون، صرّحت القاضية بأنّه لا مجال للشّك في أنّه التُقطت صور للمسافرين دون موافقتهم لأغراض تجارية تعود بالنّفع للشركة ولشركات خارجية أخرى متواطئة.

تقول كارفالو: “إنّنا بصدد استيراد التكنولوجيا بصفة لا واعية، وهذا بإعادة تقليد ما هو مُطبّق؛ وحتى إنّه ليس بالتّقليد الجيّد فأغلبية هذه البلدان تخلت عن هذه التكنولوجيات. لكن هذه البلدان هي بأمسّ الحاجة لتصدير تكنولوجيتها، والتّي هي باهظة الثّمن؛ وبالتّالي تنتهز الفرصة من بلدان تعرف مستوى عال من اللامُساواة في المجتمع”.

يُضاف إلى ذلك، أنّ البرازيل يعمل بمنطق السّجن الجماعي، والتّجريم دون اللّجوء إلى استعمال القانون الجنائي باعتدال في النّزاعات التّي تتطلب ذلك فعلاً.

“نستعملها كخيار أولي وليس نهائيًا؛ وهكذا، بواسطة آليات مثل هذه، خارقة للحقوق، يبدو سهلاً وجود أماكن لتُعشش في بلدنا”.