- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

 المعلومات المُضلّلة 2.0: هل يجب استعادة مفهوم الدعاية الموجّة إلى الوعي العام؟

التصنيفات: أوروبا الشرقية والوسطى, أوكرانيا, روسيا, تقنية, سياسة, صحافة المواطن, الجسر, مشروع RuNet Echo, أدفوكس, Unfreedom Monitor

صورة بواسطة أميا نجرجان

المعلومة المضللة هي مُصطلح شائع ومصدر كبير للاضطراب والنزاع حول العالم. بدءً برئاسة، دونالد ترامب — واتهاماته خلال فترة رئاسته لوسائل الإعلام بنشر “الأخبار الزائفة” — العرقلة الانتخابية والنقاشات الزائفة التي تغمر وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت شيئًا مألوفًا، حيث ما زال ذلك جَانِبًا مُزعجًا جدًّا من واقع الإنترنت. سبب الانتشار غير المتعمد من المعلومات المُضللة خلال جائحة كورونا، إضافة عِبْء على المنظومة الصحية بشكل كبير عندما ظهرت نظرية المؤامرة كان ذلك واضحًا أنه سَبَب ظهور حركة مناهضة للقاح كورونا. تستثمر حكومات ونشطاء وعلماء موارد بشرّية وماليّة كبيرة لدراسة ظاهرة المعلومات المُضللة وإيجاد سُبل لعلاجها.

قوة المعلومات المُضللة

هناك عدد من النقاشات تدور حاليًّا حول طبيعة المعلومات المُضللة وكيف تعمل. تُنسب المجموعة الأولى من الأسباب إلى طريقة عمل وسائل التواصل الاجتماعي ومنصّات تكنولوجيا المعلومات الأُخرى. يتم النقاش بشكل عام على أن وسائل التواصل تستخدم خوارزميات تفضل المحتوى الخلافي والعاطفي المشحون مما يؤدي إلى زيادة في التطرف وتغذية المزيد من المعلومات الكاذبة. في نفس النّطاق، إن خصوصية إدارة البيانات على وسائل التواصل تخلق فرص لحملات إعلامية موجّة. يعتمد ذلك على إمكانية الوصول لعدد كبير من المعلومات الشخصية للمستخدمين، والتي تُستّخدم في تحلّيل التصرف البشرى والوصول إلى مجموعات مُختلفة من المتدينين والعرقين والعنصرين. مثل هذه البيانات متاحة للبيع على نطاق واسع في السوق المفتوحة والسوق السوداء. إن المنشورات المروجة والإعلانات المدفوعة هي أدوات التواصل الموجّة والمتاحّة عبر منصات تكنولوجيا المعلومات المُختّلفّة.

مجموعة أُخرى من النقاشات أقل صخبًا، ولا كنها أكثر أهمية. سقوط العالم في التأثير المعلوماتي لوسائل التواصل تزيد من مستّوى عدم الثقة في الحكومات والمؤسسات، حيث إنهم الآن لا يستطيعون تقديم معلومات كاملة وغير مُتحيزة عن طريقة عمل وسائل التواصل. ما ذَكَرته، ليه آي ليفروو، الأستاذة في قسم دراسة المعلومات في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس،  في تقرير مركز بيو للأبحاث، حول مستقبل الحقيقة والمعلومات الكاذبة عبر الإنترنت [1] في 2017 ما زال ذا صِلَة باليوم:

So many players and interests see online information as a uniquely powerful shaper of individual action and public opinion in ways that serve their economic or political interests (marketing, politics, education, scientific controversies, communit identity and solidarity, behavioral ‘nudging,’ etc.). These very diverse players would likely oppose (or try to subvert) technological or policy interventions or other attempts to insure the quality, and especially the disinterestedness, of information.

ينظر الكثير من الفاعلين وأصحاب المصالح إلى معلومات الإنترنت على أنها أداة تشكيل قوية للنشاط الفردي والرأي العام بطرق تخدم مصالحهم الاقتصادية والسياسية (التسويق، السياسة، التعليم، الجدال العلمي، والهوية والتضامن المجتمعي، والتنبيه السلوكي، إلخ) على الأرجح أن يُعارض بعض من هؤلاء الفاعلين المتنوعين للغاية (أو محاولة تخريب) التدخل التكنولوجي أو السياسي أو محاولات أُخرى لضمان جودة وتأثير المعلومات، وخاصة إذا كان هناك عدم اهتمام بها.

في نفس الوقت، قد لا تتّبع الهيئات الرقابية مثل الصحافة والقطاع غير الربحي المصلحة العامة، كونهم مهتمين أكثر بتسليع المعلومات الاقتصادية. نقص منتديات التداول المؤسسي تدفع الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت المكان الوحيد المُتاح للمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية، بالإضافة إلى أن هذه المنصات [2] تحتضن الاستقطاب المجتمعي وكراهية الأجانب وانتشار الأخبار الزائفة بها.

ومع ذلك، ليست هذه المشاكل الوحيدة في السياق المدني التي قد تساعد في زيادة وانتّشار المعلومات المُضللة، ولكن أيضًا دور المواطنين في استخدام ومشاركة هذه المعلومات. وفقًا لبحث في سيكولوجية المعلومات الكاذبة يُسلط الضوء على أن الأشخاص في المتوسط، غير قادرين على التميّز بين الأخبار الزائفة والحقيقة ولا يوجد لديهم نية مُتعمدة في مشاركة معلومات خاطئة. حيث توصل العلماء إلى واحدة من الأسباب التي تؤثر في انتشار الأخبار الكاذبة هي ظاهرة ” التفكير المُتكاسل” — نمط التفكير الذي يتطلب مجهود إدراكي أقل. الناس كما هي طبيعتهم عازمين على إتباع عواطفهم وحدسهم عند استخدام ومشاركة المحتّوى، واتخاذ قراراتهم ليس فقط بناءً على المحتوى نفسه، ولكن أيضًا للبيانات التوصيفية للمحتوى المنشور، مثل افتراض وثوقية المصدر الناشر أو بناءً على كم التفاعل والمشاركات على المنشور

كارثة المعلومات المُضللة اليوم مدفوعة بمزيج من هذه العوامل: تدهور الحالة السياسية، قلة الجُهد المبّذول من منصات تكنولوجيا، المعلومات وحقيقة الطبيعة البشرية. هناك قلق كبير أن مجموعة من حملات المعلومات المُضللة معتمدة على النجاح في الثلاثة عوامل السابقة والتي قد تُشجع إلى تغير سلبي في السلوك بين الناس. على الرغم من حقيقة أن متخصصي تكنولوجيا المعلومات الذين يعملون على حملات التأثير عبر الإنترنت أو التسويق يوضحون [3]أن في المتوسط، التأثير الإعلاني الموجه في السياسة والاتصالات التسويقية له تأثير ضئيل على المجموعات المستهدفة. بمعنى آخر، الحملات الإعلانية الموجة تستطيع فقط أن تُقنع شخصا لديه موقفًا راسخًا بالفعل، ولكنها ليست كافية لعمل تغير جزري في طريقة تفكير الفرد. في كتابهم، الدعاية الشبكية، أشار، بينكلر فارس و روبيرتز، بينما تتم مراقبة التلاعب بالبيانات وانتشار المعلومات المُضللة عبر الإنترنت وهذا شيئًا مُهِمًّا، ولكن وجب أيضًا تذكُر تأثيرها، وعلى الرغم من المعلومات الروسية المُضللة التي لديها تأثير ضئيل، مع ذلك قد استغلوا الصراعات القائمة داخل المجتمع الأمريكي.

لماذا تعمل المعلومات الروسية المُضللة في خضم الحرب في أوكرانيا؟

التصاعد الأخير من المعلومات المُضللة حول الحرب في أوكرانيا يُسلّط الضوء على نمط مثير للاهتمام. بينما تُظهر حملة المعلومات الأوكرانية نجاحًا في توصيل منهج قوي ومؤثر للدول الغربية، تستهدف المعلومات الروسية المُضللة باقي العالم، بما في ذلك دول بريكس [4]، وآسيا وأفريقيا. يستهدف الجانب الأوكراني في رواياته إلى زيادة التوعية لجرائم الحرب التي تحدث هناك أو لإظهار قوة المقاومة الأوكرانية، على عكس حملة المعلومات المُضللة للجانب الروسي التي تعمل بطرق متناثرة، ناشرة رسائل تستهدف بشكل ضمني مواقف الفئة المستهدفة لتلقى صدى واسعًا.

كما زعُم كارل ميلر، مدير مركز تحليل وسائل التواصل الاجتماعي لدى مؤسسة ديموس الفكرية في لندن في مقاله، من خلف #أنا أقف مع بوتين ــ لموقع الأطلسي  [5]

Disinformation campaigns are far more effective when they have a powerful truth at their core and use that truth to guide discussion. The blunt reality is that in many parts of the world, antipathy for the West is deep and sympathy for Russia is real. It is in these contexts where I’d expect influence operations to be targeted—and to work.

حملات المعلومات المُضللة يكون لديها تأثير كبير عندما تتضمن حقيقة قوية في جوهرها واستخدام هذه الحقيقة لتوجيه النقاش. الحقيقة المرة أن هناك أجزاء كثيرة من العالم، لديهم كراهية عميقة للغرب وتعاطف حقيقي مع روسيا. حيث إن في هذه الظروف أتوقع أن يتم استهداف عمليات التأثير الروسية — وبدء العمل.

يسلط البحث الأخير لفريق، كارل مُحللين مجموعة من المنشورات المنتشرة بهاشتاج #أنا أقف مع بوتين و#أنا أقف مع روسيا الضوء على تداول روايات النفاق الغربي، من توسع الناتو والتضامن مع البريكس في المناطق المُختّارة.

لقد طلب الناس المزيد من الأمثلة عبر الرسائل. بينما لا أُحب التضخيم، ولكن من المهم إظهار الموضع البلاغي الذي يتم استخدامه هنا.

على الرغم من حقيقة أن إستراتيجية المعلومات المُضللة الرقمية الروسية يتم دفعها وتوصيلها عن طريق أدوات تكنولوجيا المعلومات الحديثة، في مضمونها، مشابهة للدعاية التقنية. الهدف هو إيجاز شرعية روايات مُعينة بإدخالها للنظام البيئي الإعلامي وتكرارها حتى يُصبّح منطقًا مألوفًا للناس. يتم تضخيمها بواسطة تكنولوجيا الإنترنت. مما يسمح بإنتاج محتوى مزيف يُحاكي الواقع، ولكن موثوق لعديمي الخبرة أو الغافلين.

العودة إلى الدعاية

على الرغم من وضوح كفاءة المعلومات المُضللة، يجب أن يستعد الجمهور بحدوث تغيير في المنهج المُتبع. قد يكون ذلك بناءً على التصور التي توصل إليه،  جاكويس إلول،  في الستينيات من القرن الماضي على أنها الدعاية المُسبقة — تجهيز العقول بعدد كبير من المعلومات المُتضاربة، ويتم تزويدها بأهداف خفية ونشرها على أنها “حقائق و “تعليم”، حيث تكون دون منهج مُبّاشر أو ملحوظ، وتبدو ظاهريًا دون هدف، يقتصر الأمر على خلّق التباس وتقليص التحامل والتصورات المنتشرة ضدهم”. تأتي الدعاية المُسبقة بشكل أساسي على أنها الهدف الكامن وراء الحملات المعلوماتية الجيوسياسية للكرملين، كما يتبنى المُتصيدون الروس تقنيات الحرب-الباردة: من عرقلة الانتخابات الأمريكية في 2016 إلى قضية تبرير الغزو الروسي على أوكرانيا.

أصبحت القوة التفسيرية لمصطلح ” الدعاية المُسبقة ” أكثر وضوحًا مقارنة بمصطلح المعلومات المُضللة الأكثر استخدامُا.  تستهدف الكثير من حملات التلاعب المعلوماتي التي أصبحت أكثر تطورًا وانتشارًا، ليكون لديها تأثير نفسي على الناس عبر خلّق صورة بديلة عن الواقع.  المعلومات المُضللة هي فقط واحدة من العناصر التي تنتج تأثيرًا إعلاميًا على المخيلة المجتمعية المبنية على الروايات والأفكار السائدة.

بالعودة إلى القضية الروسية، على الرغم من رد فعل عامة الشعب الذي يدعم تمامًا الغزو الروسي على أوكرانيا، إلا أنة يوجد موقف سلبي قوي لا يُمكن تجاهله تجاه الحرب، هذا دليل قوي من الدعاية الداخلية التي تستخدم الكثير من المعلومات المُضللة لتلقيح مواقف الشعب في مختلف الأوقات.  في هذه القضايا والقضايا القادمة، قد يكون التركيز على المعلومات المُضللة واستهداف الأخبار الزائفة ليس كافيًا لمنع الصراعات والعرقلة السياسية.


يرجى زيارة صفحة المشروع لمزيد من المعرفة حول مراقبة قمع الحرية [8]