- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

بعد مرور عامين جراء انفجار مرفأ بيروت، الجرحى السوريون غارقون في الديون الطبية

التصنيفات: الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, لبنان, الدعم الإنساني, الهجرة والنزوح, حروب ونزاعات, حقوق الإنسان, صحافة المواطن, صحة, كوارث, لاجئون

اللاجئون السوريون المتضررون من الانفجار يعانون من العبء الإضافي للتعامل مع الوضع القانوني المعقد ومتاهة الرعاية الصحية. الصورة مُصرح باستخدامها بموجب رخصة المشاع الإبداعي 4.0 [1].

نُشر هذا المقال [2] لأول مرة من قِبل منصة حكاية ما انحكت، في الرابع من أغسطس/آب. أُعيد نشر نسخة معدلة عنه كجزء من اتفاقية إعادة النشر مع جلوبال فويسز.

خلال يوم ثلاثاء اعتيادي، وصل إشعار بتوصيل شطيرة بطاطا إلى هاتف جواد —اسم مستعار اُستخدم بناءً على طلبه— بعد أن تجاوزت الساعة الخامسة عصرًا بقليل. عند وصوله مع الطلبية إلى محطة الإطفاء في منطقة الكارانتينا، أحدهم أخبر جواد أن المُسعفة سحر، التي قدمت الطلب قد غادرت إلى مرفأ بيروت الذي يقع على بُعد دقيقتين. فقاد جواد بضعة أمتار في ذلك الاتجاه ومن ثم باتَ كُل شيء مُعتمًا.

كانت الساعة 6:07 مساءً في الرابع من أغسطس/آب 2020.

كان جواد من بين ما يقارب 6,500 [3] مُصاب عندما انفجر نحو 3,000 طن من نترات الأمونيوم المخزونة بطريقة خاطئة في المرفأ بعد أن اشتعلت بها النيران. سحر فارس [4]، المرأة التي طلبت الشطيرة وأحد أفراد فريق مكافحة الحرائق الذي أُرسل لإخماد الحريق الأولي، كانت من بين أكثر من 200 شخص لقوا مصرعهم.

وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، تضررت خلال الانفجار ست مستشفيات [3] و20 عيادة و80 مرفقًا من مرافق الرعاية الصحية.

على الورق، كان من المفترض أن تتكفل الحكومة اللبنانية ووكالات المعونة الدولية بالنفقات الطبية لأولئك الذين أصيبوا في الانفجار، بما فيهم الأجانب. لكن الواقع الفعلي اختلف لحد كبير.

مُنذ أن عصف انفجار نترات الأمونيوم بأجزاء من بيروت، لجأ الجرحى إلى الشوارع للاحتجاج على إهمال الحكومة اللبنانية المتواصل. بالنسبة للمواطنين السوريين [5]، فإن هشاشة وضعهم القانوني حدَّت من مطالباتهم بتعويضات ورعاية صحية لائقة. نتيجةً لذلك، يغرق اليوم جرحى الانفجار السوريون في بحر من الفواتير الطبية بسبب أوجه القصور التي تتخلّلها تغطية الحكومة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فضلًا عن الاستجابة التعسفية من منظومة المستشفيات في كثير من الأحيان.

بعد انقضاء عامان، ثمة بين المُصابين من يعانون الآن من إعاقات مستديمة تتطلب رعاية طبية متواصلة ومُكلفة.

انتظار طويل للرعاية الطارئة

عندما استعاد جواد وعيه، اللاجئ السوري المُقيم في لبنان، كان جزء كبير من بيروت مُدمرًا. ملأ الحُطام وشظايا الزجاج الأرض وصوت الطنين جُلّ ما أستطاع سماعه، كما يستذكر جواد. فقد علم لاحقًا أن طلبة أذنيه تضررت. كان الدم ينزف من رأسه واكتشف أن ساقه تأذت بشدة. يقول جواد (28 عامًا) لحكايا ما انحكت، وشبكة الصحافة الاستقصائية العراقية، “كانت أصابع قدمي حيث ينبغي أن يكون كعب قدمي؛ كانت كأنها انقلبت. شعرت بالدوران وتقيأت.” هو استطاع التواصل مع والدان زوجته، اللذان ساعداه في الانتقال إلى مستشفى. لكن الكابوس لم ينته بعد.

لجأوا إلى خمس مستشفيات مختلفة، قادوا شمالًا وبعيدًا عن العاصمة المُدمرة، ومع كل محطّة توقف كان يُقال لهم أن المستشفيات ممتلئة، أو عاجزة عن توفير الرعاية الطبية اللازمة.

في النهاية، تولى مستشفى في شمالي لبنان حالة جواد. كان يلزمه جراحة طارئة، “تواصلت المستشفى مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وأخبرتهم، ‘أُصيب هذا الرجل في ساقه، أتريدون تغطية تكاليف العملية؟'”

لم يتلق جواب في تلك الليلة.

في اليوم التالي، 5 أغسطس/آب، فيما أعلن وزير الصحة العامة اللبناني على التلفاز عن تَحَمُّل الدولة كُلفة علاج جميع جرحى الانفجار، جلس جواد بقدمه المكسورة في حُجرة المستشفى في محافظة عكار أقصى شمال لبنان. هو يقول:

It took UNHCR five days to answer the hospital, so I waited five days with my broken leg, taking painkillers.

استغرق الأمر من المفوضية خمسة أيام للإجابة على المستشفى، لهذا انتظرت خمسة أيام بساقي المكسورة بتعاطي المسكنات.

خضع جواد للعملية بعد خمسة أيام، بمجرد أن دفعت المفوضية. لكن بالرغم من تلقي الرعاية في المستشفى ضمن نطاق شبكة المفوضية، إلا أن وكالة الأمم المتحدة غطت 75% فقط من التكاليف. سدد جواد 25% المتبقية من الفاتورة، هو يقول بأنها تعادل 428 دولار أمريكي بسعر صرف الليرة اللبنانية بالدولار في ذلك الوقت.

أكد المتحدثون باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الذين تواصلت معهم حكاية ما انحكت، وشبكة الصحافة الاستقصائية العراقية عبر الإيميل، أكدوا أن وكالة الأمم المتحدة غطت 100% من التكاليف الطبية لجرحى الانفجار الذين تمت معالجتهم ضمن شبكة المستشفيات. مع ذلك، بالنسبة لجواد لم يكن هذا هو الحال.

قصة اجتيازه المتاهة الطبية اللبنانية —ثم تغطية التكاليف بنفسه— تكاد تكون نادرة.

انفجار بيروت عام 2020 دمر العاصمة اللبنانية وحياة الآلاف. الصورة مُصرح باستخدامها بموجب رخصة المشاع الإبداعي 4.0 [1].

متاهة تغطية الرعاية الصحية

الدكتور جوزيف الحلو، رئيس إدارة الرعاية الطبية بوزارة الصحة العامة، أطلع حكاية ما انحكت وشبكة الصحافة الاستقصائية العراقية:

We covered those who do not have insurance; those with insurance were covered with the insurance, with the MOPH paying the difference.

لقد قمنا بتغطية نفقات من لا يملكون تأمين صحي؛ أولئك الذين لديهم تأمين غطى التأمين نفقاتهم مع تكفل وزارة الصحة العامة بتسديد الفارق.

أكد أيضًا أن الوزارة “لم تُميز بين لبناني وسوري وبنغلاديشي. حيث تم علاج جميع الجرحى في المستشفيات.”

في حين أن معظم المستشفيات امتثلت حسب التقارير، فإن مستشفيات أخرى قدمت فاتورة -أو حاولوا إصدار فاتورة- للجرحى، وفقًا لما تفيد به الشهادات. ردًا على الاستفسار حول الامتثال الوارد ذكره في التعميم الصادر عن وزارة الصحة العامة، قال الدكتور الحلو، “لم تطالب أي مستشفى بتسديد مبلغ مادي من الجرحى.”

إلا إن للجرحى رواية مختلفة تمامًا. قال خمسة من أصل تسعة ممن تحدثوا مع حكاية ما انحكت، وشبكة الصحافة الاستقصائية العراقية في هذا التقرير، إن إدارة المستشفى طالبتهم بالدفع قبل تلقي الرعاية الطبية الماسة. وفقًا لتصريح الدكتور الحلو، فإن مكاتب وزارة الصحة العامة “لم تتلق أي شكوى،” بما إنه كان من المفترض من الوزارة والصندوق الوطني اللبناني للضمان الاجتماعي التكفل بتسديد النفقات الطبية. قال بأنه “لا يعلم” عن أي حالات فشلت بها وزارة الصحة العامة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في تغطية النفقات وأنه لم يسمع باحتجاج [6] جرحى الانفجار علنًا على إهمال السلطات احتياجاتهم الصحية.

بغض النظر عن التطبيق الخاطئ للتعميم في أغسطس/آب 2020، يرى خبراء في القانون أن الإهمال نجّم عن أوجه القصور التي تشوب التعميم.

وضحت غيداء فرنجية، محامية لدى جمعية المفكرة القانونية للمحاماة:

Once the injured got out of the hospital and wanted to go back in due to complications or additional treatment, the hospitals did not consider them covered under the MOPH,”

حين خرج الجرحى من المستشفى، ومن ثم أرادوا العودة إليها بسبب المضاعفات أو للحصول على علاج إضافي، المستشفيات لم تعتبرهم ضمن تغطية وزارة الصحة العامة،”

أضافت سميرة طراد، مديرة جمعية رواد الحدود، منظمة غير ربحية مقرها في لبنان ناشطة في شؤون اللاجئين وساعدت العديد من جرحى انفجار المرفأ غير اللبنانيين وأفراد أُسر القتلى للمطالبة بحقوقهم، “التدخل الطبي العاجل تم بالفعل، لكن المراجعات الإضافية لم تحدث، لذا تُرك الجرحى ليتعاملوا مع الوضع بمفردهم.”

‘كيف لنا أن ندفع؟’

بعد الانفجار، تلقى قطاع الرعاية الصحية 15.5 مليون دولار [7] أمريكي من المبلغ المطلوب البالغ قدره 33.3 مليون دولار أمريكي عن طريق النداء العاجل [3] الذي أطلقته الأمم المتحدة عام 2020 لتوفير العلاج الطارئ للإصابات المأساوية، وإعادة إعمار المرافق الصحية المتضررة، ومساندة المرافق الصحية المتبقية للعناية بموجة المرضى الذين لم يعد باستطاعتهم دخول المستشفيات المتضررة.

لكن الانهيار الاقتصادي الذي بدأ في 2019 — صنفه البنك العالمي من بين أكثر ثلاث انهيارات اقتصادية حِدةً عالميًا منذ 1850— شهد تصاعد في انخفاض قيمة العملة اللبنانية، فأصحبت الواردات بما فيها اللوازم الطبية بمثابة كابوس. علاوة على ذلك، لم تُخصص الحكومة ميزانية لتغطية التعميمات والقوانين التي تمنح ظاهريًا [8] الحقوق لضحايا انفجار المرفأ والجرحى وأُسرهم.

الدكتور الحلو قال، “للأسف، المستشفيات لم تستلم أي أموال مقابل تكلفة العلاج حتى الآن.” ويُضاف هذا إلى المشكلة الهيكلية [9] للديون التاريخية الواقعة على عاتق وزارة الصحة العامة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للمستشفيات.”

بالإضافة لذلك، مازالت اتفاقية وزارة الصحة العامة مع المستشفيات قائمة على سعر الصرف الرسمي الذي يعادل 1,500 ليرة لبنانية لكل دولار، في حين يبلغ سعر السوق الفعلي حوالي 29,700 ليرة لبنانية لكل دولار. يقول الدكتور الحلو، “بمعدل 1,500 ليرة لبنانية، لن تقبل أي مستشفى المبلغ الذي سأدفعه؛ ولا يمكنني إخبار المستشفيات أن يعملوا دون أن أدفع.”

يُمكن إدراك مقدار الضرر الذي ألحقته الأعوام الثلاثة المنصرمة بنظام الرعاية الصحية في لبنان عبر الانخفاض المتصاعد لقيمة عملة البلاد وحده. فقبل ثلاثة أعوام بلغت ميزانية وزارة الصحة العامة 475 مليون ليرة لبنانية، عندما كان سعر الصرف الرسمي 1,500 ليرة لبنانية لايزال ساريًا في شتى أنحاء البلاد، حينها تلك الميزانية كانت تعادل 330 مليون دولار أمريكي. في يومنا هذا، تعادل نحو 16 مليون دولار أمريكي فقط.

أوجه القصور في تغطية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين

وفقًا للناطق الرسمي باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تغطي المفوضية النفقات الطبية للاجئين المُسجلين فقط، مع ذلك “هنالك آلية في موضع التنفيذ لتسريع عملية التسجيل.”

إلا إن المفوضية [10] أوقفت تسجيل اللاجئين السوريون عام 2015 تلبيةً لطلب الحكومة اللبنانية. في وقتنا الحاضر، من بين اللاجئين السوريون المقيمين في لبنان والذين يُقدر عددهم 1.5 مليون، وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، نحو 839 ألف [11]فقط مسجلين مع المفوضية. يُترك الباقون لتدبر شؤونهم بأنفسهم وغالبًا ما يطلبون المساعدة من المنظمات غير الحكومية.

أخبر الناطق باسم المفوضية حكاية ما انحكت، وشبكة الصحافة الاستقصائية العراقية حول ضحايا انفجار المرفأ السوريون المُسجلون، “تم تغطية 100% من تكاليف المستشفى” من قبل وكالة الأمم المتحدة. لكن في بعض الحالات، كما هو الحال مع جواد، اضطر الضحايا لتسديد فواتير المستشفى.

بعد ثلاثة أشهر من الانفجار، لم يستطع جواد السير بسبب إصابة ساقه. وعندما تواصل مع مكان عمله السابق، أخبروه بعدم وجود مكان له بعد الآن. قال جواد، “لا يمكنني التقدم بشكوى إلى الشركة. أنا سوري. وليس بيدِ حيلة.”

بفضل جلسات التأهيل التي تلقاها من منظمة غير حكومية، تعافى جواد لكنه يقول بأنه لم يعد يستطيع الركض أو تحمل الأوزان. كما إنه يحتاج لإجراء جراحة إضافية لإزالة المسامير المعدنية من ساقه، لكنه متردد بشأنها.

بعد أن وجد وظيفة أخرى كعامل توصيل لتدبر معيشة زوجته وابنه البالغ من العمر 6 سنوات، غادر جواد وأسرته شقتهم المستأجرة في حي مار مخايل بسبب شدة تضررها من الانفجار، ووجدوا لهم مكان إقامة جديد في بلدة أنطلياس شرق بيروت. نظير الاعتناء بالمبنى، سُمح لعائلة جواد بالإقامة في غرفة صغيرة في الطابق الأرضي بنصيب ساعتان في اليوم من التيار الكهربائي. إنه يحلم يوميًا بإعادة التوطين. “إننا نعيش في بلد لا يحب السوريون — أرسلوني إلى السودان أو حتى نيجيريا. أهم ما في الأمر هو مغادرة لبنان.”