كم من الأطفال الذين عليهم أن يموتوا أو ينهوا حياتهم قبل أن ندرك أهمية الصحة العقلية؟ إلى متى يجب أن يعاني المراهقون بصمت من مشاكل الصحة العقلية لأن النيجيريين الأكبر سنًا يقولون إنهم “يبحثون عن الاهتمام فقط؟”. تصرح منظمة الصحة العالمية (WHO) أن الفشل في معالجة مشاكل الصحة العقلية عند المراهقين يمكن أن يمنعهم من انتهاز الفرص وإدارة حياة مزدهرة. يواجه الأطفال -كما هو حال البالغين- مشاكل كاضطرابات الأكل الشديد والصدمة والأرق وأكثر من ذلك، فلماذا نسارع إلى صرف النظر عن مشاكلهم؟
المراهقة فترة تأسيسية حيث يقوم فيها الأهل والبيئة بتشكيل عادات الأطفال وأنماط حياتهم ومرونتهم العاطفية. يوجد العديد من العوامل التي يمكن أن تساعد على بناء أو تهديم الشباب خلال هذه المرحلة. عندما لا يتم الاهتمام بعناية بالعوامل الجسدية والعاطفية والاجتماعية، يمكن أن تسبب لهم ندبة دائمة وأن تضيف عوائق أمام الفرص المستقبلية.
في نيجيريا، على الرغم من الوعي المتزايد حول قضايا الصحة العقلية العامة، لا يزال الاهتمام بالصحة العقلية للأطفال النيجيريين قليلاً وحتى معدوماً. وهذا قد يكون مَرَدَّه إلى أن الموقف الاجتماعي “نحو المرض العقلي مصبوغ بالتحيز والمفاهيم المغلوطة بصورة خطيرة”، هذا ما أكده تورينمو سالاو، صحفي في جريدة نايجيريان غارديان.
علاوة على ذلك، يتم ربط قضايا الصحة العقلية في بعض الأحيان مع المعتقدات الروحية أو الدينية، وفي بعض الحالات يتم إلقاء اللوم في المشاكل على “هيمنة الشيطان“، مما يجعل من الصعب على الناس الحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها. في استبيان أُجري في نيجيريا في 2020 من قِبل مؤسسة الاقتراع الإفريقي وإيبيآفريك، اعتقد 45 في المائة من المشاركين أن مشاكل الصحة العقلية تحدث بسبب هيمنة الأرواح الشريرة.
عواقب تجاهل الصحة العقلية للمراهقين:
يميل المراهقون الذين يواجهون مشاكل الصحة العقلية إلى أن تكون مشاركتهم وتركيزهم سيئان في حياتهم المدرسية. عند التعامل مع مشاكل كالاكتئاب أو القلق، يمكن للطفل عزل نفسه عن الآخرين مما يؤدي إلى ضعف الحياة الاجتماعية والدراسية. وبالمثل، قد ينتهي الأمر بالأطفال إلى إنهاء حياتهم عندما لا يتم التعامل مع مخاوفهم أو الاهتمام بها بشكل صحيح.
وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، “الانتحار هو السبب الرابع للوفاة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15-19 عاماً. كل عام، ينهي ما يقارب 46 ألف طفلٍ، بين سن 10 و19 حياتهم الخاصة، ما يعادل طفل كل 11 دقيقة”. لا يوجد شيء اسمه مرض عقلي بهذه العقلية النيجيرية، حيث يميل المجتمع إلى التقليل من شأن العواطف السلبية التي يختبرها الأطفال. محو الأمية في مجال الصحة العقلية “منخفض بشكل سيء” بين المراهقين النيجيريين، كما كشفت دراسة أجراها الصيدلاني السريري ديبورا أو. ألوه واثنين آخرين.
على الرغم من أن الوعي قد يكون منخفضًا، ولكن مشاكل الصحة العقلية بين المراهقين النيجيريين ليست كذلك- هي فقط لم يتم الإبلاغ عنها أو قَدِمت متأخرة إلى المستشفيات. أُجريت دراسة من قبل بليجر أوغبونا وخمسة باحثين آخرين في علم التمريض في إينوجو في جنوب شرقي نيجيريا، اعتبرت مرض انفصام الشخصية على أنه “المرض العقلي المشخَّص الأكثر انتشارًا” بين المراهقين النيجيريين. بالمثل، يكون المرض العقلي في ذروته في عمر 18 ويكون في “أدناه في عمر 15 سنة”، يقول أوغبونا.
على سبيل المثال، من المحتمل أن يتم توبيخ فتاة تعاني من اضطراب الأكل أكثر من مساعدتها، بسبب فكرة أنها قد لا تستمتع بالأكل. على الأرجح أنها لن تحصل أبدًا على المساعدة التي تحتاجها، وقد لا تكون قادرة على الوصول للمساعدة في مجال الصحة العقلية من المستشفى، لأن 3.5 بالمائة من ميزانية الصحة في نيجيريا مخصصة لرعاية الصحة العقلية، وفقًا لأوجار ماندي، وهو صحفي نيجيري.
عندما يتجاهل الأهل الصحة العقلية لأطفالهم، قد يتكون سوء تواصل بينهم، الأمر الذي يمكن أن يسبب صراعًا داخل الأسرة. فمثلاً، إذا لم يتمكن أحد الوالدين من تقبل أن طفله يعاني من القلق الاجتماعي، قد لا يفهم أحد الوالدين امتناع الطفل عن حضور التجمعات الاجتماعية، مما يؤدي إلى تأديب لا مبرر له. كذلك عندما لا تتم مراعاة الصحة العقلية للمراهق بشكل صحيح، فإن ذلك قد يسبب تصرفات وسلوك سلبي. تقدم اليونيسيف تقريرًا عن تقييم الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي (MHPSS)، والذي يبين معاناة الأطفال -خصوصًا في مناطق النزاع النيجيرية الشمالية الشرقية- من ضيق نفسي ويظهر بشكل سلوك عدواني، وضد المجتمع. نتيجة لذلك، قد يدمر بعض الأطفال مستقبلهم بالانخراط في سلوك جانح، وقد يعاني المجتمع ككل من مشاكل صحة عقلية غير مضبوطة.
كبح هذا الوضع
لا يمكن للحكومة الاستمرار بصرف النظر عن الصحة العقلية للأطفال. يُفترض بها إقامة مَرافق وظيفية يمكن أن تساعد على الحماية والتحكم بمشاكل الصحة العقلية المتعلقة بالأطفال، وأن تقدم الدعم الذي يحتاجونه ليعيشوا حياة صحية. يمكن أن تأخذ على عاتقها، إلى جانب المنظمات غير الحكومية، تمويل وتطوير مَرافقهم لمساعدة الأطفال عندما لا يستطيع الوالدان تقديم رعاية كافية.
أما بالنسبة للأهل أنفسهم، فإن طرح الأسئلة يقطع شوطًا طويلاً في مراقبة الصحة العقلية للطفل. على الرغم من أن بعض الأطفال يميلون بطبيعتهم إلى عدم الانفتاح على أهلهم، إلا أن بعضهم سيفعل. عندما يدرك الطفل أن هناك مساحة إيجابية لطرح مشاكله، فإنه سيشعر بالراحة للانفتاح على أي مشكلة يعتقد أنها تقلقه. هذا يترك مجالاً للأهل ليظلوا متفهمين لعقلية أطفالهم. يمكن لطرح الأسئلة أيضًا أن يعزز روابط قوية بين العائلات وحتى بين المجتمعات.
قال المؤلف ويليام تشابمان ذات مرة: “يمكن سحب السكين، لكن الكلمات مضمنة في أرواحنا”. تخيل أن يقضي طفل ما الحياة وهو مهووس بوزنه أو أن يعتقد طفل ما أن لا قيمة له إذا أظهر مشاعره. المراهقة هي سن تأسيسي، وأي شيء نخبره لأطفالنا الآن سينعكس على تصرفاتهم لاحقًا. يمكن لاختيار اللغة التأكيدية، الإيجابية بعناية، عند التحدث مع الجيل الشاب، أن يساعد على تعزيز فكرة كون صحتهم العقلية مهمة، ويمكن أن تزيد من ذكائهم العاطفي.
نيجيريا بلد يتطور بشكل متزايد بطرق عدة، بما في ذلك فهم مزدهر وقبول للأمراض العقلية، لذلك من المهم للغاية رفع مستوى الوعي بهذه الظاهرة. من الأهمية بمكان أن يثقف الجميع أنفسهم حول مسألة الصحة العقلية وكيفية تأثيرها على الأطفال، ثم نشر هذه الثقافة.
يجب أن يتم تثبيط فكرة أن المراهقين لا يمرون بمشاكل صحة عقلية. عندما نأخذ بالاعتبار عواقب عدم الاهتمام بالحالة العقلية للأطفال، فمن الواضح وجوب وجود دعم واعٍ لضمان نجاح أطفالنا. هذا بالطبع، يجب أن يكون جهدًا مشتركًا بين الأهل، والمجتمعات، والحكومة لحماية بيئة وصحة المراهقين.