أصدرت محكمة مُقاطعة خان أول بالعاصمة المنغولية أولان باتور في 9 أبريل/نيسان 2022 حُكمًا بالسجن 16 عامًا على بطل لعبة الجودو، والرئيس السابق للجنة الأولمبية الوطنية المنغولية نايدان توفشينبايار، لقتله الوحشي لصديق طفولته وزميله بلعبة الجودو إردنيبيليجين إنخبات؛ مما وضع نهايةً لملحمةٍ قانونية أبقت الأمة في حالة من الرعب لأكثر من عام.
بعد أن أصبح المنغولي الأول على الإطلاق الذي يحصد ميدالية أولمبية ذهبية في بكين 2008، ومن بعدها في لندن 2012 – ليكون أول منغولي متعدد الميداليات – كان من المقدر لتوفشينبايار اعتلاء سلم النجومية في بلد من عادته تقديس المصارعين. وفقًا لرويترز، “دفع نجاحه، قادة الأحزاب المتناحرة، للانضمام إلى آلاف المحتفلين في الشوارع للاحتفاء ببطلهم”. بالفعل، سرعان ما أصبح معروفًا كونه الشخص الذي ساعد منغوليا، بفوزه على تخطي الأزمة البرلمانية بين الحزبيْن الديمقراطي والحزب الشعبي الثوري المنغولي المتنافسين، في أعقاب أعمال العنف التي تلت الانتخابات، التي أودت بحياة خمسة أشخاص في يوليو/تموز 2008، في حين أجزلت له القناة الإخبارية سي إن إن الثناء باعتباره الأسطورة الرياضية الذي أشعل بمفرده شرارة اهتمام البلاد بالجودو.
بالإضافة إلى تقلده أعلى الأوسمة والألقاب المهنية والرياضية في البلاد – بما فيها نِيشان بطل العمل – سرعان ما أصبح واحدًا من أبرز الرموز الإعلامية في منغوليا. ظهر في إعلانات بيبسي -وبالطبع- في الحملات السياسية، إذْ استمرت شهرته “كموحد للمنغوليين في أوقات الأزمات”. هكذا، صار مروجًا لحملة مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة خالتاما باتولغا -بطل العالم السابق في المصارعة- والذي انتهى به المطاف بالفوز عام 2017 في الجولة الثانية بفارق ضئيل، نسبة 50.6. إلى جانب كونه رجل أعمال فاحش، وسياسي مثير للجدل -والذي أطلق على مجموعة شركاته اسم”جينكو” إشارة إلى اسم شركة عائلة كورليون في فيلم”العراب”- وأيضًا صاحب أكبر تمثال للفروسية في العالم؛ فقد كان باتولغا كذلك رئيسًا لاتحاد الجودو المنغولي. لذلك، كثيرًا ما كان يُعزى إليه نجاح لاعبي الجودو المنغوليين، بما في ذلك الانتصار الأولمبي لتوفشينبايار.
كما كان يُعد توفشينبايار ربيبًا لباتولغا، ورفيقًا مُقربا إليه، وإلى الحزب الديمقراطي حتى من قبل انعقاد الانتخابات الرئاسية في 2017. شارك في 2016 -كمواطن لمقاطعة زافخان- في الانتخابات البرلمانية في مقاطعة بيانهونجور جنوب غرب منغوليا -وهي الدائرة الانتخابية التقليدية للرئيس القادم- فقط لكي يخسر خسارة مخزية بفارق 98 صوتًا. بعد بضعة أسابيع، أضاع محاولته في الحصول على الميدالية الأولمبية الثالثة بالخسارة في الجولة الأولى في ريو عام 2016، وارتبط هذا الفشل بوجه عام بمشاركته في الحملة الانتخابية وإهماله لواجباته الرياضية. في عام 2020، كان على وشك أن يشارك في الانتخابات البرلمانية من نفس المقاطعة للمرة الثانية، ولكن عوضًا من ذلك قام بالتقدم كالمرشح الوحيد لرئاسة اللجنة الأولمبية الوطنية المنغولية بدعم من رئيس البلاد، وتم انتخابه بنسبة كاسحة بلغت 94.6. من المثير للاهتمام أنه في فبراير/شباط 2022، تم تعيينه في منصب مستشار رئيس الوزراء الحالي لوفسان نامسراي أويون-إردين والذي بالمناسبة يتولى رئاسة حزب الشعب المنغولي المنافس.
بعد أن صار حاميه رئيسًا لمنغوليا، اُتهم توفشينبايار بتهمة التنمر، في الوقت الذي نال فيه سُمعة سيئة بسبب الإفراط في استهلاك الكحول. قبل وقوع المُشاجرة الدموية في عام 2021، تورط في ثلاث حالات من العنف الجسدي على الأقل، إحداها كانت قبيل عشية انعقاد الانتخابات الرئاسية لعام 2017. اضطر الرئيس المستقبلي لإنكار حدوثها، بل وانبرى للدفاع عن توفشينبايار في مقابلة علنية وقت الإدلاء بصوته.
Юу гэж тийм юм байхав дээ. Тэр чин таа нар одоо, тийм юуманд үнэмшдэгээ болих хэрэгтэй. Түвшинбаяр аварга хүн зодох нь байтугай хүнд гар хүрэхгүй.
كيف يمكن لذلك أن يحدث؟ عليكم التوقف عن تصديق مثل هذه الأمور. فلا يمكن للبطل توفشينبايار أن يضرب شخصًا قط، بل وإنه لا يمكنه أن يلمس أحد أبدًا.
ثبت خطأ الرئيس؛ في 2 إبريل/نيسان 2021، وخلال اجتماعه ببعض الشخصيات البارزة في الحزب الديموقراطي من مقاطعته الأصلية زافخان منهم: حاكم المقاطعة، والرئيس، وممثلي مجلس البلدية؛ هاجم وضرب توفشينبايار الثمل صديق طفولته، والنجم الواعد في المصارعة المنغولية، وحامل رتبة “الصقر الوطني”: إردنيبيليجين إنخبات، بعد قيامه- حسبما يُدعى- بإفقاده الوعي باستخدام غرض ثقيل. عقب الإصابة بالعديد من الرضوخ وتلف حاد في الدماغ، دون استعادة للوعي، فارق إنخبات الحياة في عيادة في كوريا الجنوبية في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021 عن عمر يُناهز 37 عامًا.
ФОТО: Монгол Улсын өсөх идэр начин Э.Энхбат агсныг сүүлчийн замд нь үдлээ https://t.co/cia1JbgkFF pic.twitter.com/M1lilzoLOL
— Үнэнийг мэдээлнэ (@iSee_MN) December 31, 2021
الصورة: نُقدم وداعنا الأخير للراحل إي. إنخبات، صقر منغوليا الواعد.
بعد الاعتداء الدموي، تردد الكثيرون في إلقاء اللوم بشكل صريح على الرياضي الاسطوري، كما في حالة رئيس الوزراء أويون-إردين الذي ذكر بوضوح أنه كان “ من غير الملائم له أن يقرر ما إذا كان توفشينبايار مصيبا أم مخطئا، مادحًا برغم ذلك، أعماله “العظيمة” في توحيد الأمة خلال وقت الاضطراب. أما اليوم، وبعد مُضي أكثر من عام على الهجوم الشنيع، تحول البطل الأسطوري الذي منح الشرف للأمة- ببطء، ولكن على نحو ثابت- إلى شرير وطني، جارفًا معه السمعة السياسية للرئيس السابق باتولغا.
في الوقت الحالي، حسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تُعد منغوليا صاحبة واحدة من أسوأ معدلات القتل في آسيا، والتي تفاوتت سنويًا ما بين معدل 7.24 و5.98 (لكل 100 ألف نسمة) بين عامي 2014 و2020، ذلك مقارنة مع 6.66 لأفغانستان (2018)، و3.23 لكازاخستان (2020)، و2.19 لقرغيزستان (2018). أما في أوروبا فتعد روسيا فقط صاحبة أعلى معدل جرائم قتل بنسبة 10.7 (2020). بحسب بيانات جرائم القتل الصادرة عن منظمة الصحة العالمية في 2019، سُجلت 197 حالات قتل عمد في منغوليا مقارنة بجورجيا -وهي الدولة التي تتفق معها في عدد السكان- التي سجلت 90 حالة. وفقًا للبيانات الإحصائية الوطنية الرسمية، ارتفع عدد الأعمال الإجرامية التي نجم عنها حالات وفاة (القتل المتعمد وغير المتعمد، والحوادث، والانتحار، والتحريض على الانتحار) بمقدار 17.3 في المائة، ذلك من 382 حالة في عام 2020 إلى 448 حالة في عام 2021. ووفقًا لتقرير أصدره مجلس النواب، فإنه يتم ارتكاب ما بين 70 إلى 80 بالمائة من جرائم القتل العمد في البلاد تحت تأثير الكحول. الأمر الذي أثار المزيد من المخاوف هو أنه في الأشهر الستة الأولى من عام 2022، ارتفع معدل الجريمة الإجمالي في منغوليا بنسبة مرعبة بلغت 89.9 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021.