هذه المقالة جزء من تحقيق مرصد الإعلام المدني بشأن بيئة وسائل الإعلام الهندية. اضغط هنا لمعرفة المزيد عن مهمتنا [4]، ومنهجيتنا [5]، والبيانات المُتاحة للجميع. [6]
على مدار السنوات القليلة الماضية، ظهر اتجاه تصاعدي خسرت فيه صناعة السينما في بوليوود [7] عاشقيها، في الوقت ذاته الذي تزايد فيه أنصار القادة القوميين الهندوس. أظهر تحقيق أجراه مرصد الإعلام المدني أن هذا قد أدى إلى موجة انتقادات [8] غير مسبوقة ضد أفلام وممثلي بوليوود؛ بسبب آرائهم الليبرالية وأجندتهم التي يُزعم أنها “معادية للهندوس”.
تمثلت أخر حادثة من ثقافة إلغاء [9] بوليوود واسعة النطاق في استهداف ممثلي بوليوود المخضرمين عامر خان [10] وكارينا كابور [11]. كان فيلمهم “لال سينغ شادها [12]” -الذي عُرض في دور السينما في جميع أنحاء العالم في 11 أغسطس/آب 2022- محط جدل قبل وبعد صدوره. الفيلم هو معالجة بولوودية جديدة مقتبسة عن الفيلم الأمريكي الشهير “فورست غامب [13]“. يحكي الفيلم قصة لال الذي يؤدي دوره عامر خان، وروبا التي تؤدي دروها كارينا كابور، والصعوبات التي تصادفهم. قبل صدور الفيلم، عجت وسائل التواصل الاجتماعي بوسم #boycottlalsinghchadha [14] (قاطعوا فيلم لال سينغ شادها)، وجرى استهداف كل من عامر خان وكارينا كابور لكونهما “معاديين للقومية”. كانت هناك منشورات ناشدت الجمهور بمقاطعة الفيلم لتعليم خان ضرورة التوافق مع السرد الهندوسي القومي. شاركت الجماعات اليمينية مقاطع لعامر خان من عام 2015 [15]، حينما صرح بشعور زوجته الهندوسية بعدم الأمان في الهند؛ بسبب تصاعد التعصب الديني، وبسبب الشعور المتزايد [16] “بانعدام الأمن والخوف واليأس” في البلاد. اُستهدفت [17] كارينا كابور خان -المتزوجة من الممثل سيف علي خان [18]- المرة تلو الأخرى؛ بسبب زواجها من ممثل مسلم، وتسميتها لأطفالها بأسماء إسلامية. لم يبدأ النقد بمحتوى الفيلم، وإنما بدأ بعامر خان. في حدث صحفي، ناشد [19] عامر خان الجمهور بعدم مقاطعة فيلمه، وأوضح أنه ليس “معاديًا للقومية” من خلال هتافه [20] بأنه “يحب هذا البلد”، ولا ينبغي للجمهور أن يظن عكس ذلك.
مع تولي حزب باراتيا جاناتا الهندوسي القومي (بي جيه پي) [21] مقاليد السلطة في الهند في عام 2014، دخلت الأيديولوجية الهندوسية اليمينية صلب تيار [22] المحادثات السياسية والثقافية السائدة. يُظهر البحث الخاص بمرصد الإعلام المدني التابع لـموقع الأصوات العالمية مسئولية [8] بوليوود عن “إعطائها الأولوية” للممثلين المسلمين، وعدم إنتاجها لأفلام [23] تحمل “الروح القومية”، و”تصويرها المهين” للهندوس. تربط الجماعات اليمينية بشكل مباشر ما بين الهوية الدينية للممثل، والقيم التي يقدمها على الشاشة، ويستخدمون ذلك لتضخيم مشاعرهم المعادية للإسلام. يمثل هذا خروجًا عن الماضي، حينما تمتع عامر خان وزميله المسلم البارز شاروخان [24] بشعبية كبيرة. اليوم، أصبحت الأصولية الهندوسية بمثابة القاعدة الجديدة للمعجبين في الهند.
اضغط هنا لقراءة المزيد: تزايد المشاعر المعادية للمسلمين في جميع أنحاء الهند بتحريض من الجماعات الهندوسية المتطرفة [25]
بوليوود كممثلة للأيدولوجية الليبرالية
في الهند، تُعتبر لعبة الكريكيت وبوليوود بمثابة ديانات. في الوقت الحاضر، تُلقي هجمات هندوتفا الأيديولوجية [26] (الشكل السائد للقومية الهندوسية في الهند) بظلالها [27] على كلا هذين الأمرين، آخذة المعجبين بعيدًا عن الفنانين والرياضيين نحو الخطباء القوميين الاستفزازيين، ونحو المشاهير الذين خرجوا لدعم الأيديولوجية القومية الهندوسية، وقادة حزب باراتيا جاناتا، مثل: رئيس الوزراء ناريندرا مودي [28]، والوزير الأول لولاية أتر برديش، أجاي سينغ بيشت، المُلقب باسم يوغي أديتياناث [29].
يُظهر بحثنا أن الجماعات اليمينية قد استهدفت عائلات بوليوود [30] والصناعة بأكملها، مُدعية أنها نخب ليبرالية [31] تسعى إلى غسل عقول البلاد، من خلال إمطار الشعب الهندي برموز ثقافية مناهضة للقومية، ومؤيدة للتحدث باللغة الإنجليزية، وذات طابع غربي، ومعادية للهندوسية في أفلامهم. اتخذ هذا السرد بُعدًا جديدًا عندما مات ممثل بوليوود، سوشانت سينغ راجبوت [32]، منتحرًا [33] في عام 2021. وصفت الجماعات اليمينية الوفاة بأنها جريمة قتل دبرتها عائلات بوليوود التي تُحابي الأقرباء ضد شخص غريب.
من الأمثلة الحديثة على ثقافة الشك والغضب هذه هي الضجة [34] التي أثارتها جلسة تصوير عارية قام بها الممثل رانفير سينغ. [35] يُظهر [36] تحليل مرصد الإعلام المدني أنه قد حُكم على الحادثة بكونها مناهضة للهندوسية؛ لأنها تحدت المفاهيم النمطية للنظام الأبوي، واُعتبرت انتهاكًا [37] للقيم الثقافية الهندية.
أدت الكراهية المشتركة ضد نجوم بوليوود المسلمين، وحلفائهم من عائلات هندوسية في بوليوود إلى تغيير ديناميكي لا يؤثر على الكيفية التي يتحول بها الاستهلاك السائد للترفيه فحسب، بل وعلى الكيفية التي يتغير بها ولاء المعجبين.
[38]عامر خان في المتحف الوطني للإعلام [38] بالمملكة المتحدة عام 2010. الصورة عبر فليكر بواسطة المتحف الوطني للعلوم والإعلام. CC BY-NC-ND [39].
ممثلو بوليوود يوصمون بوصفهم جهاديين وإرهابيين
عامر خان [10] هو أحد أبرز الممثلين في بوليوود، لقد مثل في بعض من أعلى أفلام بوليوود ربحًا مثل “لاجان” و “البلهاء الثلاثة” و “دانجال”، وأثارت كل هذه الأفلام بعض الشواغل المجتمعية الهامة. كما استضاف البرنامج الحواري “ساتياميفا جياتي [40]” الذي ركز على رفع الوعي بشأن القضايا الاجتماعية. في ورقة أكاديمية نُشرت عام 2020 حول القاعدة الجماهيرية في الهند بعنوان “البطل وتقديس البطل: القاعدة الجماهيرية في الهند [41]“، نُسبت شعبية عامر خان إلى كونه مستندًا إلى الواقع؛ مما يُشعر الجمهور بزيادة الارتباط بعمله. في برنامج “ساتياميفا جياتي”، قام عامر خان بتصوير المسؤولية التي يحملها المشاهير على عاتقهم تجاه الثقافة الهندية. ينطبق الأمر نفسه على شاروخان [24] الذي كان، لفترة طويلة، معبودًا للنساء في الهند [42]. رغم ذلك، يُظهر بحثنا أن هذا الانطباع آخذ في التغير [43] مع تزايد التعصب الهندوسي. مع وجود ناريندرا مودي على رأس القيادة السياسية، تعززت أعمال القومية الهندوسية، بينما احتلت جماعات هندوتفا الهامشية الآن مركز الصدارة [44] في المحادثات السياسية. أصبحت الروايات النابعة من هذه الجماعات معتادة في المحادثات اليومية، مما أدى إلى زيادة التمييز ضد المسلمين. [45]
يُظهر استهداف عامر خان الطريقة التي تحتل بها الأصولية الهندوسية الحيز الثقافي الذي يتعارض مع أنواع محددة من التعبير والفنانين. يكشف بحث مرصد الإعلام المدني في النظام البيئي الإعلامي عن رسائل ومنشورات [46] تصف عامر خان بالجهادي [47] والإرهابي [48]. كما أُلقي عليه اللوم لمشاركته في “جهاد الحب [49]” -وهي نظرية مؤامرة تتهم الرجال المسلمين بتحويل الهندوسيات إلى اعتناق دينهم عن طريق الزواج كجزء من حرب ديموغرافية- لأنه متزوج من امرأة هندوسية. يرتبط هذا النوع من الرسائل ارتباطًا مباشرًا بكونه ممثلًا مسلمًا. تستخدم الجماعات القومية الهندوسية السرد المتزايد القائل بأن المسلمين ليسوا هنودًا حقيقيين [50] لتبرير مراقبة ممثلي بوليوود.
اضغط هنا لقراءة المزيد: فك شيفرة دور وسائل الإعلام الرئيسية والاجتماعية في أعمال العنف الأخيرة ضد المسلمين في الهند [51]
قبل عدة أشهر، أُلقي اللوم [52] على شاروخان أيضًا بسبب “بصق الجهاد [53]” حينما اُتهم باطلاً بأنه قام بالبصق خلال مراسم عزاء المغنية الشهيرة لاتا مانغيشكار [54]. وقد سُمي الفعل المزعوم بـ “الجهاد”؛ لأنه دنس شعائر الجنازة الهندوسية ببصاقه. كما وُجه اللوم أيضًا إلى فرحان اختر [55] بسبب “جهاد الحب [49]” لزواجه من هندوسية. يكشف تحليل مرصد الإعلام المدني لمثل هذه الروايات عن الأهمية المتزايدة لثقافة الإلغاء، حيث يُرفع مقام القيم القومية والأصولية الهندوسية عاليًا، ويُوضع المشاهير، الذين اشتهروا ذات يوم بأخذ الجمهور إلى عالم مختلف من خلال عروضهم، تحت الاختبار فيما يتعلق بتلك القيم.