- Global Voices الأصوات العالمية - https://ar.globalvoices.org -

الدبلوماسية الثقافية والأهداف السياسية: قصيدة “الشاب مكرون” للغاز الجزائري

التصنيفات: الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, الجزائر, فرنسا, تاريخ, سياسة, صحافة المواطن, علاقات دولية, موسيقى

 

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقف مع بوعلام بن حوى، أمام ديسكو المغرب. مدينة وهران الجزائرية, 27 آب / أغسطس 2022. لقطة من فيديو فيديو [1] لوكالة فرانس برس. استخدام عادل.

 

انتهت زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل مكرون للجزائر، التي امتدت على ٣ أيام في 29 آب/ أغسطس بوقفة تاريخية في مدينة الباهية وهران، كما يحلو للجزائريين تلقيبها؛ زار خلالها حصن وكنيسة سانتا كروز [2]، وهما من أهم المعالم الأثرية المسيحية في الجزائر. توجه بعدها إلى ديسكو المغرب [3]، محل التسجيلات الموسيقية المشهور، والذي يعتبر موطن موسيقى الراي الشعبية، بهدف كسب قلوب الشباب الجزائريين، بعد ما يقرب العامين من [4] العلاقات الباردة بين البلدين.

يبدو أن لمكرون معرفة مسبقة بموسيقى الراي، في التويت اللاحقة، صورة لمكرون وهو يحمل كاسيت للشاب حسني، الذي اغتيل [5] في عام 1994 [5] في عز شبابه وذروة شهرته على أيدي شخصين مجهولين، مما سبب صدمة في الأوساط الشعبية الجزائرية.

ايمانويل مكرون أخذ صورة وهو يحمل كاسيت للشاب حسني. مذهل جدا

لديسكو المغرب قصة مثيرة للاهتمام؛ إذ إنه أغلق أبوابه قبل قرابة 20 عام [8]، بالرغم من كونه من أكبر العلامات التجارية التي سجل فيها عمالقة أغنية الراي الجزائري أمثال الشاب خالد [9]، والشاب مامي [10]، والشاب حسني [5].

لكن ديسكو المغرب لم يكن ليلفظ أنفاسه الأخيرة بعد، بالعكس تماما، فقد عاد إلى المشهد [11] بقوة إثر صدور أغنية ل “دي جي سنيك” من أصل فرنسي جزائري، وهو من أهم أعلام إنتاج الموسيقى في فرنسا، في فيديو موسيقي يحمل اسم ديسكو المغرب، بألحان تمزج [12] ما بين الإيقاع الشاوي، والنايلي، والڨصبة، والراي، بإشادة منه إلى جذوره الجزائرية – سنيك مولود لأم جزائرية. وضح الفنان على [13] تويتر [13] عند إصداره للفيديو بأنه تخيل ديسكو المغرب “كجسر بين أجيال وأصول مختلفة، يربط شمال إفريقيا، بالعالم العربي وما بعد ذلك”.

حصد الفيديو منذ تحميله على منصة اليوتيوب في 31 أيار/ مايو ما يقارب ال 86 مليون مشاهدة [14]، وما زال ذلك الرقم في تزايد.

ترحيب رسمي دافئ واستقبال شعبي ساخط

سعى ماكرون في رحلته بالتركيز [15] على المستقبل، وعلى إعادة تنشيط التعاون والشراكة بين البلدين.  من ناحيته، رحب الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون  ب “الديناميكية الإيجابية” في العلاقة بين البلدين مؤكدا على الآفاق الواعدة لتحسين الشراكة الخاصة التي تربط بينهما.

بالرغم من الترحيب الرسمي الدافئ، والاحتفاء الإعلامي بوقفة ديسكو المغرب، إلا أن الشارع الجزائري كان له رأي آخر؛ إذ تجمهر مئات الجزائريين حول سيارة مكرون في وهران بشتائم، وشعارات تقول “تحيا الجزائر”، واتهامات مفادها بأن الغاز هو كل ما يهم مكرون. مكرون أساء [16] فهم الرسالة الشعبية [16]، فهتف شاكرا في إيماءة بيده للتعبير عن الامتنان في فيديو واسع الانتشار، اضطر بعدها إلى قطع جولته المرتجلة.

تم التقاط هذه الحادثة بواسطة فيديو، انتشر كالنار بالهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي:

لخص الكاريكاتير اللاحق وقفة ديسكو المغرب ورد الفعل بعدها:

كان الشاب #ماكرون في وهران يوم السبت لزيارة ضريح مسيحي ومتجر أسطوري #Raï Disco Maghreb. جرب الرئيس حظه في جولة مرتجلة، قُطٍعَت لأسبابٍ أمنية. الجزائر وفرنسا، يا لها من قصة حب جميلة.

سرعان ما أصبح “الشاب ماكرون” محور استهزاء الشباب الجزائري:

ببراعة، رد الجزائريون بسلسلة من الميمات احتفاء بهذه المناسبة. هذا الميم يصور الرئيس الفرنسي كمغني راي، الشاب ماكرون (“صدر” من قبل ديسكو المغرب) حيث يتغني بجمال جبال أزرو، موقع مصفاة النفط.

أما هذه الصورة، فتستهزئ بالرجل الذي ذهب إلى الجزائر رئيسا وعاد “الشاب مكرون”:

لقد ترككم الرئيس ماكرون، وعاد لكم “الشاب مكرون”. لا بد أنكم فخورين.

الجزائر وفرنسا: علاقة حب شائكة

الاستقبال الساخط للشعب الجزائري ليس مستغربا؛ من وجهة نظر جزائرية شعبية، علاقة فرنسا بالجزائر، ليست علاقة الحب [28] التي وصفها مكرون في زيارته، بل هي علاقة مضطربة، ومتعبة، وشائكة، يشوبها تاريخ احتلال مروع دام لمدة 132 عاما، انتهى بثورة دموية، سمتها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بثورة المليون ونصف مليون شهيد [29]، حيث اقتلعت الجزائر استقلالها من فرنسا في عام 1962 [30].

عبر المؤثر الجزائري، صـور من التـاريخ، عن استيائه عقب تصريحات مكرون حين وصف علاقة الجزائر بفرنسا بأنها ” قصة حب لها نصيبها من المآسي:

مكرون كان أول رئيس فرنسي- بعد استقلال الجزائر- يقترب [36] من الاعتراف بالاحتلال الفرنسي للجزائر، والأساليب القمعية التي اتبعتها فرنسا للسيطرة على الثورات؛ فقد [37] ندد بالاستعمار ووصفه بأنه “جريمة ضد الإنسانية” في وقت مبكر من شباط/ فبراير 2017، خلال رحلة إلى الجزائر.

لم يتوقف مكرون عند هذا الحد، ففي 24 تموز/ يوليو 2020، كلف المؤرخ الفرنسي المولود في الجزائر، بنيامين ستورا، بكتابة تقرير [38] بهدف “إحياء ذكرى الاستعمار والحرب الجزائرية” [38]. لكن الإليزيه رفض [39] الاعتذار عن احتلال الجزائر [39] أو الحرب الدامية التي أنهت الحكم الفرنسي في كانون الثاني/يناير 2021، بعد تلقيه التقرير. أثار [40] القرار انتقادات في الشارع الجزائري [40]، رغم الصمت المطبق للحكومة الجزائرية.

انتهت تلك الفترة بزوبعة سياسية بعد عدة أشهر في أكتوبر/تشرين الأول 2021 أدت إلى توتر العلاقات بين البلدين، إثر تصريحات لمكرون [41] تساءل فيها عما إذا كانت هناك أمة جزائرية قبل الحكم الاستعماري الفرنسي، وصرح فيها بأن “النظام السياسي العسكري” الجزائري أعاد كتابة تاريخ استعمار فرنسا على أساس “ضغينة يكنها لفرنسا”.

تزامنت تلك التصريحات باحتفال فرنسا ب “الحركى [42]” وهم الجزائريين المجندين في صفوف الجيش الفرنسي إبان الثورة، استغلتهم فرنسا من أجل قمع الثوار الجزائريين، بالإضافة إلى قرار فرنسا تقليل [43] عدد التأشيرات الممنوحة من فرنسا للناس من الجزائر، وفرنسا وتونس. [43] 

رد السلطات الجزائرية وقتها كان فوريا وحازما [44]؛ إذ قامت الجزائر بحظر جوي للطيران الفرنسي، وتقليص التبادلات التجارية، كما قامت باستدعاء السفير الفرنسي في الجزائر، مما اضطر مكرون أخيراً بمد يد السلام [41] بهدف تهدئة الأمور، ولكن بدون اعتذار رسمي.

قصيدة غنائية للغاز الجزائري

الزيارة الأخيرة، والمحاولات في كسب ود الشعب الجزائري أكد بأن هناك تغير في موقف مكرون من الجزائر؛ فقد تغيرت نظرته الفوقية [45] إلى رغبة راسخة في رتق العلاقات [46]، خاصة في وجه شتاء طويل وقارص بانتظار أوروبا، إثر قرار روسيا بقطع الغاز عنها [47]، رداً منها على العقوبات التي فرضتها أوروبا على روسيا عقب غزوها لأوكرانيا.

أصر [48] مكتب مكرون بأن الغاز الجزائري لم يكن أولوية على أجندة الزيارة، [48] مع ذلك كانت رئيسة شركة الطاقة الفرنسية، إنجي كاثرين ماكجريجور في الوفد الفرنسي في الجزائر. صرح [48] خبير الطاقة، جيف بورتر من شركة نورث أمريكا ريسك كونسلتينج “North Africa Risk Consulting” أن رحلة ماكرون كان لها هدفان على الأقل: “استكشاف استقرار قطاع الطاقة الجزائري وقدرتها التصديرية المحتملة، ومحاولة إبعاد الجزائر عن بعض علاقاتها الدبلوماسية الأخرى،” بما في ذلك روسيا والصين.

لخص موقع “ِالجيري بلاك ليست [49]” أهداف زيارة مكرون للجزائر، برسم كريكاتوري لشريط كاسيت يحمل صورة الشاب مكرون، تلميحا منهم لوقفة ديسكو المغرب، يحمل الشريط عددا من الاغاني تضم: الشتا صعيبة – (الشتاء صعب)، اعطني نشعل – (اشارة الى الغاز)، روسيا ما درت فيا – (ماذا فعلت بنا روسيا)، الغاز طلعلي للراس – (الغاز صعد لرأسي) وغيرها.